تحديات المستقبل في الخليج
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
محمد الرميحي
بعض من الكتاب والمحللين العرب وغيرهم، تناولوا التغيرات السياسية الأخيرة في المملكة العربية السعودية، في الغالب بشكل سلبي، وأكثر المقالات انتشاراً وقراءة بين النخب، كما ثبت من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، تلك التي تبادلوها بينهم، وكتبت من كتاب غربيين، في الغالب لا يعرفون كثيراً عن تاريخ أو ثقافة الشعب في المملكة العربية السعودية وبلاد الجوار، بل كثير منهم يقيس بمقاييس لها شروط ومواصفات مختلفة، بمن فيهم عرب قرأوا المشهد قراءة تكاد تكون متحاملة أو تعبر عن ينبغيات في أذهانهم.
تقع شريحة كبيرة من المتلقين العرب تحت ثلاثة متغيرات ربما واحد منها صحيح فقط، الأول أن معظم ما يكتبه الغربيون جدير بالثقة، وهي فكرة رسخها تاريخ طويل من الإعجاب غير المقيد بالغرب، وأعتقد أن علينا اليوم أن نعكس الصورة، فنقول: إن كثيرا مما يكتبه الكتاب الغربيون يجب أن يحتمل الشك، إما بسبب أجندة لهم، أو بسبب الجهل بما يتناولونه أو المعرفة السطحية به، والثاني أن هناك منهجية عقلانية فيما يُكتب، وقد ثبت في كثير من الكتابات أن ذلك ليس على إطلاقه صحيحا، أما الصحيح الجزئي، فهو أن سقفهم في التناول عالٍ جراء ما يتمتعون به من حريات، وهذا الذي يجب أن نعالجه في ثقافتنا.
من جانب آخر، هناك بعض من المعلقين دخلوا في تناقض فظ، بين ما كانوا ينتقدونه من قبل، من تباطؤ في تحديث مجتمعاتنا، ولما جاء التغيير وسرعة التحديث، بدأوا الولولة. شخصياً أرى أن التغيير هو لصالح الدولة السعودية، بل والخليج أيضا، فالمملكة هي أكبر بلدان الخليج وأوسعها جغرافياً وسكانياً، كما أن الخزين المتراكم في العقود السبعة الماضية وفي الأجيال، التي استثمر فيها علميا وثقافيا، قد نضج، وأصبحت هناك - لمن يريد أن يرى حوله بعين فاحصة - نخبة من الرجال والنساء يساهمون في مشروع النهضة المرجوة، لهم معالم وشخوص أصبحت معروفة في كثير من دروب الحياة، في الداخل والخارج، بل إن الجيل المتعلم في الخليج شرع في ترك بصماته في كثير من المجالات بعضها عالمي.
نعم هناك تحديات وملفات يجب أن تفتح، ولكن العقلية الجديدة تعرف تلك التحديات، وقابلة لمواجهاتها، وسوف يدخل الملك سلمان بن عبد العزيز التاريخ كمصلح ومجدد، فقد وضع الجيل الأصغر من الأسرة خلف عجلة القيادة، ومباشرة أمام تحديات القرن الحادي والعشرين، دون تردد ودون إبطاء، وأصبح الجيل المتعلم تعليما حديثا وقد اطلع على تجارب العالم، نجاحاتها وإخفاقاتها، لديه القدرة على مواجه الصعاب. كما وضعه أمام تحديات مستقبله الذي يجب أن يكون مسؤولا عن رسم خريطة طريق تحقيق التنمية والسلام، نعم هناك كثير من الملفات التي يحب أن تعالج على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وأي متابع يعرف أن واسطة العقد هو الإصلاح الاقتصادي، هو حجر الزاوية، ولا تقليل من العوامل السياسية والاجتماعية والثقافية جيل القيادة الحالية ليس في السعودية ولكن في الخليج أيضاً، في معظمه شاب ومتعلم، أمامهم معادلة ليست سهلة، الاستمرار والتغيير في زمن واحد، وأن ما صلح في السابق ليس بالضرورة صلاحه في الوقت الحالي، إلا أن الأهم أنهم يعرفون ما يتطلب العصر من أدوات.
قال ولي العهد السعودي محمد بن سلمان منذ أشهر وعلنا على التلفزة، تعليقا على عزل وزير وتقديمه للتحقيق بسبب أخطاء ربما وقع فيها: «لن يكون هناك ملاذ لوزير أو أمير من المساءلة والمحاسبة»، ذاك القول مؤشر يقود إلى أن الإصلاح في المنظومة القانونية له أهمية الإصلاح في بقية المنظومات الأخرى التي تشكل الشبكة العامة المتداخلة للمجتمع.
الإصلاح يأتي مع آلامه وأوجاعه، ولَم تنفذ أمة إصلاحا إلا بعد دفع ثمن داخلي وخارجي، المهم ألا يكون الثمن باهظا على حساب أمن المجتمع واستقراره، أو عقبة أمام تقدمه في مسيرة الحضارة.
وهكذا تدخل ملفات التحدي في اليمن وفي سوريا وحتى ليبيا أمام قيادات دول الخليج اليوم، وأما التحدي في شرق ضفاف الخليج مع دولة تشتهي التوسع والتدخل في شؤون الخليج هي إيران، فأمام النخب الخليجية أن تواجه ذلك التحدي الداخلي والاضطراب في الجوار، بأدوات جديدة ليست أقلها وحدة الرؤية وتكاتف المناكب. زمن الآباء كان زمناً مختلفاً، وقد عايشوا الأزمات كما يجب أن تعاش، واجهوا انسحاب بريطانيا من الخليج بإقامة مجلس التعاون، بينما خروجها من جنوب اليمن ترك مخلفات وفواتير ما زالت تسدد من دماء اليمنيين ومواردهم، كما واجهوا الاحتلال العراقي للكويت بيد وقلب وصف واحد، وليس التحدي من الجارة الشرقية بأقل من تلك، وعلى الجيل الحالي في القيادة أن يخلق أدواته لمواجهة التحديات، ليست أقلها الشفافية وجمع الكلمة الشعبية، بعيدا عن تشاؤم بعض النخب العربية أو تمنياتها!
آخر الكلام:
مهم جداً في الوقت الحالي الذي يذكرنا بالزمن البغيض، قبل سبعة وعشرين عاما (الاحتلال العراقي للكويت)، وأمام كل هذه التحديات الجديدة، أن تضبط المسافات، حيث الجميع يمشي في حقل ألغام، أول ما يحتاجه لعبورها هو الفطنة!