المالكي في ولايته الثانية.. هذه أسباب انهيار المنظومة العسكرية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
غياث الحاج
ـ الحلقة الثامنة ـ
كشفت الحلقات السابقة، المجموعات التي تشكّلت حول المالكي، والتي تألّفت من أفراد “فاقدي” التجربة السياسية، والمهارات القيادية والتنظيمية، فضلا عن إنّ قسما منهم ذو خلفيات بعثية، حيث تمكنت هذه المجموعات من تشكيل حلقة مُحْكمة حول المالكي.
وأبرز هذه المجموعات هي “مجموعة الابن احمد” التي تشكلّت بعد مرور عدة سنوات من رئاسة المالكي للحكومة، و”مجموعة أتباع المالكي”.
وأوردت الحلقة السابقة عوامل ثلاثة صنعت سياسات المالكي في ولايته الثانية، أنتجت أخطاءً أنهت حلم الولاية الثالثة، فقد أدى الاعتماد على “الابن أحمد” وعلى الموالين من المجموعات الآنفة الذكر، يصاحبها غياب كوابح حزب الدعوة الإسلامية التي تتصدى لطموحات المالكي الشخصية، الى وقوع رئيس الوزراء في ذلك الوقت، في أخطاء قاتلة، عجّلت من نهاية حلم الولاية الثالثة، وأدخلته في نفق مظلم، صعُب الخروج منه. وقد أدى ذلك في النهاية الى الأخطاء الكبرى وهي معارضة المالكي لموقف المرجعية.
واستعرضت الحلقة السابقة، العوامل التي أدت الى زلزال سقوط الموصل المدمر في حزيران 2014، وسلطت الأضواء على دور مكتب القائد العام ومديره الفريق فاروق الأعرجي في النكسة التاريخية التي حلت بالعراق في حقبة رئيس الوزراء نوري المالكي.
السنيد: “يعرف.. لكنه يَحرُف ويضلّل”
كان العضو في حزب الدعوة الإسلامية، حسن السنيد، في منصبه رئيسا للجنة الأمن والدفاع البرلمانية (2010)، العامل الآخر في التعجيل في الخسائر العسكرية والسياسية.
وقدر تعلّق الأمر بمهمته، فان النظام الداخلي للبرلمان العراقي ينص على إن من واجبات لجنة الأمن والدفاع البرلمانية، متابعة شؤون أمن الدولة الخارجية، وشؤون الأمن الداخلي، ومكافحة الإرهاب والجريمة، وكذلك متابعة شؤون القوات المسلحة، واقتراح التشريعات المتعلقة بضباط القوات المسلحة والشرطة، وأفرادها وأجهزة الاستخبارات.
لكن هذه المسؤوليات الأساسية لأمن العراق، التي كان على النائب السابق حسن السنيد، إجادة توجيه أهدافها، باتت عبئا عليه، كونه اثبت بالتجربة بانه مسؤول ونائب “غير كفوء” لإدارة ملف الأمن والإشراف على القوات المسلحة.
ومع إدراك حقيقة إن شخصية السنيد ارتبطت بـ”الهزل” و”الخداع”، حتى في أيام المعارضة، حيث اقترن اسمه بلقب “ابو عمار الكذاب” -إشارة الى اسمه الحركي ابو عمار المهندس – يمكن استنتاج أسباب فشله الذريع.
غير إن الجانب الآخر من شخصية السنيد، يكشف عن كونه شخصية “ذكية” و”عميقة” تدرك ما كان يجري داخل الأجهزة الأمنية والقوات المسلحة، لكنه كان يتغاضى عن الحقائق، بسبب خصال الخداع والتلون، التي كانت تدفعه الى حجب المعلومة الصحيحة، وتضليل القائد العام للقوات المسلحة، نوري المالكي، والمسؤولين الآخرين، وكل ذلك لأجل ان يتجنب الاصطدام بالمالكي لإيمانه ان قناعات المالكي تجاه المؤسسة العسكرية قناعات مزاجية، ولا ترتكز على أسس مهنية صحيحة. كذلك لكي يتجنّب الصدام مع “الابن احمد” وحاشيته، الأمر الذي يؤدي في النهاية الى استياء المالكي منه.
نعم، كان السنيد واعيا جدا، بدور “الابن احمد” في اللعب بمقدرات البلاد وخصوص المؤسسة العسكرية فقد كان قريبا يشاهد ممارسات الابن وتدخلاته في المؤسسة العسكرية، والتأثير السلبي لتصرفاته حتى على “سمعة” المالكي الأب نفسه، لكنه تحاشى إظهار قناعاته الحقيقية، تجنبا لغضب المالكي، لما يعرفه عنه من شخصية انفعالية.
وقد كان السنيد في ذلك، صاحب رؤية ثاقبة لأنه اتّعظ من حادثة إبعاد المالكي، لسامي العسكري (نائب في البرلمان العراقي 2010 -2014) وطرده وتهجّمه عليه، لمجرد ان العسكري انتقد أدوار وأداء “الابن احمد” في مكتب رئيس الوزراء، ومنع العسكري من لقاء المالكي عدة أشهر لذلك السبب (وسنذكر في حلقة أخرى كيف تحول سامي العسكري الى احد أركان مشروع المالكي في مرحلة خروج المالكي من رئاسة الوزراء)، كما إن كشف الحقائق عن “الابن احمد” سوف لا يعرّض علاقة السنيد مع المالكي الى الانهيار فحسب، بل سوف يؤدي الى خسارته منصبه في لجنة الأمن والدفاع.
ومن اجل كل ذلك، ولكي يبقى في منصبه، والدائرة المقرّبة من المالكي ومركز القرار، مارس السنيد الخداع في عدة دوائر واتجاهات:
دائرة المالكي:
لقد ضلل السنيد، المالكي، بمعلومات خاطئة عن واقع القوات المسلحة، ومهنية وكفاءة القيادات العسكرية، فمع معرفته بعدم مهنية وفساد اللواء الركن صباح الفتلاوي (إذ كشفت الأحداث عمق فساده الأخلاقي والمهني ودوره في انهيار المنظومة العسكرية التي يقودها كقائد لعمليات سامراء)، لكن السنيد لم ينطق بالحقيقة، لأن هذا القائد العسكري هو أخ النائبة حنان الفتلاوي، المقربة من المالكي، حيث اِرْتَأَى السنيد عدم التصادم معها.
دائرة حزب الدعوة:
تعمّد السنيد ليّ الحقائق وتشويهها، عن جاهزية الجيش وقدرته على مواجهة التحديات الأمنية. وكانت إجاباته لأسئلة القيادة والكوادر المعنية بان “الأمر على ما يرام”، وان جاهزية القوات المسلحة في اعلى مستوياتها.
دائرة الكتل السياسية والبرلمان:
اعتمد السنيد سياسة التسويف والمماطلة والخداع داخل البرلمان، فعندما كانت ترتفع الأصوات المطالبة باستجواب ومساءلة قادة الجيش، وتداول شؤونه، كان يلجأ الى الإجراءات الجاهزة وهي تشكيل اللجان التحقيقية، التي تأخذ في العادة أوقاتا طويلة، وهو ما يعني في قاموسه: “السكوت” و”التسويف”.
إن المتمعّن في هذه التفاصيل التي ستظل عالقة في صفحات تاريخ البلاد السياسي، وقتا طويلا، يستنتج بوضوح ان السنيد يتحمل جزءا مهما من مسؤولية انهيار الجيش والمؤسسة العسكرية، ذلك ان منصبه في لجنة الأمن والدفاع البرلمانية، جعلته مدركا وعارفا بحجم الفساد المستشري في الجيش وضعف الأداء، وعدم مهنية الكثير من القادة العسكريين.
أضف الى ذلك، انه كان قياديا في “دولة القانون” ومن المقربين الى رئيسه نوري المالكي، الأمر الذي يجعل مسؤوليته مضاعفة، في النكسة التاريخية، لما مارسه من سلوك الخداع وتضليل الحقائق والمعلومات، إن لم يكن قد حجبها.
تُضاف الى أدوار السنيد السلبية هذه، معارضة المالكي لموقف المرجعية التي رفضت بعد مظاهرات العام 2011، أن يكون لرئيس الجمهورية، ثلاثة نواب، وقد صرحت بذلك في خطبة الجمعة، ما أوقع المالكي في أزمة بين طموحات حليفه خضير الخُزاعي (الشخصية النرجسية المهووسة بالمناصب)، الذي هدّد بخروجه من ائتلاف دولة القانون، ما لم يتسلم منصب نائب الرئيس، وبين مطالبة المرجعية.
وفي غمرة البحث عن حل لهذا المأزق، فان حسن السنيد، – وكان مفوّضا باسم المالكي، اقترح عليه العمل على إسكات الخزاعي، وعدم الاكتراث لتوجيهات المرجعية.
الحلقات المقبلة الأخرى سوف تخوض في أدوار السنيد الخطرة في أواخر حقبة نوري المالكي وما بعدها.