جريدة الجرائد

عرس الحفيدة

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

 سمير عطا الله

 بعد سنوات قليلة من مجيئنا إلى لندن، جاء تيللي سافالاس للسكن هناك فترة طويلة من السنة. واشترى لنفسه ولزوجته الثانية شقة في المبنى الواقع في الجهة الخلفية لفندق «كارلتون تاور»، والجهة المقابلة لفندق «شيراتون بارك تاور». وكان يمضي فترة المساء في بهو أحد الفندقين، بسيطاً ومتواضعاً، ولكن غالباً وحيداً.

وكان أحلى ما عنده أن يتحدث عن طفولته الصعبة وكفاح أمه لتربية أبنائها. و«أفقر» ما كان يروي أنه كان عندما يبلغ به الجوع مبلغاً، يذهب إلى «السوبر ماركت» ويخطف غفلة تفاحة من هنا أو برتقالة من هناك. وذات يوم، ضبطه حرامي محترف، فربت على كتفه قائلاً: «يا بني، هذه أسوأ الطرق في نهب المكان، اللصوص الصغار دائماً يُضبطون. حاول أن تفعل مثلي: املأ عربة كاملة واخرج بها، فلن ينتبه إليك أحد».
بقيت ألتقي «غاص» وعائلته، أو أتصل بهم. وعندما دخل ابنه وابنته الكبرى الجامعة الأميركية في واشنطن، كنت أقوم بزيارتهما عندما أكون هناك. وما لبث غاص وهيلن أن تطلقا، فتزوج هو من امرأة تصغره ثلاثين عاماً، وعاش في تكساس، وتزوجت هي من صاحب بواخر يوناني. وعندما تناولت العشاء معهما في أثينا، شعرت أن عالم هيلن قد أصيب، والتقيتها في اليوم التالي في مقهى شهير يملكه زوجها الجديد في «ساحة الدستور». وعندما دخلت المقهى رأيت الرؤوس تتجه نحو جمالها بشكل عاصف. أسرت لي أنها نادمة على الطلاق من «غاص» وعلى الزواج من هذا الرجل. ولم أعطها رأيي لكي لا أزيد في مرارة ندمها.
ضاعت بنا الدنيا إلا من خلال أصدقاء يحملون سلاماً أو تحية. وبينهم الزميل العزيز رفيق خليل المعلوف، الذي قال لي إنه كلما التقى «غاص» وهيلن، تكون كل الذكريات عنك. وقبل أعوام قليلة، جئت إلى نيويورك، فخطر لي البحث عن عنوان العائلة. وعثرت على عنوان هيلن في إحدى ضواحي واشنطن. وعندما اتصلت بها، جاء صوتها قوياً وواثقاً كالعادة. لكن الأخبار كانت متخالطة ومتراوحة: «غاص» يعيش سعيداً ولكن يعاني من مرض القلب. والابن البكر، نيقولا، مريض هو أيضاً. ولكن كاتي، الابنة الصغرى، سوف تتزوج ابنتها في الصيف. واحزر ممن؟ من شاب لبناني الأصل. ودعتني هيلن إلى حضور الزفاف: «وهكذا، ترى الجميع. مع أن (غاص) لن يحضر بسبب مرضه. لكنك سوف ترى الصغار وقد كبروا». ثم انفجرت ضحكاً كعادتها، وأكملت «والكبار وقد شاخوا». 
تحمست جداً لتلبية الدعوة، ووعدت بالحضور. ولكن مع الأيام، بدأت أتراجع. ثمة أخبار غير مفرحة لا أريد أن أسمعها. ولا أريد أن أرى نيقولا الصغير شاباً مريضاً. وثمة شيب كثير في جميع الجهات. كان ذلك آخر اتصال مع أقرب من عرفت بين «الأجانب».
إلى اللقاء..

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف