مشروع الفضاء.. الإمارات تزرع الأمل
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
مشروع الفضاء.. الإمارات تزرع الأمل لدى الشعوب العربية
جمال سند السويدي
في يوليو من عام 2014 كانت دولة الإمارات العربية المتحدة ومعها العرب والمسلمون على موعد مع حدث علمي وتنموي غير مسبوق عربياً وإسلامياً، حين أعلن صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، وصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، إنشاء وكالة الفضاء الإماراتية، بهدف إرسال أول مسبار عربي وإسلامي إلى كوكب المريخ بحلول عام 2021 تزامناً مع الذكرى الخمسين لإنشاء دولة الإمارات العربية المتحدة، لتؤكد الدولة أنها لا تتهيب المنافسة حتى لو كان مجالها هو الفضاء، وهي تقبل التحدي مهما بدا للبعض كبيراً أو حتى مستحيلاً، لأن المستحيل ليس في قاموس دولة الإمارات العربية المتحدة وقيادتها الرشيدة التي تعتبره «أكبر سجن صنعه الإنسان لنفسه، وكلمة اخترعها من لا يريدون العمل، أو كلمة اخترعها لنا من لا يريدوننا أن نعمل»، كما قال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله.
لقد أُطلق على المسبار الإماراتي إلى المريخ اسم «مسبار الأمل»، وهو اسم عبقري ومعبر وينطوي على رسالة فلسفية مهمة مفادها، أن دولة الإمارات العربية المتحدة من خلال هذا المسبار تزرع الأمل في نفوس الشعوب العربية والإسلامية في ظل الأوضاع المحبطة التي تعيشها معظم هذه الشعوب بسبب الصراعات والحروب والمشكلات الاقتصادية والتنموية والاجتماعية التي تعانيها، إضافة إلى خطاب الإحباط واليأس الذي يتم تصديره إلى هذه الشعوب، سواء من الخارج بهدف هزّ ثقتها بنفسها وإقناعها بأنها جثة هامدة لا حياة فيها وعبء على العالم المتقدم، أو من الداخل في إطار «جلد الذات» المضرّ الذي يمارسه بعضهم ويبتعد به عن «النقد الذاتي» الإيجابي والمطلوب لتصحيح الأخطاء وتجاوز جوانب النقص والقصور. وفي الوقت الذي تترسخ فيه صورة العالم العربي في أذهان الشعوب في العالم، خاصة في الغرب، مقرونة بممارسات تنظيمَي «داعش» و«القاعدة»، وأفكار التطرف والعنف والإرهاب والكراهية للآخر التي تروج لها الجماعات الدينية- السياسية، جاء «مسبار الأمل» ليقول إن ثمة نقاط ضوء ساطعة في هذه المنطقة، وإن الشعوب العربية قادرة على التحدي وراغبة في الانخراط في مسيرة التقدم العالمي متى توافرت لها البيئة والظروف المواتية لذلك، وإن «داعش» و«القاعدة» وجماعة «الإخوان المسلمين» وغيرها من جماعات العنف والإرهاب، هي انحراف عن المسار العام في المنطقة، ومن الظلم أن يتم النظر إلى العرب أو المسلمين من خلالها أو تكوين صورة عنهم عبر أفكارها وممارساتها المنحرفة والدموية. وهذا هو الدور الحضاري الكبير الذي تقوم به دولة الإمارات العربية المتحدة خلال المرحلة الحالية من تاريخ العرب والمسلمين باعتبارها مصدراً للأمل والإلهام للشعوب العربية والإسلامية، تؤكد أن التراجع الذي يعانيه العرب في مضمار التقدم العالمي ليس قدراً محتوماً، بل يمكن الخروج من شرنقته بالإدارة السليمة والإرادة القوية والتخطيط العلمي والثقة بالنفس، وهي المنظومة التي تقف وراء التجربة التنموية الإماراتية المميزة وتفسر ريادتها إقليمياً وعالمياً، وقد كان صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، معبراً بجلاء عن هذا المعنى حينما جعل عنوان كلمته في «القمة العالمية للحكومات» في دبي في فبراير 2017: استئناف الحضارة، مؤكداً أن العالم العربي يمكنه استئناف حضارته العريقة من جديد لكن بشرط الأخذ بأسباب صنع الحضارات وعدم التحجج بأي مبررات أو أسباب للتراجع أو الفشل.
