جريدة الجرائد

الإعلام وخشونة الخطاب

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

محمد خلفان الصوافي

الإدارة الإعلامية للأزمة مع حكومة قطر تعد نموذجاً جيداً لتطبيق الإعلام الذي ينبغي أن يستخدم اللغة «الإعلامية الخشنة»، التي تبتعد عن العقلانية الباردة والمنطق العقيم، لأسباب عدة، أهمها أنه الأسلوب الأمثل لردع تجاوزات الإعلام القطري وانتهاكاته لكل الأعراف والتقاليد، سواء عبر محاولاته للمس بالرموز السياسية للدولة، أو بتلفيقه الأخبار والمواقف حسب مزاجه الخاص. كما أنه الأسلوب الأمثل أيضاً لمخاطبة مزاج الرأي العام الذي شكّله الإعلام القطري (خاصة «الجزيرة») منذ عقدين من الزمن، وهو إعلام قائم على الصراخ واختلاق الأخبار.

فما يبدو للمراقب لمجريات حديث الساعة الآن، هو أن أغلب التغطيات الإعلامية لدول المقاطعة، المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين وجمهورية مصر العربية، هو أن اللغة الإعلامية «المناسبة» للرد على الردح القطري غائبة بشكلٍ كبير، على اعتبار أنها اللغة الأنسب لتوصيل الرسالة الإعلامية بصورة واضحة، سواءً للحكومة القطرية ذاتها أو لمن يمكن أن يتجرأ على الدولة مستقبلاً. ولكن للأسف الشديد لم يتم اللجوء إليها، لأسباب غير معروفة.

خيار اللغة الخشنة المطلوب هنا، ليس المقصود به لغة الشتم والسباب والتلفيق، والذي هو منهج الإعلام القطري، بل أيضاً منهج القيادة السياسية لقطر التي تراهن على «فبركة» الأخبار والانطلاق منها لبناء قصص وهمية تدغدغ بها الرأي العام العربي تحقيقاً لمصالحها السياسية.. وإنما المطلوب هو التحليل العميق القائم على المعلومات والحقائق التي توافرت حتى الآن عن علاقة الحكومة القطرية بدعم الإرهاب، وبالتخطيط لإثارة الفوضى في المنطقة.. وهي معلومات كافية، على أن يكون ذلك من خلال برامج حوارية خاصة بهذه الأزمة، تتم فيها استضافة إعلاميين وأكاديميين وعسكريين إماراتيين، ولا مانع من أن تتم أيضاً استضافة فنانين ورياضيين ومحللين نفسيين لمعرفة طبيعة تفكير القيادة القطرية.

كما تعني اللغة الخشنة أيضاً استمرارية العمل الإعلامي على مدار الساعة، بما يوفر «زخماً» إعلامياً من خلال تشكيل فريق أزمة إعلامي، وألا يقتصر الأمر على أن يكون جهداً شخصياً يقوم به البعض، بل إن ينبغي أن يكون جهداً جماعياً يتم إنجازه بروح الفريق المتضامن والمنسجم. وهذا من شأنه أن يحقق هدفين: الأول هو وضع الحكومة القطرية تحت الضغط بشكل دائم، والثاني ألا يبدو الأمر لأي مراقب في الخارج وكأن هناك فراغاً إعلامياً في مواجهة قطر.

الأسلوب الخشن عموماً، سواء عبر القوة العسكرية أو الدبلوماسية، هو ما باتت الدول تركز عليه وتعطيه أولوية حين تواجه خصماً يتعامل بغباء وعنجهية مثل حالة قطر، التي تمارس كل أنواع التضليل والتلفيق باعتبار أن ذلك هو الأسلوب الأمثل لها. فإعلامها لم يعد إعلاماً يحترم القوانين ولا الأعراف الإعلامية، بل بات يتجرأ بكل صفاقة على ممارسة «الدجل الإعلامي» دون توقف، وذلك عندما يلقي فضائحه على الآخرين وينقل ما يفعله لإسقاطه على غيره، مع أن الصورة الحقيقية هي عكس ذلك وهي ما ينبغي توضيحه للرأي العام. والمؤسف في الأمر أن الرصانة والاحترام والحقائق والمعلومات التي يفترض أنها عنصر إضافي لكشف فضائح الحكومة القطرية، إلا أن الهدوء والعقلانية، وربما «الخجل الإعلامي» الذي يمارسه إعلام دول المقاطعة، جعل من قوة تأثيره يبدو وكأنه غير موجود لدى قطاعات من الرأي العام العربي.

فالإعلام والسياسة القطريان يمارسان نظرية جوبلز وزير الإعلام الألماني في عهد هتلر «اكذب حتى يصدقك الناس»، وهو ما بدا واضحاً من خلال ما ينشر من تغريدات وتحليلات لإعلاميين جنّدتهم قطر أو محسوبين عليها.

النقطة المهمة الأخرى هي أن تجاوزات الإعلام القطري بلغت حداً يصعب الحديث فيه عن الالتزام بالقواعد والأعراف الإعلامية. ومع اعترافنا بأن أسلوب قطر القائم على الشتائم والاتهامات والإساءات سوف يكبدها خسائر معنوية وسيفقدها رصيدها من المصداقية على المدى البعيد، إلا أنه في هذه المرحلة يتطلب الأمر تفويت الفرصة على قطر بتكثيف التغطية الإعلامية، خاصة في إعلام التواصل الاجتماعي. فالأزمة الحالية في الجانب القطري ليست من أجل الدفاع عن الشعب القطري، بل هي أزمة «الجماعة» مع الدول الأربع المقاطعة لقطر، وبالتالي فما يخرج منها يتناسب ومنهج «الإخوان» الذي شاهدناه في تصريحات قياداتهم في مصر حول دولة الإمارات وغيرها من دول الخليج العربية. ولذلك فإن الحكمة السياسية تتطلب التعبير بلغة يفهمها الشارع العربي، خاصة أولئك الذين «أدلجتهم» قناة «الجزيرة» مالياً وثقافياً.

لدى الكثيرين قناعة بأنه لو تم توظيف المعلومات والحقائق التي أثبتت علاقة حكومة قطر بالفوضى في المنطقة بشكل مستمر، ولو تم تناول ذلك بتحليل عميق وجديّ لكان الإصرار أكبر لدى الرأي العام العربي في الضغط على قطر وتشديد العقوبات؛ لأن التحليل يساعد على زيادة الفهم، خاصة أن الإعلام القطري ليس تنويرياً، وهذا يدركه الجميع، حتى لو حاولت قطر خداع الرأي العام، فكل دولة لديها تجربتها «السيئة» مع قطر، لكن الاستمرارية في التغطية «وفق نظرية جوبلز» تعطي الإعلام القطري حضوراً لدى العامة أكبر من حقيقته.

الحقيقة أن زمن الإعلام القائم على المنطق في طريقه إلى النهاية، ولم يعد يعني «الهدوء» في التناول النجاح في مواجهة الخصم في كل الأحيان، بل نحتاج في أحيان كثيرة إلى «القسوة» الإعلامية واللغة الخشنة كي نستطيع إيصال الرسالة لأنهما عنصرا جذب للمشاهد، وهما يعطيان انطباعاً عن قوة الطرح الإعلامي، فالعقاب بحق إعلام قطر من جنس عملها!

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف