جريدة الجرائد

نجوم الصيف: غسل الصحون ونام في الحديقة

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

 سمير عطا الله 

أبرز الأسماء التي تعلقنا بها تلك السنين، كان غريغوري بك. كنا ننتظر وصول أفلامه إلى سينما «أمبير» كمن ينتظر عودة صديق من السفر. كان أداؤه رائعاً، وأدواره متنوعة. مرة في دور العاشق غير المبالي، ومرة في دور العاشق الذي يُقتَل من أجل حبيبته، ومرة يكافح الموت وحيداً، في رواية هرمان ملفيل «موبي ديك»، في أداء تاريخي من التأدية السينمائية.


كانت سينما «أمبير» تحتكر عرض أفلامه. وفي الأسابيع الأولى من أي عرض، كانت التذاكر تنفد وتباع في السوق السوداء. ولم تكن شعبيته وحدها هي السبب، بل كانت الجالية الأرمنية تزحف لحضور أفلامه، ظناً منها أنه أرمني الأصل، لكونه يحمل أكثر الأسماء الأرمنية شيوعاً. عندما التقيته المرة الأولى في «مطعم هاريز» في لندن، قلت له: لم أكن أظن أنني سوف أتعرف عليك في أي يوم. لكن ها هو العالم، يؤكد مرة أخرى، مدى صغر حجمه. وأول سؤال أحب أن أطرحه عليك، هل أنت أرمني؟ وضحك ثانياً. قلت: هل كنت تعرف أن الجاليات الأرمنية في العالم، وخصوصاً في بيروت، كانت تتجمع أمام دور السينما بمجرد ظهور صورتك؟ أيضاً كان الجواب بالنفي، لكنه طرب للفكرة كثيراً، وأراد أن يسمع المزيد.
اللقاء الثاني كان على عشاء في منزل رجا صيداوي في باريس، وكان مقعدي إلى جانبه. وقلت له: هناك أسئلة يطرحها جميع الناس على جميع النجوم في جميع الأوقات، لأنهم يحبون أن يسمعوها من صاحبها. لعلك مللتَ ذلك، ولكن أيضاً قد أبدو فظاً إن أنا لم أهتم بسيرة رجل مثلك. مرّة أخرى تجلى تواضع العمالقة. وقال النجم الذي اشتهر بدور «الرجل ذي الطقم القطني الرمادي»، إنه كان يريد أن يصبح طبيباً، ولا شيء آخر، متأثراً بوالده الصيدلي. كان القسط السنوي في كلية الطب 26 دولاراً. لكن حتى هذا المبلغ لم يستطع تأمينه بسهولة. ودخل الجامعة لدراسة الدراما. وكان يغسل الصحون من أجل تأمين وجباته، وأحياناً، ينام في سنترال بارك مع المشردين.
هل يعرف لبنان؟ يعرفه من خلال ثلاثة: جبران خليل جبران، والنجم الكوميدي داني توماس، الذي كان يسخر من مضحكات الشخصية اللبنانية الحديثة الاغتراب، وأخيراً من خلال رفيق الحريري، الذي قدمه إليه صديق الرجلين، الرئيس جاك شيراك.
كان عدد الضيوف كبيراً في العشاء عند رجا صيداوي، بينهم بضعة مشاهير من السينما الفرنسية. وكان الألق يملأ القاعة. وشيء من قدرية النجوم أيضاً. لقد شعرت أن أحداً لم يتعرف إلى غريغوري بك، مع أن العمر لم يغيره كثيراً. لكن الذاكرة طوت جيله من النجوم، وصار هناك جيلان جديدان، واحد على الشاشة وواحد في مقاعد الحضور.
إلى اللقاء..

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف