في محنة العقل
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
علي نون
استحكام محنة العقل عند بعض أهل الممانعة في ديارنا أمرٌ مألوف وليس جديداً. لكنه يلمع في الأحداث الجليلة والمحطات «المفصلية» أكثر من المعتاد، ويصيبني، في كلّ مرة، بالحيرة. ثم بالزعل والوجل، إزاء سلاسة القدرة على الانتشاء بالمصائب ومشتقاتها.
تلك محنة ما بعدها ولا قبلها محنة. ومتأتية من تركيبتها البلاغية والبيانية المدكوكة دكّاً على إسمنت يقينيّات لا تُجادَل ولا تُناقَش ولا تحتمل أي نوع من ذلك الترف! والتي تجعل أصحابها في الخلاصة، متيقّنين من قدرتهم على تحويل الخشب الى ذهب. والتزوير الى حقائق. والخطأ الى صحّ. والأوهام الى وقائع. ثمَّ الذهاب في الإعجاز الى حدّ تصنيف الآخرين تبعاً لمدى تقبّلهم أو رفضهم لتلك التوليفة المريضة برمّتها.
هكذا مثلاً يريد المصابون بتلك المحنة، من الناس أن تصدّق، أنّ الرئيس الشهيد رفيق الحريري قضى إنتحاراً. وإن شهداء «ثورة الأرز» قَتَلوا بعضهم بعضاً. وإن بشّار الأسد علم من أعلام الحكمة والأنسنة وحقوق البشر والتصدّي لإسرائيل! وإن نوري المالكي عميد «معهد أفلاطون للتعليم العالي» والرمز المجسّد لـ«الجمهورية الفاضلة». وإنّ بني حوث في اليمن أساطين في التنوير والحداثة والممارسة الديموقراطية! وإنّ علي عبدالله صالح مثال لبُناة الدول والمؤسسات واحترام القانون ومحاربة الفساد! وإنّ غالبيّة الشعب اللبناني صارت أقليّة. وهذه وحدها لا تزال تنكر فضائل «المقاومة» و«الممانعة». وتتنكّر لتضحيات «نظام الوصاية» اللبناني – السوري. وترفض أن ترى كيف أنّ الغرب برمّته على أبواب الانهيار فيما إيران على أبواب الريادة القطبية في العلوم والمال والاقتصاد والتصنيع العسكري والفتوحات الطبيّة! وكيف أنّ الشرق من أوّله الى الصين يتلوّى من أوجاع اكتشافه المتأخر عُقم قيمه ونظمه وعاداته وتقاليده مقارنةً بإيران و«سوريا الأسد»! وكيف أنّ بناء النفوذ والاقتدار لـِ«جمهورية ولاية الفقيه» تمَّ طوبة طوبة، بالفكر والرأي والموسيقى والقانون واحترام العهود والمواثيق والشرائع الناظمة لعلاقات الدول والشعوب في عالم اليوم!. وكيف أنّ غزّة وبعض الضفّة الغربية تحررا بـ«المقاومة» وليس بسياسة الراحل ياسر عرفات! وكيف أنّ تهجير السوريين وتدمير ديارهم كانا «الخطوة الأخيرة» قبل إكمال الزحف إلى القدس وإعادة المسجد الأقصى وكنيسة القيامة الى أهلهما الشرعيين! وكيف أنّ هؤلاء (السوريين) انتشروا في الأرض للسياحة وهرباً من الملل وليس هرباً من طغيان هولاكي! وكيف أنّ عموم العراقيين داخوا من كثرة الأمن والرفاه خصوصاً بعد أن أكمل «الحرس الثوري» ما بدأه جورج دبليو بوش وانطلاقاً من النقطة التي وصل إليها صدّام حسين! وكيف أنّ أهل الخليج العربي في الإجمال بددوا ثرواتهم الوطنية على ادّعاءات تحرير فلسطين ونسوا التنمية من دون أن يحرّروا شبراً واحداً من الأرض السليبة! وكيف أنّهم نادمون متحسّرون على عدم التشبّه بالأخ القائد معمّر القذافي وبسيرته التحريرية والتنموية الفذّة! وعلى عدم التماهي مع جارهم الفارسي عند الضفة الأخرى من شطِّ العرب وخصوصاً لجهة نجاحه في القضاء المبرم على الإرهاب! وإشاعة ثقافة الحوار والاعتدال! والتزامه التام أصول حسن الجوار ومقتضيات البناء والإعمار وحفظ الثروات والأرواح! والتواضع في طموحاته ومشاريعه وسياساته وصادراته «الثورية»! وإيثاره التراحم و«الوحدة الإسلامية» على كل حسٍّ مذهبي تفتيتي بغيض ومضرّ!
محنة العقل عند هؤلاء الممانعين، تجعلهم يفترضون أنّ لبنان اليوم هو سوريا الأمس.. وإن اللبنانيين قُصَّرٌ سُذَّج ولا يعرفون التمييز بين الذكي والمتذاكي، والمرتكب والضحيّة، والظالم والجائر.. والحلال والحرام!