«وداعاً يابو عدنان»
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
حسين شبكشي
لكل دولة رموزها وأيقوناتها التي تفتخر بها وبإنجازاتها في مختلف المجالات، ومنها الطب والفن والرياضة والتعليم. هذه الأيقونات تكون مصدر فخر واعتزاز لكل أفراد الشعوب. فقدت الكويت ومنطقة الخليج العربي فناناً عملاقاً مع وفاة الممثل الكوميدي الكبير عبد الحسين عبد الرضا عن عمر يناهز الـ78 عاماً بعد صراع مع المرض، وذلك في مدينة لندن البريطانية. في عالمنا اليوم الخبر ينتقل بسرعة الضوء، لقد وصل الخبر الحزين إلى القاصي والداني، وتفاعلت الجماهير معه، وأبدت حزنها العميق لفقد الراحل الكبير.
العملاق الراحل كانت له بصمته المهمة في أعماله الفنية المسرحية منها والتلفزيونية، وأصبح بعضها جزءاً من الوجدان الفني لأهل الخليج مثل مسلسل «درب الزلق» ومسرحية «باي باي لندن».
عبد الحسين عبد الرضا قدم أعمالاً عالجت مشكلات اجتماعية واقتصادية وسياسية بشكل ساخر ومؤثر مثل الطفرة النفطية، وتبعات انهيار سوق المناخ للأسهم والعقار، والغزو العراقي للكويت. حظي بمكانة استثنائية في بلاده، وأجمع على محبته واحترامه جميع أطياف المجتمع الكويتي المختلف، متخطياً بذلك خطوط التماس الطائفية الاجتماعية.
وكما لمصر عادل إمام ولسوريا دريد لحام، كانت مكانة عبد الحسين عبد الرضا في الكويت. رجل عاش جل حياته راسماً للابتسامة وناشراً للفرحة، كما عاش عنصراً للتعايش الجميل. حزن على رحيله وترحم عليه كل من عرفه أو سمع عنه، لأنهم قدروا ما عاش لأجله والأعمال التي خلدت باسمه من بعد رحيله. هكذا هي الشعوب الناضجة والأمم المحترمة تحترم رموزها في حياتهم وبعد رحيلهم، لإدراكها أنهم أحد أهم إنجازاتها الحضارية ووسائل تواصلها مع الشعوب والأمم الأخرى، وهم في بعض الأحيان أكثر تأثيراً من العديد من السفراء والقرارات السياسية.
في عصر التواصل الاجتماعي تفاعل الناس في شتى أنحاء العالم بسرعة غير عادية مع خبر رحيله، فأقيمت له «الجنازات الافتراضية» الواحدة تلو الأخرى، وتلتها مناسبات «التأبين الافتراضية»، متذكرة سيرته وإنجازاته وأهم محطات حياته. ولم يخلُ الأمر من مناوشات المتطرفين والمتنطعين. ولكن محبة الراحل الجارفة والصادقة والعابرة للحدود والأجيال كان لها الغلبة، وهي بمثابة شهادة قاطعة على محبته وسط قلوب الناس.
رحيل عبد الحسين عبد الرضا والحزن الكبير على وفاته وتذكير الناس بمسيرته الكبيرة والأثر الخالد لفنه هو أكبر رثاء في حق من أسعد ملايين الناس، فأضحكهم في حياته وأبكاهم في رحيله، هي المواقف نفسها التي مر بها المصري عند رحيل أم كلثوم وعبد الحليم حافظ، والموقف نفسه الذي مر به السعودي عندما رحل طلال مداح، وهو الموقف نفسه الذي مر به العراقي عندما رحل ناظم الغزالي، وغيرهم من أيقونات الفن والثقافة التي لا يدرك أهمية المبدعين فيها وعليها إلا متأخراً وبعد الرحيل.
ولكن مسيرة العطاء المميز والتضحية الاستثنائية لها ضرائب، فهي تأتي على حساب الصحة على أغلب الأحوال، ولكن الرصيد الذي يدوم هو محبة الناس الكبيرة، وهذا ما حصل عليه عبد الحسين عبد الرضا بامتياز.
شكراً على كل ما قدمته من فن رفيع يا أبو عدنان.
رحم الله الفقيد الكبير وأسكنه فسيح جناته و«إنا لله وإنا إليه راجعون».