جريدة الجرائد

سوريا: هل تحتاج التسوية إلى حرب تشنها إسرائيل؟

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
  سياق اليوميات الذي تسير عليه سكة 'الحل السوري' يملي حقيقة أن العامل الإسرائيلي أساسي في أي عدة تستخدمها واشنطن وموسكو لإرساء تفاهمات تطال سوريا أو أي دولة في الشرق الأوسط. محمد قواص 

لا يمكن للعالم كما للعواصم الإقليمية المعنية بالشأن السوري إلا أن تراقب جيدا المناورات العسكرية الإسرائيلية التي تجريها إسرائيل على حدودها الشمالية. ولئن تتمحور دينامية الترتيبات الجارية حول الشأن السوري حول تنسيق وتعاون وثيقين بين الولايات المتحدة وروسيا، فإن الدولتين تأخذان جيدا بعين الاعتبار هواجس أمن إسرائيل، وتستنتجان في الأسابيع الأخيرة توتر إسرائيل وقلقها في هذا الصدد.

لم تسبب سوريا قلقا لإسرائيل منذ تفاهمات ما بعد حرب أكتوبر عام 1973. انتهت هذه الحرب وفق ترتيب أوقف إطلاق النار وفق خطوط لم يتجاوزها نظام دمشق، لا بل حرص بتفانٍ نادر على منع أيّ اختراق عفوي يقوم به مواطن عربي غاضب من الاحتلال، وأتاحت وصايته على لبنان تفريغ هذا الغضب الغريزي أو المنظّم من خلال الحدود اللبنانية الإسرائيلية وحدها.

وفّر هذا الانضباط السوري الدقيق لنظام دمشق نشوء لوبي داخل النخب الأمنية والعسكرية والسياسية في إسرائيل استثمر ما يملكه من نفوذ داخل الدوائر الأميركية من أجل حماية النظام السوري من أيّ خطط أميركية غربية سبق أن أزالت أنظمة العراق وليبيا وأفغانستان ويوغسلافيا خلال أسابيع قليلة. كانت دمشق تعي تماما ما يسببه أمن إسرائيل من أرق لعواصم القرار الكبرى، وحتى في حال سهت تلك العواصم عن ذلك، فقد تبرّع رامي مخلوف، رجل الأعمال السوري وابن خال بشار الأسد، بإبلاغ “نيويورك تايمز” في أبريل 2011، أن “لا استقرار في إسرائيل ما لم يكن هناك استقرار في سوريا”.

واكبت إسرائيل يوميات الأزمة السورية منذ اندلاعها، بإيقاعات غير قلقة. تأملت حركة المتقاتلين وشعاراتهم البعيدة عن تشكيل أي تهديد معنوي أو سياسي أو أمني للدولة العبرية. تنقلت المواقف الإسرائيلية المعلنة برشاقة خبيثة بين الدفاع عن نظام دمشق بصفته عنوانا مضمونا لأمن إسرائيل، وبين “إدانة الممارسات الوحشية” للنظام ضد المدنيين، مقلدة بذلك بلادة التصريحات التي تصدر في هذا الصدد عن هذه العاصمة الغربية أو تلك. وحين أجمعت العواصم الكبرى في حقبة ما، على ضرورة إزاحة النظام عملت إسرائيل على تجاهل الأمر وعدم منحه أي رعاية وتشجيع.

لم تهتم إسرائيل كثيرا للجدل المشتعل منذ سنوات حول شكل النظام المقبل في سوريا. وجدت تل أبيب في الخيارات العلمانية أو الإسلامية أو الفدرالية أو التقسيمية وقائع لا تقلقها ولا تسبب لها توجسا يطال استقرارها، ناهيك عن أن صخب الجبهات وكثرة الطباخين في الطبق السوري لم يمنع يوما وسائطها الأمنية والعسكرية من العمل براحة كاملة وبتغطية دولية شاملة لضرب أي أهداف تعتبرها إسرائيل تهديدا على أمن الدولة ومواطنيها. نفذت المخابرات الإسرائيلية عمليات اغتالت “أعداء” وقصفت طائراتها قوافل وأهداف اعتبرتها تمثل خطرا على أمن إسرائيل وسلامتها، ولا تحيد الغارة الأخيرة التي استهدفت موقعا بالقرب من مصياف في حماة عن هذه القاعدة.

اختلف الأميركيون والروس حول ملفات عديدة في العالم وتناقضت أجنداتهما ولو صوريا، في مقاربة الأزمة السورية. لكن الدولتين العظميين اتفقتا على صوْن أمن إسرائيل. باتت زيارات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى روسيا أكثر عددا وودّا من زياراته إلى الولايات المتحدة. ولم يذهب فلاديمير بوتين في حملته العسكرية في سوريا في سبتمبر 2015 قبل تفاهمات تمّ إبرامها مع “الشريك” الإسرائيلي. وإذا ما كان أمن إسرائيل هو القاعدة التي على أساسها تبرّعت روسيا لنزع الأسلحة الكيمياوية من نظام دمشق عام 2013، وإذا ما كانت كافة العمليات العسكرية الإسرائيلية داخل سوريا جرت بالتنسيق مع/ أو بالرعاية الكاملة لمنظومة الدفاع الجوي الروسي فوق سوريا، فإن لا شيء يوحي بأن قواعد اللعبة تبدّلت في موسم الحضور العسكري الأميركي المباشر فوق الأراضي السورية.

