جريدة الجرائد

عودة الجدران والقلاع وما شابه

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

 سمير عطا الله 

عاش العالم نحو ثلث قرن مع «جدار برلين» الذي كان يفصل بين عالمين، الرأسمالية والشيوعية، «الستار الحديدي» و«العالم الحر»، ألمانيا الشرقية وألمانيا الغربية. بمجرد أن تعبر من غرب برلين إلى شرقها، كان يتغير كل شيء: سيارة المرسيدس الفاخرة تصبح «ترابانت» المحزنة، قيمة العملة تتغير، عناوين الصحف تختلف، الشعور بالخوف يولد في لحظة. عالمان، لا يجمع بينهما سوى اللغة والتاريخ.


بعد 1990. اعتقدت الإنسانية أنها بلغت عالماً لا جدران فيه، رمزية أو حقيقية. لا آيديولوجيا على حافة الحرب الدائمة، ولا حدود مغلقة، ولا يوجد توتر سياسي دائم. غلط. لقد تضاعفت الجدران بين البلدان منذ سقوط جدار برلين، 4 مرات، إلى 65 جداراً. جميعها سببها الخوف. برلين كان خوفها أن تغادر الناس، الآن 65 جداراً من أجل منع الناس من الدخول، خصوصاً المهاجرين. الهند نشرت حاجزاً طوله 2,500 ميل لرد اللاجئين من بنغلاديش. الرئيس دونالد ترمب يريد جداراً مع المكسيك يحول دون التزايد في تغيير الهوية الأميركية. في قبرص الجدار يفصل بين مواطني دولة كانت واحدة، وأصبحت جمهوريتين، تركية ويونانية. الجدار على الحدود بين تركيا وسوريا حد من النزوح الجماعي، لكنه لم يوقفه. الجدار الوحيد الذي له رمز الفصل بين عالمين مثل برلين، هو الفاصل بين إسرائيل والضفة الغربية.
عاد العالم إلى الحصون والقلاع مثل القرون الماضية. لكن فعالية الجدران والأسلاك مشكوك فيها. المهاجرون المغاربة يتسلقون، مثل الطيور، الأسلاك الفاصلة مع إسبانيا. حتى الجزر لم تعد «مضمونة» في أوروبا التي تضم عشرات الآلاف منها. يقال إن في فنلندا وحدها 80,897 جزيرة. ونحو 20 ألفا في السويد. فقط على سبيل المثال. وتتداخل الجزر اليونانية في قلب تركيا. وذات مرة توقفت بنا السفينة في جزيرة «نوبليا» اليونانية، غير أن صاحب المطعم في الميناء أخبرنا «أن السمك طازج، تم اصطياده للتو من المياه التركية».
لا جدران الجدران، ولا جدران المياه، لا تزال قادرة على الفصل بين ما تم التعارف على تسميته «الشمال والجنوب»، أي بلاد الوفرة وبلاد القلّة والعوز. وفي النهاية، زالت الفواصل الآيديولوجية وعادت الفواصل الحقيقية تحت اسمها الأصلي، الفارق الاقتصادي. وسوف نرى المزيد من الأسوار في المرحلة المقبلة، وليس العكس. وأسباب الحروب لم تتغير هي أيضا. فحروب «الكرامة الروسية» أو «الغيرة الغربية» في أوكرانيا، هي في حقيقة الأمر حرب على أضخم مستودع للغاز في تاريخ البشرية. وإلاَّ لما كانت روسيا تذكرت أوكرانيا، ولما كان الغرب قد شعر بالخوف عليها وعلى غابات الخشب. جميع حكام البلاد في الآونة الأخيرة – وحاكماتها – سقطوا لأسباب مالية، جميعها لها رائحة غاز. انتبهوا، مادة سريعة الاشتعال.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف