قطر: رهانات خاسرةٌ وقبس أملٍ
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
عبدالله بن بجاد العتيبي
اتصل أمير قطر تميم بن حمد بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مبدياً رغبته في الجلوس على طاولة الحوار، وقد رحب ولي العهد بذلك، وسيتم إعلان التفاصيل بعد تشاور السعودية مع الدول المقاطعة.
قبل هذا، وفي المؤتمر الصحافي لأمير الكويت الشيخ صباح الأحمد مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب كانت الأزمة القطرية حاضرةً بقوةٍ وتحدّث الشيخ صباح عن موافقة قطر على مطالب الدول الأربع المقاطعة لقطر، السعودية والإمارات ومصر والبحرين، ولم ينته المؤتمر الصحافي حتى خرج وزير الخارجية القطري نافياً، ما يمثل وجهة نظرٍ داخل صناعة القرار القطري، تختلف عن اتصال الشيخ تميم.
في سلسلة التخبط القطري منذ بدء الأزمة الكبرى التي تحيط بها كان يتضح شيئاً فشيئاً أن صانع القرار القطري ليس واحداً، وهو ما توضحه ردود الأفعال المتناقضة التي تصدر من الدوحة تجاه كل جديدٍ يطرأ على الأزمة. لقد كان تبني المتناقضات سياسةً قطريةً ثابتةً لما يقارب العشرين عاماً، ولكنّها اليوم ترتكبها لا بسبب التخطيط للتخريب بل بسبب الارتباك والوجل.
الإصرار القطري على عدم التعامل مع الأزمة سياسياً وتفضيل التعامل معها إعلامياً أفشل وساطة الشيخ صباح كما أفشل أي أفقٍ لمخرجٍ سياسي لقطر، فقناة الجزيرة خسرت مشاهديها بعدما أصبحت قناةً محليةً قطريةً صرفةً لا علاقة لها بالرأي والرأي الآخر ولا تمت للمهنية بأي صلةٍ.
في تصريحات الشيخ صباح في واشنطن اتضح حجم المرارة الكويتية من الأدوار السيئة إعلامياً وشعبياً، من الغدر والخيانة التي قامت بها قطر في الداخل الكويتي، والتسامح يكون مع التائب والمعترف بالخطأ ولا يكون مع المعاند والمكابر والمصرّ على ارتكاب نفس الجرائم كما يفعل صانع القرار القطري.
قطر ومناوراتها تجاه موسم حج هذا العام باءت جميعاً بالفشل الذريع، من تدويل الحج إلى تسييسه، إما للخوف من ردة الفعل السعودية القوية، وإما للعجز عن إقناع أي أحد بتسييس الحج باستثناء إيران التي كانت تصرّ قطر على الارتماء في أحضانها وكأنها المخلص لها من شعبها ومن أشقائها، بل إنها عجزت عن إقناع شعبها بأي من دعاياتها المضللة، فحجاج هذا العام من الشعب القطري تجاوزوا الألف وخمسمائة حاجٍ.
كيف تعاملت قطر مع حجاجها الذين أجابوا داعي الحج؟ بطريقتين: الأولى، الإنكار الكامل لوجود أي حجاجٍ من قطر في هذا الموسم، وهو ما أثبتته اللقاءات والحوارات المتلفزة بالصوت والصورة والأسماء التي أجرتها الكثير من وسائل الإعلام مع الحجاج القطريين، وهو ما ساهم في كشف تخبط صانع القرار القطري. والثانية، باعتقال بعض الحجاج العائدين إلى الدوحة، والتشكيك في وطنيتهم.
ركز الرئيس ترمب في اتصال مع أمير قطر الشيخ تميم بعد مؤتمره مع أمير الكويت «على أهمية تنفيذ جميع الدول التزامات قمة الرياض، للحفاظ على الوحدة وهزيمة الإرهاب في الوقت نفسه، ووقف التمويل للجماعات الإرهابية ومحاربة الفكر المتطرف». كما نقل موقع «العربية نت».
الدليل الأبرز في المشهد الإقليمي والدولي على إدانة قطر هو تضعضع جماعات الإرهاب في كثير من المواقع في العالم بمجرد وضع قطر تحت مجهر الرقابة الإقليمية والدولية، في العراق وفي سوريا كما في ليبيا وأفريقيا ومصر وغيرها، وهو ما لا يدع مجالاً للشك لدى أي جهةٍ دوليةٍ في ضلوع قطر لسنواتٍ طوالٍ في تمويل الإرهاب ودعم جماعاته وتنظيماته.
ما لم يفهمه صانع القرار القطري - على الرغم من وضوحه هو أن معركته مع دول المقاطعة الأربع، ومع الدول الكثيرة التي أيدت موقفها ليست معركةً إعلاميةً، ولا معركةً في مواقع التواصل الاجتماعي، إنها معركةٌ سياسيةٌ، وطريق حلها واضحٌ، الالتزام والضمانات بمطالب الدول المقاطعة لها والكف عن دعم الإرهاب وتمويله، ولكنها وضمن العناد الاستراتيجي الذي تتبناه لم تزل تصرف الملايين لشراء وسائل إعلام غربيةٍ ومؤسساتٍ حقوقيةٍ وشركات علاقاتٍ عامةٍ من أموال الشعب القطري في قضية خاسرةٍ.
رهانٌ آخر خاسرٌ للقيادة القطرية، وهو الرهان على جماعة الإخوان المسلمين وفروعها في دول الخليج والدول العربية وفي العالم، وهو رهانٌ آيديولوجيٌ، ذلك أن الجماعة مصنفةٌ في الدول الأربع المقاطعة جماعةً إرهابيةً، وقد بدأ العالم يكتشف مدى خطورة هذه الجماعة الأصولية وعلاقتها المباشرة بالإرهاب، في أميركا والدول الأوروبية وغيرها، وقد مضى عهد أوباما المتحالف معها والذي منحها ومنح كل أشرار العالم دولاً وجماعاتٍ فرصةً لترتيب صفوفهم وتعزيز مصالحهم، وما كوريا الشمالية وإيران إلا أمثلة مهمةٌ.
خسارة هذا الرهان الآيديولوجي القطري تتضح بشكلٍ جلي لدى فروع هذه الجماعة الأصولية المتطرفة في دول الخليج العربي جمعياتٍ وجماعاتٍ، تنظيماتٍ ورموزٍ، ومع طول التحالف والدعم فقد التزمت الغالبية العظمى منهم الصمت، أو الصمت الاستراتيجي، خوفاً على أنفسهم وجماعاتهم وتنظيماتهم، وخوفاً من افتضاح مشاركاتهم الطويلة في الخيانة والتآمر والغدر القطري.
تجرّع الخميني السم مرةً، وتجرعه خلفه خامنئي مراتٍ، والقادم أكثر، ولكن يبدو أن صانع القرار القطري كان يصرّ على أن يذوق من نفس الكأس، فالإصرار على الفشل عارٌ، والتمادي فيه انتحارٌ، واللجوء لبعض الدول الإقليمية طائفيةً كانت أم أصوليةً هو تعميقٌ للأزمة وليس بحثاً جاداً عن مخرج منها، وكل الأمل أن يكون هذا الاتصال يمثل استعداداً كاملاً للعودة للحضن الخليجي والعربي والدولي.
لم تطرح الدول الأربع المقاطعة بأي شكل من الأشكال الخيار العسكري لحل الأزمة القطرية، ولكن الدوحة سارعت لاستدعاء الكتائب والمدرعات والجنود والدبابات الأجنبية لحماية صناع القرار المتشاكسين، لا لحماية قطر دولةً وشعباً ومصالحهما، بل لحماية أخطاء الماضي وخطايا التاريخ القريب والخيار الغريب في الإصرار على الخطأ والخطيئة.
مفاخرة القيادة القطرية بحمايةٍ قصورها بجنودٍ أجانب لا مواطنين، لا يشبهها في الغرابة إلا اختيار القذافي الاحتماء بحارساتٍ أجنبياتٍ عوضاً عن أفراد شعبه، والأوهام المضللة خطيرةٌ، والأحلام الغبية مضرةٌ، ودرب الرجوع دائماً أسهل.
أخيراً، بانتظار التفاهم بين الدول الأربع تجاه رغبة أمير قطر التي أبداها لولي العهد السعودي، وما يمكن أن ينتج عنها، فإن الموقف واضحٌ، يجب أن تنتهي قطر نهائياً عن سياساتها التخريبية والإرهابية، وترمي كل أوهامها السابقة بعيداً، ويبقى الشك في الخائن حاضراً والأمل في عودته قائماً.