دور قطر في شرذمة المعارضة السورية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
صالح القلاب
ما كان يجب أن تترك الأزمة السورية كل هذه السنوات الطويلة، وبخاصة من قبل المعارضة ومناصريها ومسانديها وداعميها الفعليين والحقيقيين، من دون وقفات مراجعة جادة لاستنباط العبرة وتصحيح المسار عند كل منعطف من منعطفاتها الخطيرة، فقد ثبت أن بعض المتدّخلين عرباً وغير عرب كانت أقدامهم عند المعارضين وعند ثورة الشعب السوري الباسلة فعلاً بينما كانت قلوبهم ورؤوسهم أيضاً عند نظام بشار الأسد وبالتالي عند أقدام الإيرانيين والروس، وحيث ينطبق عليهم ذلك المثل البدوي القائل: «يعْدون مع الذئب ويجفلون (يهربون) مع الأغنام»!!
ليس من قبيل التجنّي ولا من قبيل ارتقاء هذه الموجة الحالية، فالحقيقة أنه ثبت وبما لا يدع أي مجال للشك بأن «الشقيقة» قطر قد كان لها الدور الرئيسي، ومعها بالطبع جماعة الإخوان المسلمين، في كل الإرباكات التي تعرضت لها المعارضة السورية وفي كل إخفاقات هذه المقاومة، فهي، أي قطر، كانت وكما أصبح واضحاً ومعروفاً تقف في الخندق الآخر، خندق نظام بشار الأسد وإيران ومعهما روسيا التي انتهت بها الأمور في سبتمبر (أيلول) إلى احتلال سوريا: «القطر العربي السوري»، احتلالاً عسكرياً فعلياً وكاحتلال إسرائيل لهضبة الجولان السورية وللضفة الغربية وسابقاً لسيناء التي تم تحريرها كإنجاز وطني وقومي لحرب أكتوبر (تشرين الأول) عام 1973.
لقد ثبت أن قطر ومعها بعض الدول الإقليمية، وهذا بالإضافة إلى إيران وروسيا قد حالت دون أن تكون الثورة السورية أداة عسكرية واحدة تحت عنوان «الجيش السوري الحر»، ودون أن تكون أداة سياسية واحدة تحت عنوان «حركة التحرر الوطنية» أو أي عنوان قريب من هذا العنوان، وحقيقة أن هذا هو ما حال دون استيعاب أربعمائة ضابط من الرتب كافة وهذا غير عشرات الألوف في جهاز عسكري مقاتل واحد، إنْ باسم هذا الجيش الآنف الذكر، أي الجيش الحر، أو بأي اسم آخر.
والآن وبعد كل هذه الأعوام ألا يحقّ يا ترى لأي مساند للثورة السورية ومؤيد لها بل ولأي متابع عادي أن يسأل عن: إلى أين انتهى كبار الضباط الوطنيين الذين لمعت أسماؤهم كقادة لـ«الجيش السوري الحر»؟ وعن الجهة والجهات التي ارتكبت سابقاْ ولاحقاْ الجرائم ومحاولات الاغتيال التي تعرض الطلائعيون من هؤلاء الضباط الذين كانوا، قبل الغزو العسكري الروسي في سبتمبر 2015 قد دحروا قوات نظام بشار الأسد من معظم الأراضي السورية؟!
ربما أنه من المبرر والمفهوم أن تحمل بعض التنظيمات المعارضة عناوين وأسماء إسلامية لكن أن يختلط الحابل بالنابل وأن يختفي اسم «الجيش السوي الحر» تدريجياً وشيئاً فشيئاً وتحلُّ محلّه كل هذه العناوين التي من بينها «جبهة النصرة» وما يسمى «الدولة الإسلامية» المزعومة والتي من بينها أيضاً كل تشكيلات الإخوان المسلمين العسكرية، أفلا يعني هذا أن المقصود هو إقناع العرب والمسلمين قبل الغرب والشرق أن نظام بشار الأسد يواجه ليس ثورة وطنية تحرّرية وتحريرية وإنما مجموعات إرهابية كلها من «إنجاب» تنظيم «القاعدة» الذي كان بدأه أسامة بن لادن وأيمن الظواهري في «تورا بورا» في أفغانستان والذي لمزيد من الإثارة كان قد ارتكب تلك العملية الإرهابية الدمويّة والتدميريّة الشنعاء في واشنطن ونيويورك في 11 سبتمبر عام 2001؟
إن المفترض أنه بات معروفاً أن تنظيم ما يسمى «الدولة الإسلامية» هذا الذي أصبح اسمه المختصر «داعش» هو في حقيقة الأمر صنيعة نظام بشار الأسد والنظام الإيراني، وبتواطؤ وغضّ نظر من روسيا الاتحادية وبعض الدول التي ركبتْ هذه الموجة الإرهابية وفي مقدمتها وطليعتها «الشقيقة» قطر التي أصبح لها «في كل عرس قرص»، وأصبح لها إصبع لا بل أصابع كثيرة في كل هذه اللعبة الدموية، التي تشهدها الكثير من دول هذه المنطقة العربية ومن بينها «جماهيرية القذافي» السابقة ومصر وبالطبع سوريا واليمن والعراق ولبنان.
