جريدة الجرائد

العلمانية بين فريقين

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

 توفيق السيف

 يمكن لمن شاء أن يكيل المدائح للعلمانية أو يرميها بكل الموبقات. هذا لا يغير أي شيء في أي موضوع. العلمانية محايدة تجاه المعتقدات التي تسكن في ضمير البشر. ومن هنا فهي ليست داعماً للمقدسات والجوانب الغيبية في العقائد والأديان. لكن هذا لا يجعلها عدواً للأديان، ولا يجعلها بالتأكيد ديناً بديلاً عن أي دين أو منافساً للدين.

المتحدثون في العلمانية فريقان، يفهمها كل منهما في إطار مختلف. الفريق الأول يؤمن بها كآيديولوجيا أو شبه آيديولوجيا، يريد تمكينها كمبدأ معياري في الحياة العامة. أما الفريق الثاني فيفهمها كمسار تحول في الإفهام والتعاملات، التي يطور البشر من خلالها حياتهم. لكنه لا يتبناها معياراً أو قيمة مستقلة.
بالنسبة للفريق الأول، فإن الحياة ليست سوى مجال لتبادل المنافع المادية، وإن التبادل المفيد هو ما ينتج قيمة مادية، أو يقبل التحويل إلى قيمة قابلة للاحتساب، وفق معايير الدنيا الحاضرة. القيم المعنوية والأخلاقيات مفيدة طالما أمكن ترجمتها إلى قيم مادية. فإذا اقتصرت عوائدها على منافع غير منظورة أو مؤجلة لما وراء الحياة، فليست ذات موضوع.
انطلق هذا التصور من موقف معادٍ للأديان والتقاليد الروحية التي تحيل المكاسب لما بعد الحياة، أو تفترض وجود شريحة من الأفعال والمسلمات، لا يقدر العقل البشري على إدراكها واستيعابها. ولذا يجب فعلها والتسليم بصحتها تعبداً، أو طمعاً في الجزاء الأخروي.
أما الفريق الثاني فينظر للعلمانية كناتج طبيعي لانتقال المجتمع من عصر التقاليد إلى عصر الحداثة. في عام 1616 حاكمت الكنيسة الكاثوليكية عالم الفيزياء الإيطالي غاليليو، لأنه برهن على صحة آراء كوبرنيكوس، القائلة إن الأرض تدور حول الشمس، خلافاً للتفسيرات المستمدة من الكتاب المقدس. نعلم اليوم أن الناس - حتى الأكثر تديناً منهم - يتعاملون مع الفيزياء والفلك كعلوم مستقلة بقواعدها وتجاربها، ولا يعتمدون التفسيرات المستمدة من الكتب المقدسة. استقلال العلوم وفقدانها القداسة أو الخضوع للمقدس، هو أحد وجوه التحول الذي يوصف بالعلمانية. ومثل ذلك تماماً استقلال القانون والاقتصاد وغيرهما من جوانب الحياة.
بناء القوانين وأنظمة الدولة والسوق على نتائج الدراسات العلمية والمداولات بين ذوي الاختصاص، يزيل القداسة من تلك الأنظمة، ويحولها إلى شأن عرفي يستمد إلزاميته من ذاته أو من توافق المجتمع عليه. أي أن طاعة القانون تفهم من جانب الناس، كواجب يرتبط بالمصلحة العامة العرفية، لا كتكليف ديني.
ونذكر أيضاً أن أهم إنجازات الحداثة هو ارتقاء مكانة الإنسان/ الفرد من منفعل إلى فاعل أو متفاعل. وهذا يظهر بوضوح في تعامل الفرد مع الدين. في عصر التقاليد كان واجباً على الفرد أن يسمع ويطيع. لأن التعاليم الموجهة إليه، آتية من مصدر أعلى وأعلم بمصالحه. أما في عصر الحداثة، فقد بات الفرد أقل اكتراثاً بمصدر التعاليم، وأكثر اهتماماً بالتحقق من فائدتها لحياته. بسبب هذا التحول، فإن التدين السائد اليوم ليس صورة عن تدين الآباء، ففيه كثير مما استعاره الأبناء من إلزامات عصرهم ونتاجاته. تحول موقف الفرد وموقعه من الانفعال إلى التفاعل، هو مثال آخر على تغير مفهوم ومعنى المقدس، وتقلص مساحاته في حياة الناس.
لو تركنا جانباً دعوة الفريق الأول، التي تحمل مضموناً آيديولوجياً، وركزنا على التأمل في تفسيرات الفريق الثاني، فقد نجد أن العلمانية في هذا المعنى واقع يتحقق بالتدريج، وليست مسألة مطروحة للنقاش.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لماذا تروج الاقليات
المذهبية للعلمانية -

ليست العلمانية شكلاً واحداً فهناك علمانية متصالحة نوعاً ما مع الدين ولكنها لا تترك المتدين يمارس ما يعتقده وفق قناعاته الدينية في الزواج بأكثر من امرأة مثلاً ولا ان يربي ابناءه وتتدخل في علاقته مع زوجته ، وتسمح بإهانة معتقدات المتدينين تحت دعاوي حرية التعبير والتفكير ، وهناك علمانية مستأصلة له قامعة للمتدينين و على كل حال العلمانية هي الالحاد ، كما ان العلمانية تتخذها الاقليات الدينية والمذهبية في مجتمع الأكثرية سلماً للوصول للسلطة ثم قمع الأكثرية النصيرية والشيعية والملاحدة كمثال . المسلم السني الذي يعتقد ان العلمانية قد أتت بأفضل مما جاء به الاسلام فليراجع إيمانه واسلامه فإنه على خطر عظيم . لا يجب ان نروج بين المسلمين للعلمانية وهي غير مقبولة حتى عند السكارى متى أفاقوا ولكن لنروج لعودة الاسلام الحقيقي ليحكم الواقع ففيه سعادة الدارين الدنيا والاخرة

العلمانية واللبرالية
قناع تقية للاقلوي -

الاقلوي المذهبي كالشيعي او الديني كالمسيحي يبقى في العمق متمسكاً بمذهبه ودينه وان ادعى انه علماني وليبرالي الخ ، العلمانية او اللبرالية ما هي الا قناع تقية يختفي وراءه الاقلوي في مجتمع الأكثرية لخداعهم ويبقى اللي في القلب في القلب يا حسينية او يا كنيسة ! خذوا حذركم منهم ..

واقع يتحقق بالتدريج
وبأمر من؟ -

البروفسور المعروف وائل الحلاق، المتخصص في القانون وتاريخ الفكر الاسلامي، يبدو متفقاً في كتابه "الدولة المستحيلة" مع فرضية "العلمنة" في الدول العربية عموماً حين يؤكد انه "مع بداية القرن التاسع عشر، وعلى يد الاستعمار الأوروبي، تفكك النظام الاقتصادي- الاجتماعي والسياسي الذي كانت تنظمه الشريعة هيكليا، أي أن الشريعة نفسها أفرغت من مضمونها واقتصرت على تزويد تشريعات قوانين الأحوال الشخصية في الدولة الحديثة بالمادة الخام (ص:19)". انتهى الاقتباس. حتى قانون الأحوال الشخصية تتم محاولات لعلمنته في معظم الدول العربية بفضل الفاضلة "سيداو"!

لماذا يعبد المثقف
العلمانية من غير اقتناع -

يصعب على المثقف العربي ان يكون علمانيا. حقيقياً ويصعب عليه ان لا يكون استئصالياً ، انحاز العلماني العربي الى الاستبداد عندما هبت رياح التغيير لأن الشعوب أتت بمن يكرههم ؟!