عن «الدولة» التي يُحذِّر منها.. أردوغان!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
محمد خروب
فيما تتواصل جبهات القتال في الموصل والرقة وعلى تخومها وبينهما, وتأخذ المعارك في البادية السورية مسارات، تكتيكات ومناورات عديدة، بعد ان اختلطت الأمور وكادت ان تتحول الى أُحجية مُعقّدة, وبخاصة بعد الفشل الاميركي الموصوف في «قطع» الحدود السورية العراقية,
والإمساك بـ»جيب» او كوريدور على جانبي هذه الحدود, التي باتت هدفاً لمختلف اللاعبين, في – وعلى – الساحتين السورية والعراقية، وفيما تُواجه علاقات الرئيس التركي بدول مجلس التعاون الخليجي الثلاث السعودية، الامارات والبحرين مأزقاً جديداً، بعد ان غدت القاعدة العسكرية التركية على الاراضي القطرية, شرطاً من الشروط الثلاثة عشر التي طُلِب من الدوحة تنفيذها تحت طائلة «الطلاق»على حدّ وصف وزير اماراتي, يبدو تحذير الرئيس اردوغان,(الناري والغاضب كما يجب التنويه) بأن بلاده وقواتها المسلحة بكل امكاناتها, لن تسمح بتأسيس دولة هناك (يقصد شمال سوريا).. لافتاً, إن لجهة التوقيت أم لجهة الحِدّة التي انطوت عليها كلمات الرئيس التركي التي جاءت قريباً من الحدود السورية التركية وفي بلدة أقجة قلعة تحديداً(جنوب شرق البلاد) ما يثير الاسئلة حول ما إذا كانت انقرة قد بدأت تدرك ان مشروع الدولة الكردية (روج آفا) في شمال سوريا, قد نضج او في طريقه الى ذلك,او ان سير المعارك في الرقة سيُفضي لا محالة , إلى مثل هذه المآلات التي ترافقت مع اعلان تركي «مُناقِض» إذا شئنا عدم المبالغة ومفاده، أن واشنطن ابلغت انقرة انها في صدد «سحب» كل الاسلحة التي تم تسليمها الى قوات حماية الشعب الكردية المنخرِطة, بل قل القائدة, للميليشيات المسماة قوات سوريا الديمقراطية «قسد», ما يعني ان انقرة لم تنطل عليها مثل هذه اللعبة الاميركية «غير الجديدة» على اي حال، أو انها ستأخذ على عاتقها مهمة إفشال ما تعتقد انه مخطط اميركي «ناجز» ينتظر لحظة التنفيذ.. ليس إلاّ.
الاحتمال الثاني هو الاكثر ترجيحاً, وبخاصة ان اردوغان ألمح الى ذلك في كلمته الغاضبة التي جاء فيها «.. لِتعلموا انتم ومَن يقف الى جانبكم ويساندكم, ان الدولة التركية, لن تسمح ابداً بتأسيس دولة هناك (يقصد شمال سوريا).. الخ، مؤكداً في الوقت ذاته ان بلاده ابلغت الولايات المتحدة والدول المعنية الاخرى بذلك الموقف, مُعيداً التأكيد على ان تنظيم (حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري) وذراعه المسلحة تنظيم وحدات حماية الشعب الكردية, لديهما «مساع» لتأسيس دولة شمال سوريا.
لا يترك اردوغان مجالاً للشك بأنه جاد في تحذيره تحت طائلة التدخل العسكري,الذي قد يأخذ هذه المرة طابعاً مختلفاً عن غزوة «درع الفرات» التي تمّ كبحها روسِياً (واميركياً) تحت طائلة المواجهة التي لم يجرؤ اردوغان على خوضها, كسباً للوقت وانتظاراً لفرصة اخرى, ودائماً في المناورة بين موسكو وواشنطن لاستمالة إحداهما او تحييدها (لا فرق) الأمر الذي تمت ترجمته باعلان انقرة المفاجئ عن «انتهاء»عملية درع الفرات والزعم انها حققت اهدافها، دون إهمال حقيقة ان قوات الاحتلال التركي للشمال السوري, لم تتوقف عن تكريس وجودها في المناطق السورية المحتلة و»تتريك» المناهج والإدارات والمرافق السورية.