كان الهدف، وهذا لا يزال مستمراً حتى الآن، هو أن تكون الأولوية ليست لإسقاط هذا النظام السوري الذي كل تاريخه تاريخ مجازر ارتكبت ضد الشعب السوري منذ عام 1970 وحتى الآن، وإنما للقضاء على هذا الـ«داعش» الذي تُرك إلى أن أصبح بكل هذا الحجم الذي أصبح عليه قبل أن يتلقّى هذه الضربات الأخيرة، ومن المعروف أن نوري المالكي، الذي كان رئيساً للوزراء في العراق والقائد العام للقوات المسلحة العراقية، كان قد سلّم الموصل تسليماً لهذا التنظيم، وهنا فإن المفترض أنه لا نقاش في أنّ هذا المسؤول العراقي السابق لا يمكن أن يقوم بخطوة كهذه الخطوة من دون موافقة نظام الولّي الفقيه في طهران.
والمشكلة أن هذه اللعبة قد انطلت حتى على الأميركيين وحتى على الأوروبيين وأيضاً على كثيرين من العرب، فكل هؤلاء ما عادوا يتحدثون عن ضرورة إزاحة بشار الأسد وإسقاطه على اعتبار أن الأولوية هي للقضاء على «داعش»، وأن التخلص من هذا التنظيم يعتبر انتصاراً لهذا النظام السوري وحلفائه وأولياء أمره الإيرانيين والروس ومعهم الذين بقوا يلعبون دوراً مزدوجاً وعلى أساس «رجل في الفلاحة ورجل في البور»، وقلوبهم في اتجاهٍ وسيوفهم في الاتجاه الآخر!!
وهنا، أيضاً، فإن المزعج حقاً أن الأميركيين والأوروبيين وغيرهم الذين يتعرضون يومياً لضربات هذا التنظيم الإرهابي إنْ مباشرة وإنً في هيئة ما أصبح يعرف بـ«الذئاب المنفردة» يعرفون كل هذه الحقائق الآنفة الذكر عن هذا الـ«داعش» لكنهم لا يستطيعون المجاهرة بها؛ أولاً لتجنّب أن تكون مواجهتهم مع أكثر من طرف وأكثر من جهة، وثانياً لتلقّيهم المزيد من النصائح بأنهم إذا أرادوا اتقاء شرّ هذا التنظيم وتفادي ضرباته المتلاحقة فإن عليهم أن يغيروا اصطفافاتهم السابقة وأن يتفاهموا مع نظام بشار الأسد وأن يبتعدوا عن المعارضة السورية وهذا ما فعله الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي استدار بالنسبة للمأزق السوري في الفترة الأخيرة استدارة كاملة.
وعودٌ على بدء فإن ما يدل على أن قطر «الشقيقة»، والمقصود هو كبار المسؤولين وليس هذا الشعب الطيب الذي هو شعب عربي ولا يمكن إلا أن يبقى منّا وإلينا، كانت ذات موقف مزدوج منذ بدايات انفجار هذه الأزمة في سوريا، وإنها قد أسهمت مساهمة رئيسية في شرذمة المعارضة السورية، وإنها قد بادرت إلى الإفصاح عن انحيازها الحقيقي بعد بدء مشكلتها الخليجية والعربية عندما أعلنت فوراً عن تحالفها مع إيران وأيضاً عن علاقاتها «الجيدة» مع إسرائيل.
لقد كان الهدف ومنذ البدايات هو ألا يكون هناك تنظيم سوري معارض واحد، وإنْ في إطار جبهة وطنية عريضة على غرار منظمة التحرير الفلسطينية، وأنْ لا يكون هناك تشكيل عسكري فعلي وموحد يستوعب ألوف الضباط والجنود الذين انحازوا لشعبهم وغادروا جيش نظام بشار الأسد، ولذلك فقد تم اختراع هذا الـ«داعش» وتم النفخ في الإخوان المسلمين أكثر من اللزوم، وتمت محاصرة «الائتلاف» والهيئة العليا للمفاوضات وهكذا، وبالتالي تسليم مقاليد الأمور كلها للقوى الخارجية وعلى ما هي عليه الأوضاع، ويقيناً إن قطر قد لعبت دوراً رئيسياً في هذا المجال، انطلاقاً من الإصرار على أن الثورة السورية ثورة «إخوانية» وأنه لا مجال ولا مكان فيها للآخرين وبخاصة الاتجاهات الديمقراطية ذات الأصول الحزبية.