العرب والأعياد الحزينة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
سالم حميد
أصبحت الأعياد والمناسبات الدينية تمر على العالمين العربي والإسلامي سريعة الخطى وخالية من البهجة القديمة المعتادة. فمنذ سنوات اختلطت المعايدات في الشارع العربي بالتعازي والحنين إلى الاستقرار والأمان، بعد أن تمكنت الفوضى في أقطار عديدة من تجفيف منابع الفرح، التي لم يعد لها وجود إلا في عيون الأطفال الصغار الأبرياء، لأنهم لا يعرفون هموم الكبار، ولم يدركوا بعد حجم الخسارات والمصاعب التي تعيش فيها أغلب شعوب المنطقة.
ويأتي عيد الأضحى هذا العام والأوضاع في عالمنا العربي على حالها من التشظي والحروب والانقسامات الداخلية. تضاف إليها أزمة قطر البنيوية مع ذاتها، قبل أن تكون مع الدول المعترضة على سياستها التخريبية، ذات الصلة العميقة بدعم الإرهاب وجماعات العنف في أكثر من مكان.
علينا ألا ننسى أن منبع الفوضى الراهنة التي لم تتوقف منذ سبع سنوات، يتمثل في ما يسمى «الربيع العربي»، الذي كان جحيماً حقيقياً، إذ دشن الحرائق والاضطراب السياسي في الشارع العربي منذ عام 2011. كانت جميع مؤشرات الأحداث والتداعيات الناجمة عن تلك الفوضى، تدل على أن هناك مؤامرات تحاك ضد الوطن العربي، بدليل المصائب والقلاقل الأمنية والحروب التي ضاعفت من أعداد الضحايا والنازحين واللاجئين، رغم الجهود التي تبذل من أطراف عديدة لمساعدة المدنيين الأبرياء.
تدحرجت كرة الجحيم العربي تحت شعار الربيع الذي تحول إلى شتاء طويل، ولم يتنبه الحالمون إلى التحذيرات التي أطلقها المفكرون والعقلاء حين أدركوا مبكراً خطورة امتطاء الفصائل المتطرفة لموجة الربيع المزعوم. واتضح أن بعض أجهزة المخابرات الغربية أرادت استغلال الأحداث لصياغة سايكس بيكو جديدة، تقوم على تفكيك الأنظمة العربية وتشجيع الفوضى وانتظار نتائجها لتصعيد تيارات إسلاموية إلى الحكم، مقابل أن تدفع ثمن الدعم الغربي على هيئة مواقف سياسية مرنة وضمانات بضم الخلايا الجهادية الأكثر تطرفاً تحت أجنحتها. وهذا ما باشر إخوان مصر القيام به فور سيطرتهم على السلطة، حيث قاموا بإفراغ السجون من العناصر الأشد تطرفاً، ودفعوا بهم إلى الواجهة السياسية لتشكيل أحزاب داعمة للإخوان. وكان دور قطر واضحاً في الأحداث، ولم يقتصر على الدعم الإعلامي فقط، بل تعداه إلى التأييد السياسي وإطلاق وعود بتقديم الدعم المالي فور استتباب الأمر للإسلام السياسي في مصر وغيرها.
كان رحيل الاستعمار الغربي من الوطن العربي قد مثّل انهياراً لاتفاقية سايكس بيكو القديمة، وانتهى زمن التقاسم الاستعماري للمنطقة بقيام الدول الوطنية، وتطور بنيانها الدستوري وكياناتها الاقتصادية. إلا أن ربيع الإخوان المتأسلمين كان يحلم بإعادة النفوذ الغربي من جديد.
وسقط ربيع الإخوان، لكن تداعيات وآثار فوضى 2011 ما تزال تفعل فعلها في الجسد العربي. وبعد مرور سبع سنوات من أزمة الربيع الإخواني الفاشل، لا أحد يعرف هل ستؤول الأمور إلى الأسوأ أم أنها مسألة وقت ويتعافى الوطن العربي وتنتهي التداعيات الاقتصادية والأمنية لتلك الأحداث.
وبالنسبة للأزمة القطرية التي تسببت سياسة الدوحة في تعميقها وذهبت بها بعيداً عبر تحالفات خارجية تتحدى الأمن القومي الخليجي، بات المتابعون يتحدثون عن أن العلاج الوحيد لتصحيح مسار النهج القطري يتمثل في تغيير النظام من الداخل، في خطوة تصحيحية لابد منها، سيكون لها انعكاس إيجابي يعيد التوازن بين سياسة قطر ومصالح شعبها في إطار المجتمع الخليجي.
وبجردة حساب لبعض النقاط الساخنة في المنطقة. هناك التطورات الداخلية في المشهد اليمني، في انتظار الأثر السياسي الناجم عن مؤشرات انقلاب علي عبدالله صالح على شركائه الحوثيين، وانعكاس ذلك على أي جولة تفاوض قادمة من شأنها إنهاء الانقلاب وخلق تفاهمات لبناء نظام ينهي الفوضى الراهنة، وبالتالي يحقق أهداف التحالف العربي لدعم الشرعية والاستقرار في اليمن. فيما يبقى المشهد السوري غائماً في ظل تراجع الدعوة لرحيل الأسد، الذي بدوره حصل على دعم معنوي عبر انتصارات جزئية في مناطق سيطرة المجموعات المسلحة المتضاربة عقائدياً وعسكرياً.
ولعل أهم ما حدث حتى الآن هو فشل مشروع قطر لأخونة السلطات في الأقطار التي اندلعت فيها أحداث 2011. ولم يبق للدوحة سوى العويل الإعلامي وبث برامج البكاء على الأطلال وشتم الآخرين.
وختاماً نتمنى أن يخرج الوطن العربي من هذه الورطة وأن يعم الاستقرار والسلام كل الأقطار، وكل عام والجميع بخير.