هل يستنسخ النموذج السوري في فنزويلا
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
مأمون كيوان
استبعدت واشنطن عملاً عسكرياً أميركياً ضد فنزويلا في المدى القصير. ونفت اتهامات بتدبير انقلاب، وأكدت أنها لن تسمح بانهيار فنزويلا، لكنها قد تكرر سيناريو تعاطيها مع الأزمة السورية في فنزويلا
شهد العقد الأخير من القرن العشرين عمليات انتقال سلمي في عدد من دول أميركا اللاتينية منها: تشيلي والبرازيل والمكسيك، من دكتاتورية خشنة أو ناعمة إلى الديمقراطية التي سمحت بالتعدد الحزبي وقدر من الحرية الصحفية، وتطلبت فترة زمنية طويلة امتدت نحو 25 عاما. وفي سياق استشراف حلول سياسية للأزمة السورية، عُقدت مقاربات ومقارنات لاستنساخ تجارب انتقال سلمي للسلطة جرت في عدد من البلدان وعلى نحو خاص في أميركا اللاتينية. وطُرحت أسئلة مثل: هل الطريق الكولومبي للسلام السوري مسدود أم سالك بصعوبة؟ هل يصلح الطريق المكسيكي للتغيير السوري؟
وراهناً، ثمة مؤشرات تفيد بأن الحدث الفنزويلي وسيرورته والأطراف الإقليمية والدولية المنخرط فيه قد يسير
على دروب شديدة الوعورة على غرار مسار الأزمة السورية، أي وجود نقاط تشابه واختلاف، إضافة إلى وجود صلة بين الأزمتين السورية والفنزويلية.
وقد تمثل «ربيع كراكاس» في حملة احتجاجات الشوارع ضد الرئيس نيكولاس مادورو التي نظمتها المعارضة في الأول من أبريل الماضي، وطالبت باستقالته، نظرا لغرق هذا البلد النفطي في الديون، حيث تصل ديون فنزويلا
إلى نحو مئة مليار دولار، وتعاني من نقص كبير في السيولة وارتفاع معدلات البطالة والافتقار إلى الفرص الاقتصادية.
وأوقعت موجة احتجاجات مئات القتلى وآلاف المعتقلين. وتميزت بأنها أكثر الاحتجاجات اتساعاً وتنوعاً على المستوى الاقتصادي-الاجتماعي مقارنة باحتجاجات عام 2014، وأنها تتألف في الغالبية من المنتمين إلى الطبقة المتوسطة. ومن الشباب الذين قادوا ثلاث موجات من الاحتجاجات ضد النظام الشافيزي. ويشكلون خطورة في نظر النظام لأنه ليس لديهم ما يخسرونه. وترك انهيار أسعار النفط، إلى جانب سنوات من سوء الإدارة الاقتصادية، الشباب بتوقعات عالية، ولكن بلا آفاق حقيقية.
وعزز منح الجمعية التأسيسية لنفسها سلطات كاملة على هيئات حكومية أخرى، الاتهامات بأن الرئيس مادورو يحول البلاد إلى دكتاتورية. بينما ينفي مادورو حصول انتهاك للنظام الدستوري. ولا تريد المعارضة اتفاقاً
أو مواءمةً مع مادورو، أو خفضاً لمستوى الاضطرابات والعنف، ولن تقبل بأقلّ من الهزيمة الكاملة للحركة التشافيزية وخروجها من النّظام السّياسي. أما مادورو فيملك دعماً شعبياً إضافة إلى دعم المؤسسة العسكرية، في وجه المعارضة، ولذلك لن يتراجع تحت ضغط الشارع أو الضغوط الدولية، وفي مقدمتها الأميركية منها. وهذا ما تجلى في قراره إجراء مناورات عسكرية ضخمة سُميت «السيادة البوليفارية 2017» أشرف عليها مستشارون من إيران وروسيا وكوبا. رداً على تهديد الرئيس الأميركي دونالد ترمب بتدخل عسكري ضد كراكاس وعقوبات اقتصادية تهدف إلى حرمان كراكاس من رؤوس أموال أجنبية تحتاج إليها.
