انتصار في الجرود والدولة في الخيمة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
راجح الخوري
كان الانتصار العسكري الناجز والمدهش في قبضة اليد، وكان في وسع الجيش اللبناني، الذي سبق لمسؤولين وسياسيين لبنانيين (من غير شرّ) أن شككوا في قدراته، أن يقدم إنجازاً عسكرياً غير مسبوق، فيسحق «داعش» في جرود بعلبك والقاع على الحدود اللبنانية السورية، ولكن...
يوم السبت الماضي، أعلن الجيش اللبناني أنه سيبدأ، خلال ساعات، المرحلة الرابعة من معركة «فجر الجرود»، التي كان قد بدأها قبل أيام، للقضاء على مقاتلي «داعش» المتمركزين في جرود بعلبك والقاع، والذين سبق لهم أن اعتقلوا وأعدموا عدداً من عناصر الجيش قبل ثلاثة أعوام، وفجأة أعلن «حزب الله» عن صفقة مع «داعش» قضت بنقل «الدواعش» إلى الحدود العراقية المحاذية لدير الزور، في مقابل الكشف عن مكان جثامين شهداء الجيش اللبناني.
وكما سبق أن تم نقل مقاتلي «جبهة النصرة» من الحدود اللبنانية إلى محافظة إدلب التي تسيطر «النصرة» عليها، في صفقة رتبها «حزب الله» والنظام السوري، أُعلن عن وقف لإطلاق النار لتنفيذ الاتفاق الجديد الذي رتبه «حزب الله» والنظام السوري، حيث تم نقل مقاتلي «داعش» وعائلاتهم من الحدود اللبنانية السورية إلى الحدود العراقية، في باصات مبردة ومع أسلحتهم الفردية، ونقلت جثامين شهداء الجيش الثمانية إلى فحوصات الـ«دي إن إيه» للتأكد منها.
منذ تلك اللحظة انفجر جدال امتزجت فيه مشاعر الفرح بالنصر على الإرهابيين وإخراجهم من الأراضي اللبنانية، بمشاعر الإحباط والغضب من ترك «الدواعش» يخرجون من قبضة الجيش، وهو ما حرمه من تحقيق انتصار ميداني مهم جداً، كان من المستحيل، بعد ذلك، الحديث عن أنه غير قادر على مواجهة الأخطار التي تتهدد لبنان على كل بقعة من أراضيه... مفهوم؟
هل نحن إذن أمام انتصار منقوص ومبتسر، كان يمكن أن يكون باهراً، وكان فعلاً في قبضة اليد ويمكن تحقيقه في خلال ساعات، لو نفذ الجيش المرحلة الرابعة من عملية «فجر الجرود»؟ وإذا كانت ذريعة القبول بالاتفاق وإخراج «الدواعش» هي الكشف عن مكان الجثامين، فإن السؤال يتعالى في الشارع اللبناني:
أولم يكن الإطباق على الإرهابيين سيؤدي إلى اعتقال أعداد منهم يدلّون على مكان الجثامين؟ وهل هكذا يُرد على أهالي العسكريين الذين ينامون في خيمة أمام سرايا الحكومة منذ 1120 يوماً، في انتظار معرفة مصير أبنائهم الذين عادوا جثامين إلى المختبرات، في حين خرج الإرهابيون الذين قتلوهم مبتسمين بسلاحهم، في باصات مبردة إلى الحدود العراقية؟
يفقد الانتصار بخروج الإرهابيين من الأراضي اللبنانية زهوه، أمام مرارات تتصل بتضييع فرصة القضاء عليهم، وسوقهم إلى القضاء، ومعرفة كل تفاصيل جرائمهم، من أين أتوا ومن أرسلهم، ولماذا أعدموا العسكريين ونفذوا عمليات التفجير في أكثر من منطقة لبنانية. وإذا كان هذا يثير جدلاً مراً في بيروت، يعكّر فرحة النصر على خلفية طوفان من الأسئلة حول طبيعة الاتفاق، فإنه أيضاً يثير جدلاً يغلب عليه الغضب والسخرية في بغداد، حيت قال المسؤولون، إن نقل «الدواعش» إلى حدود العراق الغربية «إهانة مقلقة وعدوان مرفوض».
على خط آخر، أثارت الصفقة غضباً وذهولاً في واشنطن، وفي الوقت نفسه كانت عاصفة من الذهول والتساؤلات تشتعل في العواصم العربية والأوروبية.
بإزاء كل هذا الدوي، لم تجد الدولة اللبنانية سوى الإعلان عن أنها ستجري تحقيقاً شاملاً في كل ما جرى، منذ وصول «الدواعش» إلى الأراضي اللبنانية، ثم الاعتداء على الجيش، إلى خروجهم بهذه الطريقة.
وفي انتظار هذا التحقيق الذي سيتم وسط الانقسام السياسي «على طريقة غودو»، أو في أحسن الأحوال على طريقة «ليلى والذئب»، من الضروري إيراد سلسلة من التساؤلات المحقة التي يطرحها الرأي العام اللبناني، حول ما جرى ولماذا جرى على هذا النحو المفاجئ، الذي جعل البعض يقول إن الدولة اللبنانية هي التي دخلت الخيمة مكان الأهالي المفجوعين!
صحيح أن «التحالف الدولي» قصف الطريق أمام قافلة الإرهابيين التي تضم كما قيل 600 مقاتل، لمنعها من الوصول إلى الحدود العراقية، معلناً أنه ليس طرفاً في اتفاق «حزب الله» والنظام السوري مع «داعش»، لكن السخط العراقي الرسمي والشعبي تعالى، معتبراً الصفقة «عدواناً علينا»، وهو ما دفع السيد حسن نصر الله، أمين عام «حزب الله»، إلى إصدار بيان موجه إلى السلطة العراقية؛ لكنه أثار مزيداً من التساؤلات على خلفية قوله، مثلاً، إن الاتفاق قضى بنقل مسلحي «داعش» وعائلاتهم من أرض سورية إلى أرض سورية، بينما كان عدد منهم في الأراضي اللبنانية.
أهم من هذا قال: «إن الذين نقلوا ليسوا أعداداً كبيرة، وإنهم 310 من المسلحين المهزومين المنكسرين المستسلمين الفاقدين لإرادة القتال، ولن يغيّروا من معادلة معركة دير الزور»، وهذا ما دفع البعض في بيروت إلى طرح السؤال:
إذا كانوا مهزومين منكسرين مستسلمين فاقدين لإرادة القتال، وأن «الحسم العسكري الشامل كان ممكناً وسهلاً»، فكيف يمكن لعملية الحسم أن تضيّع قضية مصير العسكريين، الذين كان اللواء عباس إبراهيم مدير الأمن العام، قد لمح إلى أنه كان يعرف منذ فبراير (شباط) 2015 أنهم استشهدوا؟ ثم أولم يكن ممكناً القبض على أعداد من هؤلاء المستسلمين يدلون على مكان جثامين شهداء الجيش؟
وفي أي حال، كان السيد حسن قد نصح العراقيين سابقاً بالقول، إن الأميركيين يريدون فتح الطريق لـ«داعش» من الموصل إلى شرق سوريا، قائلاً: «هذا الخداع الأميركي سيضيّع انتصاركم، وإن الانتصار الحقيقي هو أن تُضرب (داعش)، ويعتقل قادتها ويزج بهم في السجون، لا أن تُفتح الطريق لهم إلى سوريا؛ لأن في ذلك خطراً على العراق»، وعلى خلفية هذا يطرح خصوم «حزب الله» في لبنان وخارجه السؤال:
أولم يؤد اتفاق نقل «الدواعش» من الجرود إلى تضييع انتصار ميداني للجيش اللبناني، كان في قبضة اليد، في مواجهة الإرهابيين المنهزمين المستسلمين الفاقدين لإرادة القتال؟
والأسئلة تتراكم: لماذا قبلت الدولة اللبنانية وقف النار؟ ولماذا وافقت على أن يقوم الإرهابيون بإحراق عتادهم ومقارهم وما فيها من أدلة؟ ولماذا اشترطوا إبعاد المصورين عن العملية مهددين بوقفها؟ وكيف لهؤلاء المستسلمين المهزومين التهديد وفرض روزنامة خروجهم؟ وعندما يقال إن في الاتفاق «تسويات دول»، فمن هذه الدول؟ هل هي قطر مثلاً؟ وما معنى أن ينبري رجال إيران في بغداد للتفرّد بالدفاع عن الاتفاق؟