إعادة ترتيب أولويات الأمن القومي الأميركي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
عبد الله بن أحمد آل خليفة
في الأسبوع الماضي، كنت مشاركاً في فعاليات منتدى «أسبن» للأمن، الذي يعقد سنوياً في ولاية كولورادو بالولايات المتحدة الأميركية.
وترجع أهمية المنتدى إلى أنه بمثابة «بوتقة أفكار وصياغة سياسات» ويحظى باهتمام وحضور صناع القرار وكبار مسؤولي الأمن الداخلي والاستخبارات، ووزارات الدفاع والخارجية والطاقة الأميركية، إلى جانب رؤساء الشركات الصناعية، وقادة الفكر والإعلام ومراكز الدراسات، بهدف مناقشة أبرز قضايا الأمن الداخلي والعالمي، وطرح حلول للأزمات القائمة، وتحديد مسارات الاتجاهات الدولية خلال الفترة المقبلة.
وعبرت الكلمات والنقاشات داخل وعلى هامش جلسات منتدى «النخبة»، عن رؤى متباينة بشأن الداخل الأميركي والشؤون العامة، نتيجة ما أحدثه الرئيس دونالد ترمب من تغيير جذري في الحياة السياسية برمتها. وفي المقابل جاءت الجلسات فيما يتعلق بالتهديدات الأمنية العالمية ثرية وكثيفة وعميقة، وارتبطت بشكل وثيق مع مستوى وتطورات الأحداث.
وإجمالاً، ومن واقع ما دار في المنتدى، يمكن القول: إن روسيا تزحف رويداً رويداً لتحتل مجدداً مركز الصدارة على حساب الصين، في قائمة التهديد الاستراتيجي للأمن القومي الأميركي. وإذا كانت إدارة ترمب قد أبدت إعجاباً بسياسة الرئيس بوتين وقدراته، وسعت إلى تحسين العلاقات مع موسكو، إلا أن الأمر ليس كذلك بالنسبة لمجتمع الاستخبارات ووكالاته المختلفة، و«البنتاغون»، حيث أكد رئيس هيئة الأركان جوزيف دانفورد، في كلمته خلال المنتدى، أن الخطر الأكبر على الولايات المتحدة في الوقت الحالي يتمثل في روسيا لقدرتها النووية والسيبرانية، وأن بلاده تسعى أولاً وقبل كل شيء، للحيلولة دون وقوع حرب نووية معها.
وبالتالي، فإن العقوبات الجديدة التي فرضها الكونغرس على روسيا بسبب تدخلها في انتخابات الرئاسة 2016، تهدف في حقيقة الأمر إلى تحجيم القوة الروسية الصاعدة والمتمددة؛ لأنه وباعتراف وكالة الاستخبارات الأميركية، هناك أدلة قاطعة على تدخل روسيا في جميع الانتخابات الأميركية، منذ السبعينات، وليس في الانتخابات الماضية فقط.
وبطبيعة الحال كانت إيران حاضرة بقوة في «أسبن» وهناك شبه إجماع على أن الاتفاق النووي دون جدوى، وغير كافٍ لتعديل نهجها العدائي وتبنيها الإرهاب. ووصفه توماس بوسرت، مستشار الرئيس للأمن القومي ومكافحة الإرهاب، بأنه يعتبر اتفاقاً سيئاً؛ لأنه لن يوقف الخطر الإيراني.
وكان مايك بومبيو، رئيس وكالة الاستخبارات الأميركية، محور اهتمام وسائل الإعلام ونجماً فوق العادة، عندما أعلن أن بلاده تُعِد استراتيجية جديدة لصد إيران التي شبهها بمستأجر سيئ، فيما يتعلق بالتزامها ببنود الاتفاق. قائلاً: «عندما نستكمل استراتيجيتنا، أثق بأننا سنرى تحولاً جوهرياً في السياسة إزاءها». ولم ينسَ التحذير من أن إيران تريد أن تكون قوة مهيمنة في الشرق الأوسط.
وزاد ستيوارت جونز مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط، بأن قمة الرياض وجهت رسالة حاسمة لكبح جماح الخطر الإيراني في المنطقة.
والمؤكد أن العربدة الإيرانية في المنطقة سوف تواجه أوقاتاً صعبة خلال الفترة المقبلة، وهذا الأمر لا يتعلق فقط بالتشدد الأميركي الحالي تجاه طهران، وإنما سبقه التحرك الخليجي بقيادة المملكة العربية السعودية لمواجهة المشروع الإيراني التوسعي. وكانت عملية «عاصفة الحزم» ومقاطعة قطر، إلى جانب إصرار مملكة البحرين على فرض سيادة القانون لحماية المسار الديمقراطي من الإرهابيين وعملاء إيران، أمثلة بارزة على الفعل الخليجي الذاتي لحماية الأمن والمصالح العليا.
وشكلت قضية الإرهاب أيضاً محوراً مهماً من محاور المنتدى، باعتبارها تدخلاً في صلب الأمن الأميركي، حيث تم الكشف، ولأول مرة، عن قيام إدارة ترمب بتطوير أول استراتيجية شاملة للدفاع عن الولايات المتحدة ضد تفشي الأوبئة والهجمات البيولوجية الإرهابية. فيما أشار نيكولاس راسموسن مدير المركز الوطني لمكافحة الإرهاب، إلى أن تقديرات أجهزة المخابرات الأميركية تظهر أن عدداً كبيراً من المقاتلين الأجانب الذين يقاتلون مع تنظيم داعش سيبقون في العراق وسوريا على الأرجح، للدفاع عما تبقى من «دولة الخلافة» المزعومة التي أعلنوها، ولن يعودوا لبلادهم كما كان يُعتقد في السابق. وفي سياق هذه القضية تجدر الإشارة إلى أمرين:
الأول: حذرت مداخلات خلال المنتدى من خطورة التهديد الذي يشكله توسيع نفوذ «حزب الله» في أميركا الجنوبية، وأن إرهاب الحزب لا يقل خطورة عن إرهاب «القاعدة» و«داعش».
الثاني: تجاهل المتحدثون التطرق إلى استراتيجية الرئيس الأميركي الجديدة لمكافحة الإرهاب التي تم تسريب مسودتها في شهر مايو (أيار) الماضي، وتضمنت حث حلفاء الولايات المتحدة كي يتحملوا مزيداً من العبء في مكافحة الإرهاب، وأن تتجنب واشنطن الالتزامات العسكرية المكلفة.
وأخيراً فقد قدم منتدى «أسبن» للأمن على مدار أربعة أيام مرهقة ومثمرة، منصة مهمة وصورة أكثر وضوحاً لفهم توجهات إدارة ترمب، وما يتم إعداده خلف الكواليس من خطط وتوافقات بخصوص التعامل مع القضايا العالمية والمناطق الملتهبة وحسابات الربح والخسارة، والتي سوف تنعكس لاحقاً على الاستراتيجية الأمنية الأميركية وسياساتها الدولية، ومنها منطقة الشرق الأوسط التي تمثل عصب الأزمات في عالم اليوم.
* رئيس مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة