إقحام لا ضرورة له
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
توفيق السيف
محاضرة الدكتور زغلول النجار في جامعة فاس المغربية في أبريل (نيسان) الماضي، حول الإعجاز العلمي في القرآن، انقلبت إلى هرج ومرج، بعدما تصاعد الجدل بين الحاضرين والمحاضر. وتكرر الأمر نفسه في يوليو (تموز)، أثناء ندوة عقدتها نقابة المهندسين الأردنيين، بعدما رفضت مطالب الحاضرين بمناقشة مباشرة للدكتور النجار.
يشير كلا الحدثين إلى أن حديث «الإعجاز العلمي في القرآن» فقد بريقه المعتاد في سوق الثقافة العربية. كثير ممن تبنى هذه الدعوة تخلى عنها، لأن آلاف الذين كانوا يتابعونه بشوق، باتوا أقل ثقة في فرضياته هو.
يرجع الفضل في إطلاق هذا الحديث إلى المرحوم عبد الرزاق نوفل، الذي أصدر 30 كتاباً، يمتلئ معظمها بأقاصيص حول التطابق بين التعاليم الدينية وكشوف العلم الحديث. والحق أن نوفل لم يكن عالماً متخصصاً، لكنه امتاز بجمال الأسلوب والعرض. وكانت كتاباته أشبه بالتقارير الصحافية، التي تثير الاهتمام لكنها تفقد قيمتها في اليوم التالي.
كان المرحوم نوفل قد اكتشف مبكراً، السؤال الذي يحاول الإجابة عنه الدكتور النجار وبقية المهتمين بالإعجاز العلمي، أعني به سؤال هل يعد الدين بشيء أكثر من الثواب الأخروي؟ فالقرآن جاء لعبادة الله الواحد وما يتطلبه ذلك من ملحقات لنيل الجزاء في الآخرة.
لو أردنا وضع هذا الكلام في قالب نظري، فسوف نقول إن موقف الإنسان المعاصر من الدين قد تغير جذرياً. في الماضي كان الانتماء لدين بعينه، واحداً من متطلبات النظام الاجتماعي. حين يتغير الحاكم، يتحول الناس إلى دينه أو مذهبه، دون مساءلة أو اهتمام بتحديد موقف شخصي. ويكشف تاريخ المسيحية والإسلام وبقية الأديان، أن هذا النوع من التحولات كان معتاداً حتى نهاية القرون الوسطى.
أما اليوم فلا أحد يغير دينه أو مذهبه، تبعاً لتغير دين الحكومة أو مذهبها. كثير من البشر المعاصرين يحددون علاقتهم بالدين، تبعاً لما يوفره الدين لحياتهم الحاضرة. وحتى الذين ما زالوا ملتزمين بالنهج القديم، فإنهم يحاولون - بصورة واعية أو عفوية - استكشاف المسافة بين ما يعطيه الدين لحياتهم الدنيوية، وما يؤجله لما بعد الموت. وقد يقررون، بناء على نتيجة هذا الاستكشاف، معنى انتمائهم الديني، أو نسبة التزامهم بتفاصيله. خلافاً للمسيحية، فإن تعاليم الإسلام تغطي جانباً واسعاً نسبياً من حياة الناس الدنيوية. وبالقدر نفسه، فإن المسلم المعاصر يتساءل الآن، أو سوف يتساءل في المستقبل، عن التناسب بين التزاماته الدينية وانعكاسها الإيجابي على حياته الدنيوية.
الفهم المسبق للدين يفترض أن معظم المكاسب المتوخاة من التدين، مؤجلة إلى الحياة الثانية بعد الموت. لكني أفترض أن كثيراً من الناس سيسألون أنفسهم: هل آمنت خوفاً من جهنم، أم لأن الدين يعطيني حياة دنيوية أفضل؟ وربما أخذ بعضهم المسألة إلى حدود أكثر تطرفاً فسأل نفسه: لو خيرت بين طريقين في الحياة؛ إحداهما تعدني بحياة كريمة مزدهرة في هذه الدنيا، وأخرى تدفعني لتقبل البؤس في الحياة الدنيا، على أمل تعويضها بخير منها بعد الموت. هل سأختار الطريق الأولى أم الثانية؟
حديث بعض الدعاة عن قوة الدين وعظمته وسبقه للعلم الحديث وماضيه الزاهي، يلعب دوراً توكيدياً، يريح أنفس الموافقين في الأصل على تلك الدعاوى. لكنه لا يجيب عن السؤال الجدي الذي أشرنا إليه، وهو سؤال سيواجه بالتأكيد معظم الجيل الجديد من المسلمين.