«الإرهاب الديني».. تأسيس تاريخي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
طيب تيزيني
نعيش الآن مرحلة قاسية ومفعمة بالصراع الأيديولوجي، الذي يكاد في حالات هنا وهناك أن يتحول إلى ممارسات مسلّحة تذكرنا بصراعات نشأت في التاريخ العربي والعالمي، خصوصاً منه في مرحلته الوسطية هنا وهناك من العالم، كما في مرحلتنا الراهنة.
«محور الإرهاب العالمي» قسّم العالم إلى منظومتين اثنتين الحرب والإرهاب، والسلم والبناء، وكان ذلك في بدايات نشأة «الإرهاب الحالي العالمي»، أما مرحلتنا هذه المعيشة فقد اكتسبت وضوحها وصراحتها، مع الإعلان العاري عن أن ظهور حركة «داعش» العالمية إنما هو تجسيد للتأسيس الدموي المباشر للرباعية الظلامية التالية: الفقر، والإذلال، والظلم، والإحساس به والعيش في كنفه.
في هذا السياق الملطخ بالعار والدم نعقد مقارنة بسيطة: نذكر بالجريمة التي ارتكبتها إسرائيل مؤخراً، حين لجأت إلى حرمان الفلسطينيين المسلمين من زيارة المسجد الأقصى والصلاة فيه. وواجهت الفلسطينيين أصحاب الحق التاريخي بالعنف، وبحرمانهم من زيارة مسجدهم التاريخي، إلى أن اقتنعت بأنها مجرمة دولياً وحسب المرجعيات الدولية المعنية. وكان ذلك قد تحقق بسبب إصرار أولئك مع حقهم الطبيعي، طبعاً بعد أن كلف ذلك الفلسطينيين الأسى والمواجهة الدموية في أحوال معينة. إن وجه المقارنة هنا يظهر عبر مقارنة هذا الإجرام الإسرائيلي الصهيوني ما حدث مع المفكر اليهودي الشهير ابن ميمون، الذي كان يعيش في أوروبا المسيحية المتصلبة المتزمتة، حيث كانت الأجواء متعصبة دينياً على امتداد القرن الثاني عشر الميلادي، لقد حدث أن تلك الأجواء المغلقة عقلياً وغير المتسامحة دينياً، حفزته على تركها غير مأسوف عليها، وذلك حدث كما أشرنا في القرن الميلادي الثاني عشر. لنتصوّر أنه قرر مغادرة أوروبا، واتجه نحو العالم الذي كان محسوباً على التخلف والمتعصب والرافض للآخر، خصوصاً حيث قال معلقاً رافضاً للتسامح مع «الآخر» من حيث الاعتقاد الديني والعيش مع «أجانب»، ما أفصح عن رفض ذلك الآخر، تحقيقاً لأوهام «الأنا المتميزة» دينياً ومجتمعياً وثقافياً. كان ذلك قد حدث وفق المنطوق الأوروبي.
لقد هاجر ابن ميمون اليهودي من أوروبا إلى العالم العربي في عاصمة مصر العربية، حيث كان وقع التقدم والتسامح الديني خصوصاً. والطريف في ذلك أن الفيلسوف اليهودي غادر أجواء الظلامية، متجهاً إلى إحدى الشخصيات المرموقة في حينه، وهي حاكم القاهرة صلاح الدين الأيوبي، الذي لم يُشك في اعتقاده الديني الإسلامي عن طرف، كما في انفتاحه الديني الذي تمثل في منح الرجل إياه مناصب مرموقة من طرف آخر، وقد استمر الأمر كذلك إلى ما بعد سنين، حين استطاع العرب تحقيق تقدم ملحوظ تجلى خصوصاً في تشكّل بيئة عقلانية مفتوحة ليس باتجاه العرب أصحاب البلد في حينه فحسب، بل كذلك باتجاه الآخر، العربي المسلم واليهودي والمسيحي.
كانت الأجواء في العالم العربي آنذاك تتسم بالانفتاح والعقلانية والإقرار العقلاني بالآخر (المسيحي واليهودي والآخرين)، ومن الطريف أن نذكر أن القائد الكبير صلاح الدين الأيوبي كان وفياً لإسلامه كما للعقائد الدينية المتعددة، الإسلامية اعتقاداً، والأخرى المتعددة المسيحية واليهودية.. إلخ احتراماً وإقراراً. أما العقيدة الإسلامية فيُعتقد بها ضمن القاعدة التالية: أن تُقرّ بها وتعمل، دون تكفير أحد من المسلمين أو إحدى فرقه وفئاته من طرف، وعلى أساس الأخذ بأركان الإسلام كلها، مع عدم رفض أحد أركانه، وكذلك دون رفض ما هو معلوم من الإسلام كله وبشكل قاطع.