جريدة الجرائد

الإسلاموفوبيا وحرب الإرهاب

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

 عثمان ميرغني 

 الحوادث الإرهابية المتعاقبة خلال الأشهر الثلاثة الماضية في بريطانيا، وآخرها الهجوم قرب مسجد فينسبري بارك في لندن، أثارت مجددا النقاش حول ظاهرة الإسلاموفوبيا التي شهدت تصاعدا، لا في بريطانيا وحدها بل أيضا في أوروبا وأميركا.

فكثير من المسلمين يرون أن هناك تشويها منهجيا لصورتهم، وأن الحرب على الإرهاب أسهمت أيضا في ترسيخ هذه الصورة النمطية المشوهة التي تجعل كثيرا من الناس ينظرون إلى المسلم بمزيج من الشك والحذر. ومن هذا المنطلق اعتبرت بعض المنظمات الإسلامية في بريطانيا الهجوم على الناس قرب مسجد فينسبري بارك «ترجمة عنيفة لظاهرة الإسلاموفوبيا المتزايدة».
وسائل الإعلام البريطانية في مجملها، أو فلنقل في معظمها، تعاملت مع هذا الهجوم على أنه عمل إرهابي، خصوصا أنها كانت قد تعرضت لانتقادات بسبب طريقة التغطية للجرائم الإرهابية الأخرى التي كان منفذوها من المسلمين، حيث كانت العناوين الصارخة تسهم في ترسيخ الصورة النمطية المشوهة عن الإسلام والمسلمين. عناوين مثل «الإرهاب الإسلامي»، و«الإرهابي المسلم»، و«الراديكالية الإرهابية الإسلامية»، و«شبكة الإرهاب الإسلامية»، و«الفكر الإرهابي الإسلامي المتطرف»، وغيرها من المصطلحات التي تسهم في رسم صورة ترسخ في أذهان كثير من الناس انطباعا بأن كل المسلمين متطرفون أو إرهابيون محتملون، وأن الإسلام دين تطرف وعنف وجهل وتخلف.
لكن على الرغم من أن غالبية وسائل الإعلام البريطانية وصفت هجوم فينسبري بارك بالإرهابي، فإن التعامل مع المهاجم كان أمرا مختلفا. لم يكن هناك ذلك الإصرار على استخدام صفة الإرهابي في كل سطر من التغطية الإخبارية، على غرار ما يحدث عندما يكون المهاجم مسلما. بل إن صحيفة واسعة الانتشار مثل «الديلي ميل» تعرضت للنقد عندما وصفت في تغطيتها الأولى للجريمة المهاجم بأنه «سائق حافلة أبيض» ولم تصفه في عنوانها بالإرهابي.
كانت هناك عناوين أخرى كثيرة مثل «ذئب منفرد عاطل عن العمل معتقل في الهجوم على المسجد»، و«والدة المهاجم تقول: ابني ليس إرهابيا»، وغيرها من العناوين والمفردات التي لا تصف المهاجم بالإرهابي بالسهولة ذاتها التي تلمسها عندما يكون المهاجم مسلما. أكثر من ذلك كانت هناك تحليلات وشهادات عن الجاني دارين أوزبورن (47 عاما) تتحدث عن وضعه كعاطل عن العمل، أو عن مزاجه كشخص غاضب مثير للمشكلات، أو عن قيامه بسب المسلمين في بعض المناقشات بعد الهجوم الإرهابي في جسر لندن وسوق بورو المجاورة بداية الشهر الحالي. بعض هذه المعالجات بدت وكأنها تبحث عن «مبررات» تفسر عمل الرجل الذي قال الشهود إنه كان يصرخ بعد دهسه للناس في فينسبري بارك: «أريد أن أقتل كل المسلمين... لقد أديت دوري».
أوزبورن قد لا يكون منتميا لتيار اليمين العنصري المتطرف المنظم في جماعات مثل «عصبة الدفاع الإنجليزية»، لكنه بالتأكيد تأثر بالتغطيات التي ترسم صورة نمطية سلبية عن الإسلام والمسلمين بعد كل عمل إرهابي. إنه نتاج للإسلاموفوبيا المتزايدة خصوصا مع الصور المرتبطة بحرب الإرهاب، والتي أدت إلى ارتفاع عدد الاعتداءات والحوادث الموجهة ضد مسلمين في بريطانيا بنسبة 40 في المائة منذ العام الماضي، وفقا لإحصائيات الشرطة. في لندن وحدها سُجلت ألف و124 حادثة مرتبطة بالإسلاموفوبيا، بينما لوحظ ارتفاع هذه الحوادث والجرائم بعد كل عملية إرهابية.
المسلمون ليسوا وحدهم الذين يشكون من تأثير التغطية الإعلامية السلبية، والصور النمطية التي تخلقها وسائل الإعلام عن الإسلام والمسلمين في معالجتها لجرائم الإرهاب. فهناك كثير من الناشطين وبعض المشاهير في بريطانيا الذين درجوا على المجاهرة بانتقاداتهم للتغطيات الإعلامية التي «تشيطن» المسلمين.
الكاتبة البريطانية ذائعة الصيت جيه كيه رولينغ، مؤلفة سلسة «هاري بوتر»، تصدت كثيرا للتغطيات التي ترسخ الصور النمطية، وتسهم في مشاعر العداء تجاه المسلمين. فبعد الهجوم قرب المسجد في لندن هذا الأسبوع نشرت رولينغ تغريدة قالت فيها «دعونا نتحدث عن كيف تطرف الإرهابي منفذ اعتداء فينسبري بارك». وكانت تشير بذلك إلى العناوين الصارخة في وسائل الإعلام التي تسارع لربط الإرهاب بالإسلام، وتخلق صورة مشوهة في أذهان الناس لكل من هو مسلم. صورة تجعل كل مسلم إرهابيا محتملا، وتحمل كل المسلمين مسؤولية أفعال قلة ضئيلة منحرفة.
مثل هذه الصورة يستثمرها دعاة التطرف من الجانبين. ففي الغرب تنشط الجماعات اليمينية العنصرية في استخدامها لبث سمومها لنشر الكراهية ضد المسلمين خصوصا والمهاجرين عموما. أما في العالم الإسلامي فتستخدمها جماعات التطرف والإرهاب في دعاياتها للتغرير بالشباب وتجنيدهم في حرب مزعومة للدفاع عن الإسلام.
رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي حرصت بعد الهجوم قرب المسجد في لندن على إدانة الشر المولود من الكراهية، قائلة إنه بغض النظر عن الشكل الذي يتخذه هذا الشر، فإن له الهدف الأساسي نفسه وهو بث الفرقة.
الإسلاموفوبيا وجه من وجوه هذا الشر المولود من الكراهية، وتجب محاربتها بالقدر ذاته الذي ندعو به لمحاربة شيوخ التطرف والإرهاب.

 

 

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف