سورية .. دولة مفككة من الصعب تجميعها وإعادة تركيبها
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
FINANCIAL TIMES
إريكا سولومون من دمشق
في ظهيرة يوم حار من حزيران (يونيو)، تحت ظلال مئذنة الجامع الأموي القديم في دمشق، مجموعة من الرجال والنساء يطهون الأرز والخضراوات لإطعام الفقراء، في الوقت الذي يصدح فيه أذان المغرب معلنا حلول موعد الإفطار.
علي عقيل، جندي نحيل قوي العضلات في الزي العسكري، يقف للمساعدة، لكن بعد رؤيتي - صحافية أجنبية - يطلق ما أفترض أنه دفاع أنموذجي عن الرئيس بشار الأسد ضد الثوار الذين يحاربون منذ أكثر من ستة أعوام للإطاحة به. يقول، بعد ضرب قبضته في يد موشومة باسم واحد من الأحباء الـ 37 الذين فقدهم في الحرب: "أي متمرد رفع سلاحه ضد الجيش السوري يتوقف عن كونه سورية. هذه حقيقة لا جدال فيها! سأصف كل من يفعل هذا بالإرهابي - حتى لو كان شقيقي!".
الصراخ يصرف انتباه الرجال في مقهى النوفرة القديم في الأسفل، لكن سرعان ما يعودون إلى لعبة الطاولة الصاخبة الخاصة بهم. سألت ما إذا انضم أي من أصدقائه إلى الثوار. يقول باستهجان: "نعم. ما زلت اتصل بهم. أنا لا ألومهم. الحرب مربكة". بالنظر إلى أنه وصف للتو جميع الثوار بالإرهابيين، أفترض أني أسأت الفهم. لكن عقيل يهز رأسه. يقول "أنت لم تسيئي فهمي. ما زلت اتصل بهم. كان هناك وقت شاركنا فيه رغيف الخبز نفسه وكوب الماء نفسه. أنا فقدت شقيقا، وهم فقدوا أشقاء أيضا. ينبغي أن أسامحهم، وينبغي لهم مسامحتي. ينبغي أن نواصل حياتنا".
عقيل لا يستطيع التوفيق بين المعتقدات المتضاربة في قلبه، وبعد إراقة الدماء التي تقلب الجيران ضد بعضهم بعضا، كذلك لا تستطيع بقية بلاده - أعراض الجروح النفسية التي ستكافح سورية للتعافي منها. أولا جاءت احتجاجات الشوارع في عام 2011 ضد الدولة البوليسية التابعة للأسد. ثم جاءت عمليات القمع الحكومية، ومن ثم الحرب الأهلية. الآن نحو 400 ألف شخص قتلوا. نصف سكان البلاد البالغ عددهم 21 مليون هربوا من منازلهم.
سورية اليوم هي لعبة تركيب قطع يبدو من الصعب تجميع قطعها مرة أخرى. أجزاء من الشمال يسيطر عليها الثوار تحت الرعاية التركية، بينما يتجول مقاتلو المعارضة المدعومون من الولايات المتحدة في الجنوب. إلى الشرق سيطرت القوات الكردية على مقاطعة تقع على حدود الأراضي الشاسعة التي تسيطر عليها "داعش"، التي هي نفسها بدأت تتقلص ببطء في الوقت الذي تواجه فيها هجوما من كل من التحالف بقيادة الولايات المتحدة وقوات النظام. في الوقت نفسه، الأسد، المدعوم من روسيا والمقاتلين الأجانب الذين توجههم إيران، استعاد نحو 40 في المائة من البلاد، كثير من ذلك بعد تدخل روسيا عسكريا في عام 2015.
جمر الكراهية
هذا الصيف سافرت عبر دمشق وحمص وحلب على تأشيرة حكومية نادرة لمعرفة كيف تتعامل المدن الرئيسية في سورية، مع رؤى مختلفة عن ماضيها ومستقبلها، مع هذه الأسئلة. في العاصمة وجدت سكانا يسعون بكل طاقتهم للمضي قدما حتى وإن كان ذلك يعني ترك أجزاء من بلادهم وراءهم. في قلب الأراضي الغربية في سورية، تكافح حمص لتنسى إراقة الدماء الطائفية فيها. إلى الشمال في حلب، المدينة الثانية في سورية، حيث جرى القتال في بعض من الفصول الأكثر ظلمة، جمرات الكراهية أثبتت أن من الصعب إخمادها. عادة ما أكون بمرافقة مراقب حكومي، نتجول في المناطق التي يسيطر عليها النظام، لذلك هذه قصة الموالين - وليست قصة الملايين الذين هربوا من وطنهم ويواجهون مستقبلا أكثر قساوة بكثير.
في سورية الأسد الناس ليسوا منقسمين فقط عن بقية البلاد، لكن من الداخل. الحرب لم تنته بعد، لكن انتصاره المفترض أثار أفكارا جديدة عن القتال. ماذا كان يعني؟ كيف سيشفى الناس؟ هل يمكن أن يتحدوا مرة أخرى؟ في جميع أنحاء البلاد، نسمع تبادلا مستمرا لقصص عن المعاناة، الفقدان، والنجاة - عملة وطنية لمجتمع يتصارع مع تغيير غير مفهوم.
في زيارتي الأولى إلى دمشق منذ بدء الحرب، من الواضح أن الصراع يرهق كاهل العاصمة. كل من شققها التي على الطراز السوفياتي ومبانيها الاستعمارية التي باللون الأصفر تبدو أكثر سمرة. عند التوقف في وسط حركة المرور تجد نفسك في بحر من أبواب السيارات المبعجة والمصدات التي دمرها الرصاص. نقاط التفتيش تسد الشوارع الواسعة والأزقة الضيقة. لا يزال بالإمكان سماع صوت إطلاق الصواريخ من جيوب الثوار، تمتد باستمرار إلى الضواحي.
لكن ملصقات صور الرئيس ووالده الراحل، حافظ، تحدق بالمارة كما تفعل دائما. الشعارات هي نفسها. بالنسبة لكثير من المسؤولين الحكوميين الأشرار هم أيضا إسرائيل والولايات المتحدة. مع ذلك تغير السوريون.
في أسفل زقاق متهالك في المدينة القديمة، هناك حانة تحمل اسم كوزيت. رجال بلحى عصرية يرشفون الجعة ونساء في سراويل جينز ممزقة ينفخن السجائر تحت عبارة من رواية "البؤساء" مكتوبة على الجدار. يمكن أن يكون تقريبا شعار المدينة: "الموت لا شيء. لكن من المخيف عدم العيش". الحانات والحياة الليلية تزدهر وسط الحرب، جزء من موقف عدم الاكتراث الذي لم يكن في الماضي موجودا في دمشق. الآن، ينفق الناس ما يملكون، سواء كان يشتري لهم سيارة دفع رباعي فاخرة، أو ما يكفي فقط لتدبير كوب واحد من الشاي. بين الشباب الذين يستطيعون تحمل التكاليف، استخدام المخدرات في ارتفاع، كما هي الحال مع الجراحة التجميلية – ربما كانت ثاني أكثر اللوحات الإعلانية بعد الأسد هي تلك المتعلقة بالإجراءات التجميلية.
تقول مارلا عواد، إحدى رواد حانة كوزيت، وهي تنقر سيجارتها على منفضة: "الجميع هنا يحاول إيجاد طريقة ليكون سعيدا، لكن هناك شيء مفقود. كانت هناك لحظة عندما أدركت أنه حتى عندما أضحك، أنا لست سعيدة فعلا".
وسط دمشق لم يتضرر بالكامل من التمرد المسلح، لكن الكثيرين الذين عاشوا الحرب هنا يصفون نوعا من الحزن الذي يخيم عليها. ربما لهذا السبب الرغبة في المضي قدما قوية جدا، حتى ولو كان ذلك يعني ترك أجزاء من البلاد التي لا تزال تعاني الحرب. أخبرني أحد السياسيين سرا: "هناك سوريتان الآن: سورية النظام، الجزء الذي يمكننا محاولة تحسينه. الأخرى هي منطقة الحرب - ولا يمكننا القلق بشأنهم بعد الآن. علينا المضي قدما".
لكن حتى هنا كثيرون يخاطرون بأن يتم التخلي عنهم. قبل الصراع كانت سورية معروفة بالطبقة المتوسطة الكبيرة فيها. اليوم نحو 86 في المائة من أهل البلاد يعيشون تحت خط الفقر. هجرة الأدمغة أبعدت الأشخاص الذين تمس الحاجة إليهم، مثل الأطباء الذين غالبا ما يسافرون إلى عدة مدن كل أسبوع بسبب النقص في عددهم.
التناقض في الثروة صارخ. الأحياء الراقية تضج بأصوات المولدات الضخمة التي تنتج الطاقة للمطاعم التي يرتادها رجال في قمصان البولو ونساء بالكعب العالي، بينما في الخارج أطفال في ملابس رثة ورجال كبار في السن فقدوا أطرافهم يتسولون المال. يقول وضاح عبدربه، رئيس صحيفة "الوطن" المؤيدة للحكومة: "الطبقة المتوسطة اختفت. الناس إما أغنياء جدا وإما فقراء جدا جدا. إنها كارثة حقيقية".