توحي الترتيبات التي تعدّها موسكو مدماكا فوق آخر، أن تلك الورشة تتم وفق جراحات دقيقة تسعى للاتساق مع مصالح كافة الدول الإقليمية، ولا سيما تلك المحاذية لسوريا، ودائما بالتفاهم الكامل مع الولايات المتحدة. وفق تلك القواعد تنمو “مناطق خفض التوتر” الواحدة تلو الأخرى، من داخل وخارج مقاربة أستانة. ترسم موسكو حدود مناطق النفوذ بحنكة متجنبة أي سلوك متعال تفرضه سطوتها العسكرية. تدرك روسيا أنها لم تعد تحتكر الميدان العسكري وأن واشنطن تشغل قواعد عسكرية داخل سوريا، وتبسط قواتها برشاقة ضمن تحالفات محلية سريالية تحت شعار محاربة داعش. وتعي روسيا وفق ذلك أن للأميركيين نفوذا يتصل بذلك لهم في العراق وبذلك المطرد في أفغانستان، وأن ثمار ما تريده لسوريا لا يمكن له تجاهل ذلك.

يصطدم النفوذ الإيراني في سوريا بأجندات كافة البلدان المعنية بمآلات هذا البلد. إدارة دونالد ترامب ما انفكت تعلن ذلك، الأردن يطالب بدفع الوجود الإيراني بعيدا عن حدوده، تركيا تسعى إلى إيجاد مساحة توافق على قاعدة العداء لقيام كيان كردي في أي مكان، وإسرائيل ترى في بقاء الحضور العسكري الإيراني المتصل بذلك الذي يمثله حزب الله في لبنان خطرا يستدعي مواجهة تخترق أي ترتيبات قيد الإعداد في سوريا.

لا يبدو أن واشنطن وموسكو قد توصلتا إلى اتفاق كامل في شأن الدور الإيراني المقبل في سوريا والمنطقة برمتها. لا شيء يدفع روسيا للاقتراب من الولايات المتحدة في هذا الشأن فيما تتراكم ملفات الخلاف بين البلدين وتشدد واشنطن عقوباتها ضد موسكو. يعلم بوتين أن مستقبل طموحاته الطويلة الأجل في سوريا ستحتك حتما مع أجندة إيران في سوريا. تعرف طهران ذلك أيضا. لكن البلدين يحتاجان إلى تحالفهما الحالي على نحو يجعل موسكو عصية على ما تروّجه إدارة ترامب من أن روسيا “مكلفة” بالتعامل مع “الحالة الإيرانية في سوريا”. هكذا قال الأميركيون للوفد الأمني الإسرائيلي الذي زار واشنطن منتصف الشهر الماضي، وعلى هذا الأساس حمل نتنياهو هذا الملف وتوجه به إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

توحي التقارير التي نشرتها الصحف الإسرائيلية حول فشل السعي الإسرائيلي في واشنطن وموسكو أن تدخلا عسكريا من خارج تفاهمات واشنطن وموسكو بات مطلوبا، أو على الأقل أضحى التلويح به عاملا جديدا سيطرأ على أي تفاهمات. ومصدر الحاجة قد لا يكون فقط إسرائيليا تمليه تقارير أجهزة الأمن الإسرائيلية ومؤسساتها العسكرية، بل إنه قد يكون حاجة أميركية روسية لإعادة ترتيب الأوراق وفق معطى عسكري معين يضم إسرائيل رسميا إلى طاولة التفاهمات حول مستقبل سوريا.

في ذلك مخاطرة قد لا تدعمها معطيات الراهن، بيد أن القلق الإسرائيلي بات متورما ولا يحتمل انتظار تبدل في مزاج العاملين على إخراج الترياق السوري. وفي ذلك أن المناورات التي تجريها إسرائيل هذه الأيام على الحدود الشمالية لإسرائيل قد يراد منها إسماع أولي الأمر قعقعة السلاح لعل في ذلك الضجيج ما يؤمن لسوريا ستاتيكو كان معمولا به قبل عام 2011. لكن سياق اليوميات الذي تسير عليه سكة “الحل السوري” يملي حقيقة أن العامل الإسرائيلي أساسي في أي عدّة تستخدمها واشنطن وموسكو لإرساء تفاهمات تطال سوريا أو أي دولة في الشرق الأوسط.

في ذلك أن نظرية رامي مخلوف في أن “لا استقرار في إسرائيل إذا لم يكن هناك استقرار في سوريا”، تنقلب لتكون قانونا يحكم عقلية الأمن الإسرائيلي: لا استقرار في سوريا إذا لم يؤمن ذلك أمنا واستقرارا لإسرائيل. موسكو قبل واشنطن تدرك ذلك.

 

صحافي وكاتب سياسي لبناني

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف