جريدة الجرائد

المواقع العسكرية الإيرانية في ميزان الاتفاق النووي

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

محمد السلمي  

المؤكد أن النظام الإيراني قد أعد العدة لسياسة التهرب من المراقبة ومخادعة فرق التفتيش وتساعده في ذلك مساحة البلاد الشاسعة وكثرة المواقع العسكرية المعلنة وغير المعلنة

لا تزال إيران تثبت كل يوم أن ما وضعه المجتمع الدولي في الاتِّفاق النووي من ثقة، لم يكُن في محله، فقد صرّح البرلماني الإيراني محمد إبراهيم رضائي، في رد على المطالب الأميركية بإرسال مفتشين دوليين لتفقد المنشآت النووية الإيرانية، بأن «إيران لن تسمح للمجتمع الدولي بتفتيش منشآتها النووية».
إيران الحالية تاريخها مرتبط بالعقوبات، وفي قضية التفتيش عُرفت إيران بالضبابية وبالمخادعة والغشّ واللعب على سياسة كسب الوقت. وقضية التفتيش في غاية الأهمية، لأنه قد تصل معلومة معيَّنة حول موقع معيَّن بأن فيه نشاطًا يثير الشكوك، كوجود مصنع للأسلحة النووية أو تطوير سلاح قد يدخل في قضية السلاح النووي.
ينص الاتفاق النووي على تفتيش جميع المواقع التي يُشَكّ في أن لها نشاطًا مرتبطًا بالبرنامج النووي الإيراني، ولم يذكر إذا كانت عسكرية أو غير عسكرية، وبالتالي يدخل في هذا الإطار جميع المواقع. وإذا كانت إيران اليوم تقول إن المواقع العسكرية غير داخلة في قضية الاتفاق النووي وإنه لا يمكن السماح بتفتيشها، فإننا نذكّرهم بما حدث في 2015 وفي بداية 2016 من تفتيش موقع بارتشين، وهو موقع عسكري بحت دارت الشكوك حول احتوائه على مواقع سرية لتطوير الأسلحة النووية، وزاره يوكيا أمانو، رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية، شخصيّا، وقيل كثيرا إن تلك المنطقة خضعت لعملية تنظيف شاملة بشكل سريع جدا، وظهرت صور أكدت حدوث تغيير لطبيعة الأرض داخل موقع بارتشين العسكري قُبيل الزيارة. هذا يقودنا إلى أن المخادعة الإيرانية سوف تستمر، وبالتالي فإن آلية التفتيش كانت فيها إشكالية كبرى تتعلق بكيفية الوصول إلى المواقع العسكرية.
خلال الأيام القليلة الماضية ظهر عدد من التصريحات الرسمية الإيرانية، سواء من وزير الخارجية أو رئيس منظمة الطاقة النووية الإيرانية علي أكبر صالحي، أو بعض أعضاء البرلمان ولجنة السياسة الخارجية، وجميعها تتحدث عن أن تفتيش المواقع العسكرية يُعتبر خطًّا أحمر لدى النظام والولي الفقيه شخصيا، بل إن صالحي هدد بقدرة إيران على إعادة مستوى تخصيب اليورانيوم إلى نسبة 20% خلال خمسة أيام فقط. 
إن مثل هذه التصريحات تقودنا إلى استنتاجين لا ثالث لهما، أولهما أن إيران تعمل بالفعل على تطوير البرنامج النووي العسكري في مواقع عسكرية بعد الاتفاق النووي، وكانت تراهن على عدم الرغبة في تفتيشها، وثانيهما أن بين مجموعة 5+1 وإيران اتفاقا غير مُعلَن يسمح للنظام الإيراني بالالتزام بالحد الأدنى من بنود الاتفاق النووي المعلن، وبعد رحيل إدارة أوباما ترغب الإدارة الجديدة في الالتزام الحرفي والتطبيق الشامل للاتفاق، ومن هنا ظهرت الإشكالية الجديدة ووضع النقاط على الحروف فيما يتعلق بالبنود التي أخّلت طهران بالالتزام بها، ومن أهمها تفتيش المواقع العسكرية التي يشكّ فريق التفتيش الدولي أو أحد أعضاء الاتفاق في وجود نشاط مريب داخلها، ويجب التأكد من ذلك.
بعبارة أخرى، نظريا كان ينبغي لدول 5+1 أن تتيقن وتضمن تماما عدم تنفيذ إيران مشروعها النووي العسكري، ولكن عمليا ندرك جيدا أن إدارة أوباما بعدما فشلت في منطقة الشرق الأوسط وفي مسيرة السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، كانت تراهن على الخروج بمنجز هام هو الاتفاق النووي. أما روسيا والصين فكانتا مع الجانب الإيراني في كثير من النقاط، ودول الاتحاد الأوروبي الثلاث، بريطانيا وفرنسا وألمانيا، بينها وبين إيران مصالح اقتصادية كبيرة ووعود إيرانية بفتح السوق الإيرانية على مصراعيها لشركات تلك الدول.
منذ توقيع الاتفاق النووي ونحن نحذر من صعوبة مراقبة نشاط النظام الإيراني داخل إيران، فمن المؤكد أن النظام قد أعد العدة لسياسة التهرب من المراقبة ومخادعة فرق التفتيش وتساعده في ذلك مساحة البلاد الشاسعة وكثرة المواقع العسكرية المعلنة وغير المعلنة، والاستفادة من ميزة التضاريس الجغرافية لإخفاء مواقعها العسكرية الحساسة. ببساطة شديدة، مَن يفهم منهجية تفكير النظام الإيرانية يدرك أنه سيعمل على مخادعة المجتمع الدولي، فمن جانب يستثمر الاتفاق النووي للوصول إلى الأموال المجمدة ويعيدها إلى الداخل، ومن جانب آخَر سيستمر في تطوير برنامجه النووي غير السلمي بعيدًا عن فرق التفتيش وبيروقراطية الحصول على موافقة النظام لزيارة موقع أو منشأة ما.
نقول إنه إذا طُبّق الاتفاق النووي بحذافيره، وشُدّدت المراقبة على إيران، فسوف يَثبُت تماما تورط إيران في تطوير أسلحة نووية، ومنذ أشهر قليلة عندما قالت منظمة الطاقة الدولية، وقالت واشنطن عبر خارجيتها، إن إيران ملتزمة بالاتفاق النووي، فقد كانت تعني أن «إيران ملتزمة بالاتفاق في المواقع التي سمحت لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بزيارتها فقط»، وهذا خلل كبير -إلى جانب خلل التعاطي مع برنامج طهران لتطوير الصواريخ الباليستية-يجب أن تتداركه الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومجموعة 5+1 قبل فوات الأوان.
 

 

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف