الآسيوية بعد الأفريقية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
فـــؤاد مطـــر
عوَّضنا الملك سلمان بن عبد العزيز بدعوته إلى عقد قمة سعودية - أفريقية يستضيفها في الرياض أواخر عام 2017، غياب القادة العرب عن قمة الاتحاد الأفريقي التي عُقدت في أديس أبابا يوم الاثنين 3 يوليو (تموز) الجاري.
أهمية هذه القمة أنها تضيف المزيد من الحرص بل والضرورة على تمتين العلاقة مع الدول الأفريقية، ليس لأن الجيرة بحكم الامتداد الجغرافي تفرض ذلك، وإنما لأن فقداننا الجوار الأفريقي قد يسبب للأمة انتكاسة كبرى كتلك التي نشأت عن الانفتاح الهندي المباغت على إسرائيل، وتوظيف نتنياهو لهذا الانفتاح أسرع توظيف، بحيث إن قضية فلسطين لن تندرج على ما هو محتمل كبند رئيسي في «أجندة» الاهتمامات الهندية كما الحال سابقاً.
وبصرف النظر عما إذا كانت زيارة ناريندرا مودي، رئيس الحكومة الهندية السابع عشر بعد الأول الزعيم التاريخي جواهر لال نهرو قبل سبعين سنة، هي ذات غرض يندرج في بند استفادة الهند من تكنولوجيا إسرائيلية وأسلحة متطورة تنتجها صناعة السلاح الإسرائيلية، وأن الحاجة إلى ذلك تتقدم على الموقف المبدئي والتاريخي للهند من القضية الفلسطينية، فإن المسألة تحتاج ومن المملكة العربية السعودية إلى وقفة كي لا تتحول علاقة الضرورة التي أوجبت زيارة ناريندرا مودي إلى علاقة استراتيجية تفرز مع الوقت مواقف تجعل الهند حاضنة سياسية لإسرائيل عند عرض القضايا العربية، وبالذات القضية الفلسطينية في المحافل الدولية.
وقد نجد من يقول إن لكل قطب سياسي هندي يصل إلى المنصب التنفيذي الأول رئيساً للحكومة، رؤيته للأمور وللعلاقات الدولية، وبالذات التي تربط الدولة التي يترأس حكومتها المركزية، التي ليس بالضرورة أن تكون امتداداً لرؤية الرئيس السلف أو حتى الأسلاف من الذين ترأسوا الحكومة على مدى سبعة عقود. وهذا يبقى في دائرة التوازن والموضوعية، ما دام رئيس الحكومة الهندية لا يجعل كفة تميل لمصلحة طرف على حساب آخر.
وإلى ذلك، فإن خطوات سعودية نوعية حدثت من أجل بناء علاقة كثيرة التميز مع الهند، ونخشى أن تتأثر بفعل التوظيف العشوائي من جانب نتنياهو للزيارة التي قام بها رئيس الحكومة الهندية مودي، وبالذات لأنها اقتصرت على الكيان الإسرائيلي، مع أنه لو انتقل إلى رام الله وعقد اجتماعاً مع القيادة الفلسطينية لكان أوحى بأنه يزور فلسطين بجزأيها: فلسطين التاريخية المغتصَبة منذ 1948، وفلسطين الدولة المأمولة على حدود الخامس من يونيو (حزيران) 1967، في حال حسم الرئيس دونالد ترمب الأمر فلا يتوقف عند الملعوب الطارئ من جانب نتنياهو، ويقرر أن يكون من التاريخيين، فيأخذ بوضع مبادرة السلام العربية موضع التنفيذ لإيجاد تسوية للصراع العربي - الإسرائيلي، وذلك بإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشريف، أو درءاً لذرائع الصهاينة تبقى رام الله العاصمة السياسية للدولة الفلسطينية، وتكون القدس ضمن الشراكة المثلثة عاصمة روحية إسلامية - مسيحية - يهودية، لا يمسها العدوان الإسرائيلي، ولا الإرهاب المتوالد.
هنا يصبح ضرورياً دعم الكتلة الأفريقية لقضايانا، وتكون دعوة خادم الحرمين الشريفين إلى القمة السعودية - الأفريقية خطوة على طريق لم الشمل العربي - الأفريقي. كذلك يصبح ضرورياً إنعاش العلاقة العربية - الهندية، وبحيث تبقى شجرة هذه العلاقة على الاخضرار التي كانت عليه في عهد الملك عبد الله بن عبد العزيز، رحمة الله عليه، ثم زادها الملك سلمان يوم كان ما زال أميراً للرياض اخضراراً.
وهكذا نجد شجرة العلاقة تتواصل اخضراراً، ثم بدأت على أهبة أن تثمر في ضوء زيارة الملك سلمان بن عبد العزيز (أبريل «نيسان» 2010)؛ تلبية لدعوة رئيس الحكومة مانوهان سينغ. كما نرى أن دعوة سلمان بن عبد العزيز من الرئيس نفسه كانت متجاوزة للمألوف؛ أي أنها دعوة لمن مكانته كثيرة التميز في المملكة والمحيط العربي، وليست لأنه أمير العاصمة. واللافت كان حرص سلمان بن عبد العزيز على اصطحاب الأبناء الخمسة الأمراء فيصل ومحمد وتركي ونايف وبندر.
وهكذا يكون ولي العهد الأمير محمد بن سلمان عرف الهند على الطبيعة، وكان على أهبة يوبيله الفضي بعدما عرفها وأشقاؤه، من خلال أحاديث والدهم عن الهند كإحدى قلاع عالم عدم الانحياز في حقبة من التاريخ لم يكونوا ولدوا بعد.
هنا يصبح جائزاً الافتراض أن زيارة يقوم بها الأمير محمد كولي للعهد إلى الهند التي كان زارها ضمن الجولة السعودية الآسيوية الثانية، بعد جولة عمه الملك عبد الله، ثم جولة والده مصحوباً بالأبناء، وكلتا الزيارتين شملتا الصين واليابان وماليزيا وباكستان، تصبح واردة. كما يصبح وارداً التوقع بالدعوة إلى قمة عربية - إسلامية - آسيوية تشارك فيها الهند والصين واليابان وباكستان وماليزيا وإندونيسيا، وسائر الجمهوريات الإسلامية الآسيوية الحديثة الاستقلال، يستضيفها الملك سلمان بن عبد العزيز في ضوء تجربة القمة العربية - الإسلامية - الدولية، التي استضافها في الرياض، وشكَّلت بداية نهج جديد في المكاشفة، وتشخيص العلة مع تنوع وجهات النظر في مسألة العلاج لقضايا عالقة مثل القضية الفلسطينية التي تقدمت عليها ظاهرة انشغال البال من الإرهاب وتحديد منابعه بعد رصد عقول التخطيط، وتسمية غرف العمليات بالاسم، والبدء باتخاذ الإجراءات المأمول أن تكون رادعة. والله الموفق.