عندما تم إعلان المشروع الإماراتي للوصول إلى المريخ في عام 2014، ربما نظر بعضهم في العالم العربي أو في الخارج إلى هذا الإعلان نظرة تشكيك أو اعتبره طموحاً أكبر من القدرات والإمكانات أو حتى جنوحاً في الحلم والطموح، لكن دولة الإمارات العربية المتحدة، كعادتها دائماً، تخطط لكل شيء، وتحسب خطواتها بدقة، ولا تعلن مبادراتها إلا بهدف تنفيذها وليس أي شيء آخر، ومن هذا المنطلق بدأت الخطوات التنفيذية لتنفيذ هذا المشروع الطموح والتاريخي تتوالى لتؤكد للعالم كله الجدية والقدرة والإرادة لتحويل الحلم إلى حقيقة، حيث تم إنشاء مركز محمد بن راشد للفضاء في عام 2015، ووصلت الاستثمارات الوطنية في الفضاء وصناعاته إلى نحو 20 مليار درهم، وفي القمة العالمية للحكومات في دبي في فبراير 2017، أعلن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، حفظه الله، مشروع «المريخ 2117» الذي يهدف إلى بناء أول مستوطنة بشرية على المريخ خلال مئة عام. يضاف إلى ذلك، الخطوات المتسارعة لبناء قاعدة قوية من الكوادر العلمية المواطنة القادرة على تنفيذ مشروع الفضاء الإماراتي والإشراف عليه بأيدٍ وخبرات وعقول إماراتية، حيث إن هناك أكثر من 150 عالماً ومهندساً إماراتياً قائمين على هذا المشروع، وهذا، بلاشك، يؤسس لواقع علمي وتكنولوجي جديد في دولة الإمارات العربية المتحدة بفضل علوم الفضاء وما يرتبط بها من صناعات ومشروعات تخدم التنمية الشاملة والمستدامة في الدولة، وتنسجم مع طموحاتها الكبرى في المجالات كافة.
ولعل ما يزيد من أهمية مشروع الفضاء الإماراتي ويكسبه معانيه ودلالاته الكبيرة، أن دولة الإمارات العربية المتحدة تنخرط من خلاله في توجه عالمي يعطي أهمية كبرى للفضاء واستكشافه، خاصة كوكب المريخ أو الكوكب الأحمر، حيث تشير الإحصاءات إلى أن حجم صناعة الفضاء على المستوى العالمي يصل إلى نحو 300 مليار دولار، وأن نسبة النمو السنوي لصناعة الفضاء عالمياً تصل إلى نحو 8%، وهذا يعني أن عدم الاهتمام بالفضاء يعني الخروج من مسار التقدم العالمي والوقوف في مؤخرة الصفوف في هذا المجال، بعيداً عن أي مساهمة حقيقية في الحضارة الإنسانية خلال المرحلة الحالية التي يمر بها العالم. وإذا عرفنا أن مشروع الفضاء الإماراتي سوف يستفيد من نتائجه ومعلوماته نحو 200 معهد بحثي ومركز دراسات متخصص حول العالم، يتضح على الفور مدى الخدمة الكبرى التي تقدمها دولة الإمارات العربية المتحدة للعلم والإنسانية من خلال هذا المشروع الرائد، خاصة مع الشراكات العلمية الثرية بين الدولة والدول المتقدمة في مجال الفضاء على المستوى العالمي، وهذا ما عبر عنه بوضوح صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، حفظه الله، تعليقاً على مشروع «المريخ 2117» بقوله: «دولة الإمارات العربية المتحدة أصبحت جزءاً من حراك علمي بشري لاستكشاف الفضاء، ونسعى من خلال المشروع الجديد إلى تقديم إسهامات علمية للمعرفة البشرية.. نستكمل اليوم من خلال هذا المشروع مسيرة معرفية بشرية ونبدأ رحلة جديدة ستستمر عقوداً قادمة لتسريع سعي البشر لاستكشاف الكواكب الأخرى».
إن دولة الإمارات العربية المتحدة التي تلهم العرب والمسلمين من خلال مشروعها الفضائي حول كوكب المريخ، وتلهمهم بما تمثله من قيم التسامح والوسطية والاعتدال والتعايش وقبول الآخر، وما تجسده من سياسات ورؤى حكيمة لتحقيق السعادة والسلام والأمن والتنمية لشعبها وللشعوب الأخرى، وتلهمهم أيضاً بتحديها للمستحيل، فإذا كانت هناك دولة على ظهر الأرض تنطبق عليها مقولة نابليون بونابرت: لا مستحيل تحت الشمس، فهي دولة الإمارات العربية المتحدة. وفي النهاية أستطيع أن أقول بكل ثقة وفخر: إن الإمارات هي أمل العرب وقاطرتهم للخروج من عنق الزجاجة نحو الفضاء الرحب للتقدم العالمي.