أساليب صلبة ومعالجات ناعمة لقطع جذور الإرهاب والتطرف
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
خالد الصالح
انقسمت الجهود المحلية والدولية لمواجهة الإرهاب بين نوعين من الأساليب، الأول ما يسمى بالأساليب الصلبة، المتمثلة في التشريعات والسجن والضربات العسكرية والقرارات الأممية والإقليمية، وملاحقة الجماعات وأنصارها ومتابعتهم ومحاصرة مواردهم المالية والعسكرية والبشرية، والثاني، بحسب دراسات «وسائل منع ومكافحة الإرهاب في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا» والتي حصلت «الوطن» على نسخة منها، تمثلت في المعالجات الناعمة، إذ حاول كثير من الدول تطوير استراتيجياتها لتركز على الجانب الثقافي والتعليمي، أو مواجهة الجانب الأيديولوجي، أو محاولة تغيير أفكار وعقائد وآراء المتأثرين بأفكار كل من القاعدة وداعش، أو إعداد برامج لإعادة تأهيل العائدين من تلك التنظيمات أو من حاولوا الالتحاق بها لكنهم فشلوا.
تجربة المملكة
أسست المملكة مركز الأمير محمد بن نايف للمناصحة، ومثلما كانت العوامل متعددة لانتشار التطرف على غرار العوامل الفكرية والسياسية والاقتصادية والصراعات والحروب، ومحفزة لانتشار الإرهاب والتطرف فقد آثرت المملكة أن تداوي الورم من الجذور، ومكافحة التطرف والجريمة في مهدها من خلال العمل على الاستراتيجيات الوقائية للمجتمع السعودي بالدرجة الأولى والتعاون مع باقي الدول في الوقاية من التطرف والغلو في الدين.
وتقوم استراتيجية المركز على إعادة التأهيل لأصحاب الانحراف الفكري الذين تورطوا مع الجماعات الإرهابية لكن دون اقتراف عمليات قتل، ويستند العمل داخل المركز على استراتيجية ملموسة ومميزة تتمحور حول نقاط تعتبر مفصلية في محاربة التطرف وهي معالجة الانحراف الفكري الذي يخرج عن التفكير السوي المخالف للنظم والقيم الإنسانية بالدرجة الأولى والمعادي لثوابت الدين الإسلامي الداعي للسلام والتعايش والأمن.
مبادرات فكرية
افتتح مؤخرا المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرف «اعتدال» في الرياض، بحضور الرئيس الأميركي دونالد ترمب وقادة دول العالم الإسلامي، حيث يهدف المركز لمكافحة التطرف باعتباره العدو المشترك للعالم، حيث قامت على تأسيسه عدد من الدول، واختارت الرياض مقرا له ليكون مرجعا رئيسيا في مكافحة الفكر المتطرف، من خلال رصده وتحليله، للتصدي له ومواجهته والوقاية منه، والتعاون مع الحكومات والمنظمات لنشر وتعزيز ثقافة الاعتدال.
حملة السكينة
قامت وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف بإطلاق حملة «السكينة»، وهي جهود تهدف إلى مواجهة تنظيمي القاعدة وداعش عبر الاستعانة بعلماء متخصصين في الشريعة ومختلف المجالات الاجتماعية والنفسية، عبر تفنيد خطابهما الأيديولوجي شرعيا وفقهيا ودينيا، وكذلك فتح الباب للمتأثرين والمطلوبين والمحكومين لمراجعة أفكارهم، ثم رعاية من تظهر عليهم علامات التغير الفكري، عمليا وماليا بعد الإفراج المشروط عنهم.