ويقول بعض خبراء الاقتصاد إن عام 2017 قد يكون أول عام منذ بدء الحرب الذي ينمو فيه الناتج المحلي الإجمالي في سورية، على الرغم من أنه ربما يكون بنسبة 1 في المائة فقط. لكن هذا لن يكون كافيا لمساعدة جزء كبير من الطبقة المتوسطة التي وصلت إلى حالة من الفقر بسبب البطالة، أو الأجور التي تقل قيمتها عن ثلث ما كانت عليه قبل الحرب.
في سوق ساروجة رجل ذو وجه عابس يقترب من أحد تجار السوق ليسأل عن بعض البيض، لكنه يبتعد عندما يسمع السعر. في مكان قريب، أم سوسن، امرأة ذات يدين مجعدتين وحجاب أخضر باهت، تبيع قوارير صغيرة من العطور - بديلا عن الدخل الذي فقدته عندما تم إغلاق المدرسة التي كانت تدرس فيها ودمر منزلها. هي تتعامل مع معركة يومية للحفاظ على سقف فوق رأس ابنتها. تقول ساخرة: "أشعر أنني أعيش في القول العربي القديم، ’رضينا بالهم، والهم ما رضيش بينا‘. نحن نقع في هاوية عندما لا يشعر المواطن بانتمائه إلى الوطن في بلده".
وسط هذا الإحباط الشعبي، أعلن الأسد في ظهور حديث على التلفزيون عن برنامج إصلاح، مشيرا إلى الفساد بين المسؤولين الحكوميين والثروة الجديدة لمستثمري الحرب الذين أشرفوا على تجارة السوق السوداء التي أبقت الاقتصاد عائما خلال أعوام من العقوبات الغربية، لكنهم أصبحوا أقوياء جدا حيث إن الموالين يعتبرونهم أكبر تهديد لمستقبل سورية. وتعهد الرئيس بإنشاء خط ساخن للتبليغ عن الشكاوى.
يقول أحد الأصدقاء الموالين: "ستكون فكرة جيدة، لكن من الذي سيتمتع بالشجاعة الكافية للاتصال والإبلاغ عن المسؤول في مقاطعته المحلية؟". ويتوقع زيادة الصراع بين النظام وطبقة الأثرياء التي "ستكون أكبر وأعمق وأكثر قذارة".
عندما منعت قوات الأمن سلسلة من السيارات المفخخة من الوصول إلى وسط المدينة في تموز (يوليو) - في اليوم نفسه قالت الحكومة إنها ستخفض عدد نقاط التفتيش - اندلعت بسرعة نظرية مؤامرة بين بعض السوريين أن المرتكبين هم من الميليشيات المبتزين الذين أصبحوا أثرياء من انتزاع الرسوم في نقاط التفتيش - وليس الإرهابيين، كما ذكرت وسائل الإعلام الحكومية.
لهذا السبب يقول بعض سكان دمشق إن النظام الآن حذر من أنصاره أكثر من المعارضة. أخبرني أحد رجال الأعمال: "تصفية الحساب الحقيقية ستأتي من الداخل. يشعر الناس أنهم ضحوا كثيرا، ولا يريدون تحمل هذا بعد الآن - لا يمكنكم أن تصفونا بأننا خونة، نحن قاعدتكم!".
"كل شيء علني" أصبحت عبارة شائعة. بعض سائقي الحافلات يحتفظون بحقيبة بلاستيكية مليئة بالنقود، تماما بجانب عجلة القيادة، من أجل الرشا في نقاط التفتيش. أنصار النظام الذين أصروا فيما مضى على أن احتجاجات عام 2011 هي أسطورة يقرون الآن حقيقة وجودها. والجنود، مثل علي عقيل، ما عادو يصرون على أن المدنيين لم يكونوا من بين ضحاياها.
الجميع تقريبا قليل الصبر ويستعجل المصالحة، لكن هذا ليس بالأمر السهل. أولا، لأن المجتمع الدولي يبدو أنه سلم أمره لعملية سلام متوقفة. والسبب الآخر نفسي. ففي حين أن سورية تغيرت، الحقائق الأساسية للصراع لم تتغير: الذين مع، أو ضد الثورة لا يزالون كذلك.
