جريدة الجرائد

التفاعل الوجداني مع «الروبوتات»!

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

 ديفيد جراهام

على ما يبدو أن الذعر من الروبوتات، يتحرك في دورات، حيث تثير الابتكارات الجديدة في التكنولوجيا، الخوف من الآلات الهائلة القدرة، التي ستستولي على وظائفنا، وحياتنا، ومجتمعاتنا، ثم تنهار في نهاية المطاف، بعد أن تتمادى في استغلال قوتها، كما كان يحدث دائماً مع الحضارات المتعاقبة.

واليوم تستطيع الروبوتات السير بالكاد بفعالية، ناهيك عن أن تقهر الحضارات، بيد أن هذا لا يعني أنه ليست هناك أيضاً أسباب وجيهة للقلق. فالمشكلة الأكثر إلحاحاً اليوم، ليست هي ما ستفعله الروبوتات في أجسامنا، ووسائل معيشتنا، وإنما ما ستفعله بأدمغتنا.

«المشكلة ليست هي أننا إذا ما علمنا الروبوتات كيف تركل، فإن أول ما ستفعله هو أنها ستركلنا نحن أولاً»، هذا ما قالته «كيت دارلنج» الأستاذة بمعهد ماساشوسيتس للتقنية المتخصصة في أخلاقيات الروبوتات في كلمة لها يوم الخميس، في فعالية لمعهد «آسبن»، ودورية «ذي أتلانتيك». وأضافت «دارلنج» في كلمتها أيضاً: «علينا أن نتخيل، بدلاً من ذلك، ما يمكن أن يحدث لنا عندما نركل نحن الروبوتات».

وما قالته «درالنج» ليس كلاماً مرسلاً فحسب. فمنذ عامين، على وجه التقريب، عرضت شركة الروبوتات الأميركية الشهيرة «بوسطون ديناميكس»، فيلماً يظهر فيه موظفون لديها، وهم يركلون روبوتاً على شكل كلب اسمه «سبوت». كانت الفكرة من عرض الفيلم هي إظهار قدرة الروبوت على استعادة توازنه سريعاً، بعد كل مرة يُركل فيها. ولكن الرسالة فهمت خطأ من قبل المشاهدين، الذين راعهم ما شاهدوه، واعتبروه قسوة في التعامل مع الحيوانات. ولم يقتصر الأمر على ذلك، حيث تدخلت منظمة بيتاً (منظمة من أجل معاملة أخلاقية للحيوانات)، وقالت: إن مجرد فكرة ممارسة هذا العنف مع روبوت، تعتبر غير لائقة في حد ذاتها».

وحادثة الروبوت «سبوت»، وغيرها من الحوادث المشابهة، التي تتعلق بالروبوتات، تبين الطرق الغريبة التي بات البشر يتفاعلون فيها مع تلك الآلات. وسردت «دارلنج» مجموعة من هذه الطرق، وقالت: إن الناس يطلقون أسماء تدليل على روبوتاتهم، ويشعرون بالشفقة عليها، عندما تنحشر تحت قطع الأثاث، بل إنهم يحجمون عن المساس بـ«المساحات الخاصة» للروبوتات، خصوصاً تلك التي تحمل شبهاً بالإنسان.

وحتى عندما لا تحمل الروبوتات سمات بشرية، فإن البشر يطورون عاطفة خاصة نحوها، ويبدو هذا واضحاً في حالة خبراء المفرقعات الذي يستعينون بالروبوتات في عملهم لتفكيك القنابل، حيث لوحظ أن هؤلاء الخبراء يعتنون عناية خاصة بتلك الروبوتات، ويعملون دائماً على إصلاحها وجعلها في أفضل حال، كما لو كانت كائنات أليفة.

ويمكن لهذا أن يكون خبراً ساراً سواء لأخصائيي فقدان الوزن (الذين أثبت استخدام الروبوتات في مجال عملهم فعالية كبيرة)، أو معالجي الأطفال المتوحدين، كما أنه يفتح أيضاً في الآن ذاته منطقة أخلاقية غير مكتشفة.

فمن المعروف أن العاطفة تمثل قوة متقلبة يصعب التنبؤ بها، وأنها إذا ما كان يمكن استغلالها للخير، فإنه يمكن في الوقت نفسه استغلالها أيضاً للشر. وهنا يكون السؤال: هل سيميل الناس إلى تقاسم المعلومات الشخصية الحساسة بشكل أكثر سلاسة مع روبوت، بحيث ينظرون إليه وكأنه كائن بشري جزئياً، أكثر من ميلهم لاقتسام مثل هذه المعلومات والبيانات مع مجرد جهاز كمبيوتر؟

لقد تساءل علماء الاجتماع (والآباء القلقون) لسنوات طويلة عن تأثير ألعاب الفيديو العنيفة على الأطفال والبالغين على حد سواء. ومع أن هذه الأسئلة قد ظلت من دون إجابة حاسمة حتى الآن، فإن هناك عدداً متزايداً من أشكال التفاعلات مع الروبوتات يتوقع أن تخلق نسختها الخاصة في السجال الدائر حول هذه المسألة، وتحاول طرح بعض الأسئلة من قبيل: هل يمكن أن يؤدي ركل روبوتات مثل «سبوت» إلى نزع الإحساس من الناس احتمالاً أكثر وروداً؟ وهل يمكن أن تؤدي القدرة على ممارسة العنف على الروبوتات إلى توفير مخرج يمكن من خلاله التنفيس عن بعض أنواع السلوك الخطرة؟والتأثير الذي يمكن أن تمارسه الروبوتات البدائية علينا نحن البشر، كان واضحاً في الجزء الأخير من كلمة «دارلنج». فما حدث هو أن روبوتاً قصيراً كان على خشبة المسرح، قد أصدر صوتاً رفيعاً كي ينبهها أن أمامها خمس دقائق فقط كي تختتم كلمتها. وعلى إثر ذلك تفاعل النظارة الذين كانوا قد استمعوا تواً إلى محاضرة عميقة ومفصلة عن التحديات الأخلاقية التي تواجه عملية التفاعل بين الإنسان والروبوتات مع ما فعله الروبوت من خلال همسات متعاطفة، أبدوا من خلالها إعجابهم بالآلة الصغيرة الظريفة. أما دارلنج» نفسها فقد قامت، بعد أن انتهت من محاضرتها، بالانحناء لتربّت على رأس الروبوت.

* كاتب أميركي متخصص في الشؤون العلمية

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف