عودة ابن عربي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
فضيلة الفاروق
أولاً وقبل كل شيء كل رمضان وأنتم بألف خير، وعسى أن يكون شهر تأمل وعبادة ومراجعة للذات وسفراً روحانياً في ملكوت الله، لإدراك عظمته وعظمة كونه، للتقليل من جبروتنا البشري السخيف، والتوقف عن التنكيل بأنفسنا وبأبناء جلدتنا.
ثانياً أود أن أعبر عن سعادتي بعودة ابن عربي للحياة، في ذكرى مولده الثالثة والخمسين بعد الثماني مئة سنة، والتي تحل علينا في الشهر الفضيل، عودة قوية بدأت بنيل الكاتب السعودي محمد حسن علوان لجائزة البوكر بروايته "موت صغير" والتي بنى أحداثها على سيرة إمام المتصوفة محيي الدين بن عربي.
عودة ميمونة ومحمودة، بعد أن شوه ديننا تشويهاً مرعباً وأصبح علامة للإرهاب على المستوى العالمي.
ولنتذكر قبل بلوغ "موت صغير" قمة البوكر، كانت صورة رجل الدين أو الشيخ أو الإمام صورة مهزوزة في الأدب العربي، تكشف عن رجال قساة، غلاظ القلوب، مزدوجي الشخصية، يقولون ما لا يفعلون، غير صور أخرى كاريكاتورية تضع رجل الدين في محل سخرية، وتصوره شخصاً غبياً، جاهلاً، تجاوزه الزمن، وهذه ليستْ حقيقة مغلوطة بالكامل، ولكن الذي حدث أن بعض المؤسسات الدينية فتحت أبوابها لكل من هب ودب، فأصبح أغلب الفاشلين يذهبون إليها لتأمين وظيفة دائمة لهم دون كثير عناء، ولكي يحافظوا على مورد رزقهم ذاك، بالغوا في تجهيل الناس، وحاربوا شيوخاً ورجال دين أكثر وعياً منهم وأقربهم للإسلام فهماً وتطبيقاً. كان قوتهم مبنياً على جهل المجتمع، لكننا اليوم في زمن العولمة وانفتاح العالم على العلم واختلاف الحضارات، لم يعد ممكناً إبقاء عقل المسلم في قفص.
أخرج محمد حسن علوان إذن ابن عربي من مقبرة الثقافة العربية ليذكرنا بأخطائنا أولاً وبما نملكه من علماء دين وهبوا للإسلام أرواحهم وكرّسوا حياتهم لمحبة الله وأنبيائه، وخدموا الإسلام بالعقل لا بالسيف.
أخرجه في الوقت المناسب، لأن الدماء ملأت كوكبنا بسبب إجرام نُسب إلينا كمسلمين ونحن أبرياء منه، فخلافاتنا الداخلية ليس سببها الإسلام بل فهمنا الخاطئ له، أمّا غير ذلك فيحتاج لشرح وتحليل طويل ليتبين الحق من الباطل.
مثل ابن عربي نجد علماء آخرين برز منهم تلميذه جلال الدين الرّومي الذي قدمته الكاتبة التركية إليف شافاق في روايتها "قواعد العشق الأربعون" وهو الآخر من الأئمة الذين ظلموا من طرف أئمة آخرين وظلمت معهم المجتمعات الإسلامية في كل مكان، إذ كيف يكون الإنسان كافراً وقريباً من الإسلام في الوقت نفسه؟ وكيف يتمكن أحد من قياس درجة الكفر تلك، فيما الخالق سبحانه وتعالى وحده يعلم ما في الصدور، والرّجل لم ينكر أبداً وجود الله ولا أنكر أنبياءه؟ بل إنه من كثرة هيامه بعظمة الله رمى الدنيا بكل متاعها جانباً وذهب إليه بكل جوارحه التي لم تهتز بمغريات الحياة.
شكراً لمحمد حسن علوان على عمله القيّم، وشكرا للجنة البوكر التي توّجته ولكل من بارك وشارك لبناء فكر مسالم يقوم على الوعي والرقي، لا على قتل الآخر للانتصار عليه.