رفض واشنطن «القاطع» لإغراءات انقرة بالتخلي عن القوات الكردية «المجربة والشجاعة»على ما دأبت الادارة الاميركية وصف مقاتلي الميليشات الكردية, وبخاصة بعد مباحثات اردوغان مع ترمب, في اللقاء الاول الذي جمعهما,اضافة الى التسليح الاميركي النوعي لهذه الميليشيات, أشعل اكثر من ضوء أحمر في أنقرة, ما دفع الأخيرة للدَفعِ بمزيد من القوات الى الداخل السوري, في استعراض واضح للقوة, محمولاً على تهديد بهدم المعبد على الجميع, وخاصة ان مؤشرات عديدة تشي بان اردوغان قد خلُص الى نتيجة بان «الحوار» مع الادارة الاميركية الجديدة بات نوعاً.. من العبث.
وإذا ما أخذنا في الاعتبار التصريحات «المدوّية» التي خرج بها على «المنطقة» المُهرج الاميركي المعروف روبرت فورد, الذي كان سفيراً لبلاده في دمشق والذي تسلّم لاحقاً منصب المبعوث الخاص لدى «المعارضات» السورية, ثم ما لبث ان استقال, وراح يُوزِّع مزاميره ومواعظه على ساسة المنطقة, بوصفه خبيراً في الشؤون السورية (..) وخصوصاً تحذيره لأكراد سوريا بان» اميركا تخدعهم» ويدعوهم الى عدم الاطمئنان لوعود الادارة الاميركية وقوله صراحة «.. مسؤولون اميركيون قالوا لي انهم لن يدافعوا عن الكرد ضد قوات الاسد. يستخدمون الكرد لتحرير الرقة من داعش فقط، اعتقد - يواصل فورد - ان ما نقوم به مع الكرد ليس فقط غباء سياسياً، بل غير اخلاقي لينتهي الى القول: الاميركيون استخدموا الاكراد لسنوات طويلة خلال حكم صدام.. هل تعتقد (يسأل فورد محاوِره في جريدة الشرق الاوسط اللندنية)ان الاميركيين سيُعامِلون الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب بشكل مختلف،عما عامل هنري كيسنجر الاكراد العراقيين؟ فيجيب عن سؤاله بنفسه: الاكراد السوريون يقومون بأكبر خطأ لدى ثقتهم بالاميركيين، إن الاميركيين يستخدمون الكرد بطريقة تكتيكية ومؤقتة، ولن يستخدموا الجيش الاميركي للدفاع عن «غرب كردستان» كإقليم مستقل في مستقبل سوريا.. ختم فورد.
هل يعني ان اردوغان اراد «الاستفادة» من مواعظ فورد؟ أم انه يقرأ المسألة من جوانبها الميدانية, ويستدرِك على المستجدات التي تلوح في الافق, وخاصة بعد الضربات الصاروخية الباليستية الايرانية, وتصاعد التوتر في العلاقات الروسية الاميركية بعد العربدة الاميركية التي تجلّت في اسقاط المقاتلة السورية, ثم الطائرة بلا طيار التي تبعتها, وقيام موسكو بتعليق العمل بمذكرة «سلامة التحليقات»مع واشنطن؟
ما بعد الموصل وخصوصا ما قبل انهاء وجود داعش في الرقة, ومعرفة من الذي سيحسم المعركة في عاصمة الخلافة الداعشية, ووصول الجيش السوري الى دير الزور وفرضه واقعاً ميدانياً جديدأً,لن تستطيع واشنطن مهما فعلت وعربدت تغييره، سيكون المشهد قد انجلى على نحو يمكن للمرء,التكهّن بمسارات الأزمات في المنطقة، وعندها سنعرف ما الذي يتوفر عليه اردوغان – او يفتقده – من أدوات واوراق وهوامش.