قطر... الذئب الذي يحمي الغنم
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
سلمان الدوسري
يا سبحان الله، بعد أن ظلت تحذر وتهاجم وتروع من وصول الرئيس دونالد ترمب للسلطة في بلاده، وبعد أن استمرت في التخويف من إدارته ومن سياساته الكارثية طوال ستة أشهر، ومهاجمة جيرانها على تقوية علاقاتها مع الحليف الأميركي، فجأة تغيرت بوصلة السياسة القطرية باتجاه واشنطن 180 درجة، وأصبحت الحليف الذي لا غنى لها عنه، كل هذا حدث بعد أزمة قطع العلاقات من قبل أربع دول عربية، تغيرت الاستراتيجية القطرية في لمح البصر، ضاعت المبادئ بلا سابق إنذار، كل انتقاداتها للسعودية ومصر والإمارات والبحرين بعد توثيقها لشراكتها مع الحليف الاستراتيجي ذهبت سدى مع الريح، وأصبح ما تنتقص منه جيرانها تفعل أكثر منه بكثير؛ تحفظاتها على مخرجات قمة الرياض الإسلامية الأميركية زايدت عليها وهي ترتمي في الحضن الأميركي الذي أصبح الملاذ الآمن، حتى والرئيس الأميركي يعلن، في أول تعليق رسمي له على مصير قاعدة «العديد» الأميركية، أن هناك مجموعة واسعة من الدول مستعدة لاحتضان القوات الأميركية حال نقلها من قطر!
بالطبع من حق كل دولة البحث عن مصالحها، وأيضا ليس غريبا على الدوحة تغيير مبادئها في غمضة عين، فالدوحة عرفت جيدا أنها في موقف ضعيف بعد عزلتها الأخيرة، واستوعبت أن الضغط عليها تنامى كثيرا، و«العين» الأميركية أضحت مراقبة لكل تحركاتها وألاعيبها، كما أن أيام تساهل إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما مع جماعة «الإخوان» قد ولت دون رجعة، بعد أن راهنت قطر على أن الولايات المتحدة ستستمر في غض الطرف عن تمويل وتمكين الجماعات الإرهابية والمتطرفة، خصوصا جماعة «الإخوان المسلمين» التي كانت ولا تزال قطر تمولها وتحتضنها، غير أن إصلاح العطب في علاقات الدوحة مع واشنطن في عهد ترمب لن يكون بالسهولة التي تظنها قطر، ما لم تغير عقيدتها التي تنامت بشكل مرعب خلال فترتي الرئيس السابق، فواشنطن ترى أن قطر يجب أن تكون هدفا في أي جهود لمحاربة الإرهاب، وبعد تنصيب ترمب رئيساً، أصبح لدى الولايات المتحدة فرصة كبيرة لتجفيف منابع الإرهاب ومصادره في منطقة الشرق الأوسط بطريقة أكثر حسما من أي وقت مضى منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001. وهنا تقول صحيفة «واشنطن بوست» إن الجهود الأميركية لمحاربة الإرهاب ستفرض على أميركا إعادة النظر في سياساتها وتحالفاتها الخارجية، خصوصا الدول التي يعتقد أنها داعمة للإرهاب، حتى وإن كانت تحتضن قواعد عسكرية مثل قطر. وتضيف الصحيفة أن على واشنطن أن تتذكر الآن من هم حلفاؤها الرئيسيون في المنطقة مثل السعودية التي تعد المحرك الرئيسي لأسواق النفط العالمية وأحد أكبر المستثمرين في سندات الخزانة الأميركية، ولعل اللافت إشارة الصحيفة في سياق تعليقها على زيارة وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون إلى الدوحة، وأنها كانت بهدف الوصول إلى اتفاق مشترك لوقف تمويل الإرهاب، الذي تباطأت الدوحة طويلا في الالتزام به، وهو ما وصفته الصحيفة ساخرة بالقول إنها اتفاقية «تكليف الذئب بحماية الأغنام».
يمكن القول إن الدول الأربع، وبعد نحو أربعين يوما من المقاطعة، قطعت نصف الطريق على قطر، وفرملت مشروعها التخريبي المستتر في المنطقة، مع ملاحظة أن كل هذا يحدث وهي حتى الآن لم تلتزم بالالتزامات المطلوبة منها، غير أن التركيز العالمي على كل سياساتها المعلنة والسرية، جعلها تحظر وتترقب وتنتظر ألف مرة قبل القيام بخطوة تؤكد ما كانت تفعله ويغض العالم النظر عنه في السابق، فهي مثلا لن تستطيع أن تدفع نصف مليار دولار لميليشيات متطرفة في العراق كما فعلت لإطلاق 26 من أسراها، ولن تستطيع إبرام اتفاق مع جبهة النصرة وتهجير سكان أربع بلدات سورية، ولن تستطيع إبرام صفقة مع جماعة مصنفة دوليا بأنها إرهابية كما فعلت بإطلاق الراهبات، لن ولن ولن.. ما أكثر لن التي لن تستطيع الدوحة فعلها بعد اليوم.
من الواضح أن الأزمة الحالية مع قطر تتجه نحو الانفصال المؤقت، وفيما الدول الأربع الداعية لمحاربة الإرهاب ليست في عجلة من أمرها للخلاص من عقيدة قطرية مدمرة استمرت 21 عاماً، فإن الكرة في الملعب القطري؛ فإما أن تعيد تأهيل عقيدتها السياسية وتكون دولة عقلانية شأنها شأن الدول الأخرى وما يطبق عليها يطبق على غيرها، وإما أن تتحمل هذه العزلة السياسية والاقتصادية لفترة طويلة هي من يحدد نهايتها، وحتى غزلها لواشنطن ومساعي عودتها للتحالف معها، كما فعلت قبلها دول الخليج ومصر، سيكون تمهيدا لإعادة تأهيل نظامها وليس الالتفاف على ما تطلبه الدول الأربع كما تظن.