إحدى صديقاتي، مصممة أزياء من عائلة موالية تتعاطف شخصيا مع الانتفاضة، أخبرتني أن الطريقة الوحيدة التي تمكنت بها من حل أعوام من الصراع الداخلي كانت بالتخلي عن فرضية أن هناك جانبا واحدا فقط على حق. تقول: "لا توجد ’حقيقة‘ في سورية. هناك حقيقتان".
في ليلتي الأخيرة في دمشق، في مأدبة عشاء في بيت حجري قديم في المدينة القديمة، طرحت نظريتها أمام رجل يجلس بجانبي. ضحك وقال: "هناك أكثر من حقيقتين بكثير الآن في سورية".
وادي الموت
بالانتقال إلى حمص على بعد 163 كيلو مترا بالسيارة إلى الشمال من العاصمة تضج الحياة في المدينة الواقعة وسط سورية، على الرغم من أن ذكريات ما حدث هنا موجودة في كل مكان. برج الساعة البيضاء الذي كان فيما مضى يطل على حشود المتظاهرين، يلوح الآن فوق حركة مرور ثابتة تشق طريقها عبر واجهات المتاجر التي تبدو عليها آثار الرصاص. أحد الشوارع المجددة قد يكون مكتظا بالمشاة، لكن عند الوصول إلى الشارع التالي علامة الحياة الوحيدة هي الأشجار التي تبرز من بين الأنقاض. داخل قلب حمص بشكل أعمق، البؤرة الرئيسية للثورة المسلحة في سورية، لا توجد سوى بقايا هياكل المباني التي يبدو أنها آخذة في التآكل.
أحد هذه المباني هو منزل عائلة جبور، ومن الشارع يمكننا رؤيتهم يعيشون حياتهم بينما عصام جبور، الذي يتعرق وينفخ سيجارته، يستطيع رؤية كل شيء في الأسفل، من قوقعة الطابق العلوي.
في الماضي كان هذا الشارع يسمى شارع وادي الزوار. يقول: "منذ الحرب نطلق عليه وادي الموت، لأنهم يلقون الجثث هنا. أذكر التاريخ الذي عثرنا فيه على أول جثة، لأنه كان صباح يوم عيد الميلاد عام 2011".
الجثة كانت تعود لموزع خبز حكومي من الطائفة العلوية، وهي طائفة من الشيعة ينتمي إليها الأسد نفسه. يقول: "أنا متأكد أن من قتله كان يأكل من خبزه - لقد كان شخصا من الحي". بالنسبة لجبور هذا شكل بداية دوامة من عمليات القتل والخطف الطائفية لم تهدأ سوى أخيرا.
الطائفية هي موضوع مشحون في الحرب. كلا الجانبين حساسا لاتهامه بها، وكلاهما يشير بحق إلى المدة التي عاش فيها السوريون من مختلف الأديان في وئام نسبي. لكن في حمص - موطن عدد كبير من السنة والعلويين والمسيحيين - أدت الانتفاضة بسرعة إلى إثارة التوترات الطائفية.
الأغلبية السنية في سورية شكلت العمود الفقري للانتفاضة، في حين أن الأقليات، خشية ظهور الإسلاميين، وقفت في الأغلب مع الأسد - خاصة أهل طائفته من العلويين. وانضم بعض العلويين إلى العصابات الموالية التي هاجمت المتظاهرين، واتهموا بإحداث مذابح في أحياء السنة. من جانبهم، بإمكان العلويين وضع قائمة طويلة من الجيران، مثل موزع الخبز، الذين يقولون إنهم كانوا أبرياء لكن انتهى بهم المطاف جثثا ملقاة في وادي الموت.
من المرجح أن أكثر من نصف حمص تضرر من الحرب. مناطق السنة حطام فارغ. الأحياء العلوية تتعرض للقصف، لكنها متماسكة، تنتشر فيها مكاتب التجنيد التي تغري الشباب للانضمام إلى الميليشيات الموالية. على طول حديقة في حي الزهراء الذي تسكنه الطائفة العلوية، جدار مغطى بأكثر من 1200 صورة للقتلى يسمى الآن جدار الشهداء. أصبح نوعا من الضريح، حيث الأمهات تصلي للأبناء الذين لم يعودوا من المعركة. والأولاد ينقبون في الوجوه بحثا عن أب أو عم.
بسبب صلتهم بالأسد، غالبا ما يتهم العلويين بكونهم طائفة متميزة، خاصة في حمص، حيث يشغلون كثيرا من المناصب الحكومية العليا. لكنهم يأتون من جميع الخلفيات وكثير منهم فقراء جدا. ويعتقد على نطاق واسع أن العلويين، بشكل غير متناسب، هم أكثر من ضحى بحياته للدفاع عن النظام. لا يوجد علوي أجريت معه مقابلة لم يفقد ما لا يقل عن سبعة أقارب.
