التعصب للمذهب أساس تفجير الأوطان
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
محمد آل الشيخ
علمتنا التجارب، خاصة التجارب القريبة، وبالذات بعد أن تشكلت الدولة الوطنية المعاصرة الحديثة، أن أغلى ما تملكه المجتمعات لتبقى وتعيش في أمن واستقرار وطمأنينة، هو التعايش السلمي، واللحمة بين مواطنيها؛ وحينما تنفرط هذه اللحمة، ويدب بين أفرادها الخلاف والشقاق والتباغض والكراهية، ويصبح الانتماء للمذهب مُقدم على الانتماء للوطن، تكون هذه الأوطان معرضة للتشتت والتشظي وربما التقسيم، ونشوب الحروب الأهلية الدموية، التي تطحن أول ما تطحن الشعوب.
ما يجري في سوريا والعراق الآن هو شكل من أشكال التطاحن الطائفي والمذهبي بامتياز، وهو أيضًا مثال حي على تأخر الانتماء للوطن، وتقدم االتعصب للطائفة أو المذهب. ولأن الإنسان العربي لم يستوعب بعد ماذا يعني التفريط قي التعايش بين مواطني المجتمع الواحد، حتى وإن اختلفوا في الطائفة أو المذهب، تعيش العراق وسوريا وكذلك اليمن هذا التطاحن والتقاتل الذي خلق في تلك الدول هذه الحروب الدموية التي لا تنتهي إلا وتبدأ ثانية، ولا أرى لها -للأسف- نهاية قريبة.
في أوروبا، وفي الحقبة التي تسمى في تاريخهم (القرون الوسطى)، كان التطاحن الطائفي والمذهبي هو السبب الأول الذي حصد الملايين آنذاك، هؤلاء يحاولون فرض المذهب الكاثوليكي بقوة السلاح، وأولئك يُصرون على فرض المذهب البروتستانتي بنفس المنطق، وبعد عقود من الحروب والتقاتل بين أفراد مجتمعاتهم نتيجة التعصب للمذهب أو الطائفة، توصلوا إلى أن التعايش بين الأفراد وإن اختلفت مذاهبهم هو الحل، وإلا فلن ينتهي التطاحن بينهم، ونتيجة لهذه القناعة رسخوا ما أوصلتهم تجاربهم هذه إليه، بأن قننوا تجريم التقاذف والتنابز الطائفي، واعتبروا كل من يقترف مثل هذه الممارسات مُدان بحكم القانون، تُطبق عليه عقوبة رادعة، وبذلك بذروا بذور الانطلاقة الحضارية المتفوقة، التي ينعم العالم اليوم في نعيمها ومخترعاتها في كل المجالات الحياتية.
ولا يمكن إطلاقا، وأكرر إطلاقا، أن نقيم أمنًا واستقرارًا وطمأنينة إلا إذا استفدنا من تجاربهم، وتخلصنا من التعصب للطائفة والمذهب، واستبدلنا التعصب للمذهب بالتعصب للوطن بكل مواطنيه أيًا كانت طوائفهم أو مذاهبهم.
إيران في غزوها لدول الجوار الإيراني، جعلت من المذهبية بمثابة الجذوة التي تُشعل بها تعصب المجتمعات، مستهدفة استقرارها وأمنها، ومستغلة المتعصبين الشيعة ليكونوا أذنابًا لها لتحقيق طموحاتها التوسعية، ومن الثابت تاريخيًا أن المجتمعات العربية قبل ثورة الخميني في إيران كان أفرادها متعايشين بسلام يعيشون في مجتمعاتهم بأمن واستقرار، وما إن قامت هذه الثورة الكهنوتية، القادمة من تلافيف التاريخ، حتى بدأ التطاحن المذهبي بين أبناء المجتمع الواحد في البلدان العربية والإسلامية، وها هي سوريا والعراق واليمن وما يجري فيها من نزاعات طائفية، تثبت صحة ما أقول.
المهم بالنسبة لنا في الخليج أن نتعظ بما حصل في دول الشمال العربي، وننأى بدولنا عن الانزلاق في هذه المنزلقات التي ستؤدي بنا إذا لم نتنبه لها إلى كارثة لن تبقي ولن تذر، وسيكون الخاسرون فيها جميع المواطنين، بجميع مذاهبهم.
إلى اللقاء