جهود وزارة التعليم
في عام 2004 أعلنت وزارة التعليم في المملكة إعداد مشروع «رعاية الفكر وتعزيز السلوك»، لرعاية المنتمين إلى المؤسسات التربوية، معلمين ومعلمات طلابا وطالبات، والعناية بالبيئة المدرسية وحمايتها من الفكر المنحرف، وفي عام 2006 أعلن عن بدء وزارة التعليم تنفيذ برنامج عن الأمن الفكري على مستوى السعودية، ثم عادت وأعلنت الوزارة عام 2008 إطلاق أضخم مشروع لمواجهة الانحرافات الفكرية في مدارس البنين والبنات باسم برنامج «الأمن الفكري» واتخذت شعار «فكر آمن.. حياة مطمئنة»، كما عملت المملكة على تدشين مشروع يحمل اسم «البصيرة» في عام 2014، بهدف الرد على الأفكار المتطرفة.
برنامج فطن
كما أطلقت وزارة التعليم برنامج «فطن» المتمثل في السعي للإسهام في التحصين النفسي للطلاب والطالبات، من خلال ما يقدمه البرنامج، لوقايتهم من آفة المخدرات والسلوكيات الخطرة، والأفكار المنحرفة، كما تتمثل أهدافه أيضا في تعزيز القيم الدينية والاجتماعية والأخلاقية في إطار تعاليم الدين الإسلامي وتكوين فرق تطوعية ومساهمة لدعم تنفيذ البرنامج.
مركز الحرب الفكرية
دشنت وزارة الدفاع في المملكة مؤخرا مركزا عالميا تحت اسم «مركز الحرب الفكرية» يختص بمواجهة جذور التطرف والإرهاب، وترسيخ مفاهيم الدين الحق.
مساهمات الأزهر
على صعيد الجهود الناعمة، تصاعد دور مؤسسة الأزهر الشريف، ودار الإفتاء المصرية في المواجهة الفكرية في أكثر من اتجاه، ومن أهمها:
1 - تدشين مرصد الأزهر باللغة الأجنبية الذي تمكن من الكشف عن أسباب انضمام الأفراد للحركات المتطرفة، ورصد ما يبثه تنظيم داعش، من رسائل وأفكار موجهة إلى الشباب، والرد عليها باللغة نفسها التي نشرت بها.
2 - إرسال قوافل السلام لدول العالم لنشر ثقافة السلام وتصحيح المفاهيم المغلوطة، ودعوة النخب العربية والإسلامية كل في مجال تخصصه لتجفيف منابع الفكر.
3 - تنظيم عدد من المؤتمرات لمحاربة التطرف والإرهاب، من أبرزها مؤتمر الأزهر العالمي في مواجهة التطرف والإرهاب الذي عقد عام 2014.
مذكرة روما
أصبح ما يعرف بمذكرة روما التي نتجت عن سلسلة من الاجتماعات عقدت بين عامي 2011 و2012 بخصوص الممارسات الجيدة لإعادة تأهيل وإعادة دمج المجرمين المتطرفين العنيفين، مرجعا إرشاديا للدول اليوم التي تسعى إلى إعادة التأهيل والإدماج للمقاتلين العائدين أو المتأثرين بهذه الأفكار.
أنشطة دار الإفتاء
قامت دار الإفتاء المصرية بأدوار متعددة في محاربة التطرف فكريا في مستويات مختلفة، فقد أصدرت قرابة 10 مبادرات عالمية، من بينها مبادرة تحت عنوان «لا تتحدث باسمي»، كما قامت بتدشين مجلة إلكترونية بعنوان«insight» بلغات متعددة للرد على مواقع داعش الإلكترونية.
رسالة عمّان
قامت الأردن بوضع «رسالة عمان» عام 2005، للحوار بين الأديان والمذاهب، مناهضة التطرف العنيف، والإرهاب، وترسيخ قيم التسامح، وذلك بعد تفجيرات الفنادق في عمان، التي خطط لها ونفذها تنظيم داعش، عندما كان جزءا من شبكة القاعدة العالمية، خلال مرحلة أبي مصعب الزرقاوي، وعملت السلطات الأردنية على ترويج الرسالة بوصفها فهما مختلفا للدين مغايرا لأيديولوجيا القاعدة، وعمل على تسويقها داخليا وخارجيا.