وطلب الرئيس مادورو مساعدة الفاتيكان على حل الأزمة، وقال «فليساعدنا البابا على إجراء حوار محترم و(بلوغ) الحقيقة، فليساعدنا البابا على منع ترمب من إطلاق قواته. أطلب مساعدة البابا ضد التهديد العسكري من الولايات المتحدة». وقام بزيارة مفاجئة لكوبا، وذكره نظيره الكوبي بأنه «لن يكون وحيدا» في معركته السياسية.
وأكّد مادورو أنّ «فنزويلا تحظى بدعم روسيا الكامل والمطلق»، وأنه سيذهب إلى موسكو للقاء نطيره الروسي فلاديمير بوتين.
الجدير ذكره، أن القروض التي منحتها روسيا للدولة الفنزويلية، متمحورة حول ضمانة أساسية هي النفط، الذي يعتمد عليه الاقتصاد الفنزويلي بنسبة 90 في المئة. وتستحوذ الشركات الروسية ولا سيما شركتا «روسنفت» و«لوك أويل» على قطاع النفط والغاز في فنزويلا. وتشير الأرقام المتداولة إلى أن حجم الاستدانة الفنزويلية من روسيا شهد تراجعاً خلال السنوات اللاحقة، لمصلحة الصين التي سجلت ديونها مستوى قياسياً في عام 2011 (19 مليار دولار)، وهو العام نفسه الذي أمدّت فيه روسيا حليفها الفنزويلي بخط اعتماد جديد لتمويل شراء الأسلحة بنحو 2.8 مليار دولار. وتعتقد ماري أناستازيا أوغرادي في مقالتها في صحيفة «وول ستريت جورنال» أن فهم مخاطر ما يجري في فنزويلا ويقتضي النظر إلى دور نائب الرئيس الفنزويلي، طارق العيسمي، وهو مقرب من راول كاسترو وإيران وسورية. وكانت في مقال سابق في 2014، قد سلطت الضوء على علاقات العيسمي الشرق أوسطية المريبة. وحينها كان حاكم ولاية آلاغوا حيث كانت شركتان تابعتان للحرس الثوري الإيراني تتعاونان عن كثب في مشروع سري مع الصناعة العسكرية الفنزويلية.
ويتحدر والد العيسمي من السويداء في سورية. وفي 2003، قبل أن يتولى منصب الحاكم، كلفه هوغو شافيز بالتعاون مع الاستخبارات الكوبية، بالإمساك بمقاليد دائرة الهجرة الفنزويلية. وأعلن مدير سابق في دائرة الهجرة الفنزويلية، فلاديمير مدرانو رانجيفو، أن العيسمي حوَّل الدائرة هذه إلى «مصنع» جوازات سفر للشرق أوسطيين. وحين كان العيسمي نائب وزير الداخلية في 2007، ثم وزير داخلية بين 2008 و2012، أنشأ سلك الشرطة البوليفارية الوطنية، وتولى تدريبها على إرساء الأمن و«القانون». ويقول جوزيف هوميري، المدير التنفيذي في مركز «سيكيور فري سوسايتي»، إن أبحاث ميدانية تشير إلى أن العيسمي نشر متطرفين مستوردين من الشرق الأوسط في معسكرات تدريب تحاكي معسكرات «حزب الله» في أصقاع فنزويلا.
ويتولى عملاء «حزب الله» وعملاء إيرانيون تدريب الشرطة والجيش الفنزويليين، ويشرفون على تدريبات على السلاح والدفاع الداخلي وقطاع التقنيات الخاصة، ويسافرون من فنزويلا إلى الشرق الأوسط ذهاباً وإياباً. وبينما ترفض دول عدة في المنطقة الكاريبية بينها البرازيل وكولومبيا وبيرو وتشيلي والمكسيك والإكوادور، اللجوء إلى القوة في فنزويلا، ولا تؤيد مادورو. استبعدت واشنطن عملاً عسكرياً أميركياً ضد فنزويلا في المدى القصير. ونفت اتهامات بتدبير انقلاب، وأكدت أنها لن تسمح بانهيار فنزويلا، لكنها قد تكرر سيناريو تعاطيها مع الأزمة السورية في فنزويلا.