السيجار والصحون
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
سمير عطا الله
التقيت في نيويورك أحد نجوم الصحافة الأميركية المعاصرة العائد لتوِّه من زيارة إلى لبنان. وسألته عن أهم انطباعاته: فقال، اثنان؛ الأول، هو الانطباع الشائع: نصف ساعة ما بين التزلج على مياه البحر والتزلج على ثلوج الجبل، وهذه ميزة لا وجود لها في أي مكان آخر على هذا الكوكب.
الثاني، هو «الإرهاب الاجتماعي». وشعرت باضطراب وأنا أسمع هذا التعبير، فمضى يشرح: «لبيت دعوة صديق لي إلى العشاء. مأدبة سخية، وصحون طائرة ورابضة، وألوان وألوان، وذوق رفيع. وبعد الانتهاء من المائدة قام نصفنا إلى الدار يدخن السيجار، والنصف الآخر يحمل الصحون إلى المطبخ لجليها. وعندما انتهت السهرة، كان الرجال لا يزالون يدخنون السيجار، والنساء لا يزلن يجلين الصحون، أو يشرفن على ذلك».
وبكل سذاجة سألته، أين الخطأ في الأمر؟ قال في المجتمع الأميركي، يشارك الزوج الزوجة في نقل الصحون، وفي غسلها. وأول ما يتعلمه في الزواج أن المسؤوليات مشتركة في كل شيء! أعاد إلى ذاكرتي ما حدث قبل أربعة عقود عندما تزوج زميل عزيز من فتاة أميركية. ويوم جاء موعد الولادة الأولى طلبت الزوجة من طبيبها اللبناني أن يحضر الزوج عملية الوضع.
وتعجب الطبيب وقال إن هذا أمر غير مألوف في لبنان. وردت السيدة أن هذا أمر إلزامي في أميركا، فإذا لم يعرف الأب ماذا تعاني الأم، فكيف يمكن أن يفهم معنى الأبوَّة؟ وبعد جدال رضخت إدارة المستشفى لطلب الأم. أما ردة فعل «أهل البلد» فكانت السخرية من الزوج «شو مش رجال».
ما زلت، للأسف، رجلاً شرقياً. صحيح أنني لا أدخن السيجار الغليظ وأنفثه في وجوه الآخرين، ولا أدخن السيجارة وأنفث سمومها في صدور الحاضرين، ولا أطيق النارجيلة ومظهر الخمول والكسل والتخلف الذي تنشره حولها، لكنني لا أشارك في غسل صحن، أو إزاحة كرسي، أو الاطلاع على فاتورة عائدة إلى مصاريف البيت.
وهذا صحافي شهد أخطر أحداث العالم، وهز بكتاباته الولايات المتحدة، يعجب مما سماه إرهابنا الاجتماعي. الرجال يدخنون السيجار والنساء يغسلن الصحون. وبكل سذاجة أيضاً سألته متعجباً: ألم يكن لدى مضيفك خادمة آسيوية؟ ليس هناك منزل لبناني يخلو منهن؟ قال: «كنت أتوقع السؤال من أجل أن أمتحن مدى شرقيتك. لقد فزتَ».