في حي الزهراء، منير حسين، رجل ذو عينين زرقاوين، يعكف على إصلاح محل للبقالة. هذا هو المكان الذي ينوي أن يقضي فيه فترة تقاعده بعد إنهاء خدمته طيارا في سلاح الجو الذي دمر أحياء كاملة وقتل عشرات الآلاف من المدنيين. يروي بفخر عن "تحطيم رؤوس الإرهابيين"، لا يتوقف سوى للابتسام للمارة والصراخ "مرحبا يا جار!".
تجاوز المآسي
يقول، ويعني المدنيين: "الناس في تلك المناطق المتمردةهم شعبنا - لكن بعضهم جندهم الإرهابيون. كان من واجبنا تنفيذ الضربات، حتى لو تم فقدان عدد قليل من الشهداء". لكنه يكافح مع كيفية التعايش. "الغفران ليس مجرد كلمة. بإمكان الحكومة إصدار عفو. لكننا بحاجة إلى الوقت لننسى. بعض الأشياء لا يمكن أن تحدث بسرعة. هناك جيل يجب أن ينتهي".
اعتمادا على الطريقة التي يعاد بها بناء حمص قد يكون النسيان صعبا. يقول بعض السكان إن تخطيط المدينة، حيث توضع طوائف مختلفة في أحياء مختلفة، يعزز النفور والاضطراب. هذه الدورة يمكن أن تتكرر إذا لم يخطط لإعادة البناء بعناية.
قبل الانتفاضة، محافظ حمص السابق خطط لإعادة تشكيل كثير من المناطق المركزية والأحياء الفقيرة لمشروع يسمى "حلم حمص". اتهمه كثير من المحليين باستخدام التخطيط الحضري لإخراج السنة والمسيحيين من المناطق المركزية، بينما المناطق العلوية بقيت كما هي. كثير من المناطق التي تم تحديدها للهدم دمرت لاحقا في المعركة لقتل الثوار، بما في ذلك منطقة الخالدية بالقرب من منزل جبور. يقول ساخرا: "يمكننا القول إننا سنحصل على مشروع البناء ذلك بأية حال. لكن ليس بالطريقة التي كنا نتوقعها".
المحافظ الجديد، طلال برازي، وضع مشروعا يرتبط بقانون الشراكة الجديد بين القطاعين العام والخاص - وهو استجابة الحكومة لجهود الإعمار. القانون يسمح للمقاطعات والبلديات بإنشاء شركات قابضة لتنظيم المستثمرين من القطاع الخاص من أجل البناء. مثل "حلم حمص"، مشروع برازي يتصور بشكل جريء أبراجا شاهقة فاخرة تحل محل الأحياء الفقيرة التي كانت موجود هنا. النقاد يصفون ذلك بالتهجير المبطن، لأن ما من أحد كان يعيش هنا سيكون قادرا على تحمل تكاليف العودة.
يقول جهاد يازجي، الذي يترأس "تقرير سورية"، وهو نشرة اقتصادية على الإنترنت: "أينما وجدت مشاريع مصادرة الملكية هذه في سورية كان التعويض منخفضا للغاية. من الواضح تماما أن ذلك هو انتزاع ملكية من هؤلاء الناس. هذا نقل للأصول العامة، دون ضرائب، إلى شركات خاصة - وهذا سيكون دفعة كبيرة لأصدقاء النظام".
واحدة من المناطق المخصصة هي بابا عمرو، أول معقل للثورة المسلحة وأول منطقة استعادها النظام. وهي أفظع المناطق دمارا. ملصق ضخم لبشار الأسد يرتفع فوق نقطة تفتيش على مدخل المنطقة. على طول الطريق، منصة استخدمها المتظاهرون في الماضي محاطة بأعشاب جافة. خلف ذلك يوجد مجمع سكني بعد آخر من المباني الفارغة. هذا هو المكان الوحيد الذي لم يرافقني فيه مسؤول حكومي فقط، لكن أيضا سيارة من قوات الأمن، ما يشير إلى مدى شدة السيطرة في هذه المنطقة. لم أجد سوى عدد قليل من العائدين - الأطفال والنساء الذين أزواجهم إما في السجن وإما يقاتلون على الجبهة لمصلحة الأسد، خيار يقولون إنه عرض عليهم بدلا من السجن. أثناء مغادرتي، امرأة ترتدي الأسود أمسكت يدي بشدة. توقعت أن أجد ملاحظة في راحتي، لكن لم يكن هناك شيء.