الآن.. الصحة في كل السياسات
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
عبدالوهاب الفايز
ماذا تعني موافقة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - يحفظه الله- على أن تكون الصحة العامة سياسة وأولوية في جميع الأنظمة والتشريعات لمكافحة الأمراض والوقاية منها حتى نخفف من عبء الأمراض؟
هذه الموافقة تعني تحولاً كبيراً مهماً في نظرتنا للشأن الصحي، وسوف تترتب عليها تبعات نظامية ومسؤولية لدى العديد من الجهات الحكومية والخاصة، وهذا ما كان يطالب به المختصون بالصحة العامة، فتوسع مسببات الأمراض المزمنة وتبدل نمط الحياة أدى إلى ارتفاع تكلفة العلاج، وبالتالي أصبحت متطلبات الصحة تفرض ارتفاع النفقات المالية، وهذه مشكلة أساسية للكثير من الدول.
الآن الاتجاه العالمي يأخذ بالمسار المتعدد الأطراف لمحاصرة تكلفة ارتفاع العلاج، وهذا المسار هو الذي جاء في موافقة الملك، فالصحة العامة سوف تتطلب عمل جميع الجهات الحكومية لرفع كفاءة ومخرجات الإنفاق على الصحة عبر إدخال أولويات الصحة في جميع السياسات الحكومية.
في السابق كانت مسؤولية الصحة العامة محصورة في الجهات المقدمة للرعاية، وهذه الجهات كانت تجني تبعات إهمال وتقصير وعدم وعي الجهات التعليمية والبلدية وقطاع النقل والمرور، وغيرها، بمتطلبات الصحة والسلامة في أعمالها.
لقد جاءت الموافقة هذه بعد قرار الحكومة المهم لفرض ضريبة السلع المنتقاة، فهذه كانت خطوة حاسمة للتصدي لتصاعد الإصابات بالأمراض المزمنة، وكان القرار البداية الحكومية الجادة لإصلاح الخلل في السياسات الحكومية التي لم تأخذ الصحة العامة في حساباتها، مما أدى إلى تصاعد معدلات الأمراض المزمنة وتكرس عادات وممارسات سلبية تهدد مقومات الصحة للشريحة الأساسية الشابة في بلادنا.
لقد جاء القرار سريعا بعد عرض المشكلة والحلول التي قدمتها وزارة الصحة، وهو خلاصة لدراسات وبحث معمقة نظرت للإشكالية بكل أبعادها، ونظرت في التجارب الدولية. لذا سرعة القرار تؤكد اهتمام الملك وسمو ولي العهد بالقضايا الأساسية لبلادنا، وفِي مقدمتها الصحة العامة، وهنا تشكر وزارة الصحة على تبنيها لهذا الموضوع، وعليها الآن مسؤولية جديدة للعمل مع القطاعات الحكومية المختلفة لإدراج السياسات الصحية في عملها.
عليها التواصل مع وزارة البلديات حتى تقنعها بأهمية دورها الحيوي لتحويل المدن إلى بيئة جاذبة للنشاط الإنساني وأثر ذلك على الصحة البدنية والنفسية للناس، وعليها رفع مستوى الرقابة على قطاع المطاعم ومنافذ بيع الأغذية، وتشديد الرقابة على أسواق بيع المنتجات النباتية والحيوانية، فهذه أحد المصادر المصدرة للأمراض.
مجلسا الشورى والوزراء، واجبهما مراجعة الأنظمة القائمة لإدخال التعديلات الضرورية في الأنظمة المطبقة لكي تؤدي إلى تحقيق متطلبات الصحة العامة، فالتأصيل النظامي لقضايا الصحة العامة هو الذي يضمن تحقيق الانتقال النوعي الذي يضمن استدامة السياسات الصحية ليتعدى أثرها إلى الأجيال القادمة.
التجارب الدولية الناجحة التي أدت إلى رفع كفاءة إدارة وتشغيل القطاع الصحي نجحت لأنها طورت الأنظمة الحاكمة للشأن العام الصحي، وبالتالي سيطرت على التكاليف المرتفعة، واستثمرت الموارد المالية في قضايا التعليم والتوعية.
برنامج التحول الكبير للقطاع الصحي يدخل مرحلة هامة وحاسمة بعد موافقة الملك، فمؤسسات الدولة السيادية، والوزارات، والهيئات عليها مسؤولية نظامية ووطنية وأخلاقية لإنجاح برنامج التحول الصحي، فاستقرار الأوضاع الصحية ومحاصرة الأمراض المزمنة أحد العوامل الأساسية التي تدعم الاستقرار الاجتماعي وتنعكس على مستوى الرفاهية للمواطنين.
مساندة القطاعات الحكومية لوزارة الصحة ضروري، لأن الوزارة تواجه تحدياً كبيراً آخر وهو تحويل دورها إلى التنظيم والرقابة والدعم والتحفيز للقطاع، فالخروج من التشغيل والاتجاه إلى برنامج شراء الخدمة من مقدمي العلاج والرعاية، وتحويل مرافقها إلى شركات، هذا مشروع كبير يتطلب الكثير من الجهد والصبر وتحمل المتاعب الملازمة لمشاريع التحول.
القطاع الصحي سوف يواجه أزمة حقيقية في التمويل وتراجع المخرجات إذا لم ينجح هذا البرنامج، فالاستمرار بالطرق القديمة لإدارة القطاع، وعدم الاعتراف بالمشاكل الحقيقية التي ترتبت على تغير أنماط حياتنا، وعاداتنا الغذائية، وغياب الأنشطة الحركية البدنية، كل ذلك سيكون له الثمن الكبير المهدد لاستقرارنا.