منتديات ومراكز الوسطية
طرحت دول خليجية وعربية نماذج مغايرة تعتمد على تعزيز التيار الوسطي في مواجهة التطرف، حيث تأسس المنتدى العالمي للوسطية في العاصمة الأردنية عمان عام 2005، كما أقامت الكويت المركز العالمي للوسطية عام 2007، والذي استهدف نشر الخطاب الديني الوسطي بين الشباب من خلال التعليم والإعلام ومؤسسات المجتمع المدني، مستعينا بعدد من الدعاة ورجال الدين المتخصصين بهدف مجابهة الأفكار المتطرفة التي تطرحها التنظيمات الإرهابية. وجاء تأسيس المركز بغية نشر القيم السامية وتصحيح المفاهيم الخاطئة لدى المسلمين وغيرهم على حد سواء، وذلك ردا على موجات العنف والإرهاب التي انتشرت في مختلف أنحاء العالم.
مركز هداية الإماراتي
افتتح مركز «هداية» في العاصمة الإماراتية أبوظبي عام 2012، ويعتبر أول مركز دولي للتميز لمكافحة التطرف العنيف. وكانت البداية أثناء الاجتماع الوزاري لانطلاق أعمال المنتدى العالمي لمكافحة التطرف في نيويورك عام 2011، حيث عرضت دولة الإمارات آنذاك استضافتها للمركز، وقدمت مساهمة مالية كبيرة لدعمه في مراحله التأسيسية.
وجاء تأسيس المركز استجابة للرغبة المتنامية لدى المجتمع الدولي وأعضاء المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب، في وجود مؤسسة مستقلة ومُكرسة للحوار والتدريب والتعاون والبحوث في مجال مكافحة التطرف العنيف بكافة أشكاله ومظاهره، بحيث تجمع الخبراء والتجارب من جميع أنحاء العالم، ويؤمن مركز «هداية» بالحل الوقائي عبر منع الأفراد من الانحدار في طريق الراديكالية واعتناق مذهب العنف ودعم الإرهاب، لذلك يسعى المركز للتعاون مع دول العالم في جهودها لإثناء بعض الأفراد الذين وطأت أقدامهم هذا الدرب المنحرف وردهم عنه قبل تورطهم فيه بالكامل، ويسعى المركز نحو تذليل التحديات الاستراتيجية طويلة الأمد.
سياسة الدمج وهيكلة الحقل الديني في المغرب
تعد المقاربة المغربية أحد النماذج الإرشادية في نزع التطرف على المدى البعيد من خلال توفير بيئة سياسية تقوم على شمولية إدماج الاعتدال من خلال توفير الدمج السياسي للاعتدال وإعادة هيكلة الحقل الديني، حيث تم التركيز على التعامل مع القيادات الإرهابية بالسجون القادرة على استقطاب كوادر جديدة، وعزلها عن بقية النزلاء، وتطبيق برامج التوعية الفكرية، وإعادة التأهيل على الكوادر والمتعاطفين الأصغر سنا والأكثر قابلية لتصحيح عقائدهم والعودة للاندماج في المجتمع.
وتعد سياسات المغرب في مكافحة التطرف نموذجا يحتذي به في التعاطي مع التطرف والإرهاب، وتتمثل في إعادة تنظيم كيانات الدولة الدينية، وقد تضمن هذا البرنامج تعميم نشرة رسمية عن الأئمة، وتأسيس «مديرية التعليم العتيق» في وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية وإلغاء مركزية عمليات الوزارة، إلى جانب مراجعة القوانين التي ترعى أماكن العبادة الإسلامية وتشكيل مجلس ديني في أوروبا للجالية المغربية، والاستعانة بالمحطات الإذاعية والتلفزيونية للترويج للتعاليم المعتدلة ومراجعة الكتب والمناهج الدراسية.
برنامج مسار في بريطانيا
وفي بريطانيا أطلق برنامج «مسار»، بعد تفجيرات لندن عام 2005، ويهدف البرنامج إلى ملاحظة المتأثرين بالأفكار المتطرفة وتوجيهم ليبتعدوا عن هذا الطريق، لكن الأرقام تشير إلى ما يقرب من 1839 طفلا تصل أعمارهم إلى 15 عاما، أحيلوا للبرنامج بسبب مخاوف تعرضهم لهذه الأفكار بين عامي 2012 و2015، وأقرت الحكومة البريطانية تشريعات أخرى تلزم المدارس والسجون والخدمات الصحية والسلطات المحلية برصد الأشخاص الذين قد يكونون عرضة للتطرف والتشدد باسم «واجب المنع» لمحاولة تغيير مسارهم.
التجربة الدنماركية
أما في الدنمارك، فقد تم الإعلان عن برنامج أطلق عليه «نموذج آرهوس» لارتباطه بمدينة آرهوس «لإعادة تأهيل المقاتلين الأجانب».
ويرتبط عمل النموذج أيضا بما يسمى بيت المعلومات، الذي يتواصل مع العائلات والأسر التي تخشى على أبنائها من التأثر بهذه الأفكار ومحاولة السفر إلى العراق وسورية، فيتولى موظفون متخصصون تلقي الاتصالات والتعامل مع الحالات.
وتعد التجربة الدنماركية من أشهر التجارب إلى جانب التجربة الألمانية من خلال برنامج «حياة»، حيث ترتكز مقاربة الدنمارك على التكامل والشمول، من خلال الجمع بين مقاربة الحرب والعدالة الجنائية والاحتواء، ففي الوقت الذي تقوم فيه الدنمارك باعتقال ومحاكمة المقاتلين العائدين الذين تثبت مشاركتهم في الإرهاب، إلا أنها تقدم المساعدة للآخرين وتعمل على تأمين فرص العمل والسكن والتعليم والإرشاد، إذ لا ترمي هذه البرامج إلى تغيير العقيدة الإسلامية المحافظة ما دامت غير عنيفة.
وحسب أستاذ علم النفس بجامعة آرهوس بريبِن بِرتيلسِن فإن «ما يسمى بنموذج آرهوس، يتمحور حول الاحتواء، فانظر لكل هؤلاء الشباب، ستجدهم يكافحون مشاكل مشابهة لما يواجهه شباب كثيرون حول العالم».
مشروع حياة في ألمانيا
في ألمانيا، ظهر مشروع مبتكر آخر يعرف باسم مشروع «حياة»، وينفذ بالشراكة مع المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين منذ يناير 2012، وذلك لعمل تقييم فردي للمقاتلين الأجانب العائدين، وعندما يكون ذلك ممكنا، يتم توجيههم من خلال عملية الإرشاد وإعادة الدمج في برلين وألمانيا الشرقية، وتؤكد مستشارة المشروع، جوليا برزك، أنه «علينا أن نفرق بين أنواع العائدين، وندرك أن زجهم جميعا في السجن قد يعزز في الواقع من التطرف، فنحن بحاجة إلى فتح بعض الأبواب من أجل تأمين مخارج». ويرتكز النموذج المنهجي لمشروع «حياة» على عملية ثلاثية الجوانب لنزع التطرف من شأنها أن تشجع على إعادة دمج تدريجية في المجتمع وهي:
الجانب العقائدي: ويستند إلى نزع الشرعية وإبطال خطاب الجماعة الجهادية وتشجيع المقاتلين الأجانب على التصالح مع ماضيهم.
الجانب العملي: ويقوم على مساعدة المقاتلين الأجانب في العثور على عمل أو تعليم أو تدريب، وعلى إيجاد سكن لهم.
الجانب العاطفي: ويعتمد على معالجة الاحتياجات العاطفية لكي يجدوا الدعم من قبل عائلاتهم، وإنشاء مرجعية اجتماعية بديلة.