القطر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
سمير عطا الله
جربنا في العالم العربي جميع «الثورات». بعضنا اعتقد أنه بمجرد قراءة بضعة فصول من كارل ماركس، يمكن أن يتحول هو إلى لينين. والبعض اعتقد أنه بمجرد قراءة خطب لينين، يصبح هو سوسلوف الشيوعية العربية، وإخواننا الاعزاء في اليمن الجنوبي اعتقدوا ان القبلية سوف تزول بمجرد رفع علم احمر اللون عليه منجل ومطرقة. وهات يا كرملين.
ولا شك أن كثير من «الثوار» في كثير من المراحل، كانوا صادقين وحالمين. لكنهم لم يحفظوا من الثورة سوى العنف والدماء والاعدامات والاكراه. قتلوا رفاقهم، وسجنوا اصدقاءهم، وامموا املاك اهلهم، وزرعوا الاوهام في عقول ابنائهم.
الثورة الوحيدة التي لم يجربها، أو يقربها أحد، هي الثورة العلمية أو الصناعية أو الاقتصادية. تشتري سويسرا من مصر القطن الخام بأرخص الأسعار، فتصنِّعه وتبيعه بأغلاها. وشهد السودان جميع أنواع الثورات إلا الثورة الزراعية التي يمكن أن تجعل منه برازيل أخرى، على الأقل. وجربت الجماهيرية ثورة «الكتاب الأخضر» من دون أن تلتفت الى الحقل الأخضر والمرعى الأخضر والمصنع الأخضر. سقم وسأم وهكذا نتائج. الغريب أن أكبر شركة «مراعي» في العالم العربي قامت في السعودية، وأكبر عملية تشجير قامت في أبو ظبي، وأكبر شركة مواد غذائية في الكويت.
قرر بلد نفطي زراعي ذو نهرين عظيمين أن خيره لا يتحقق إلا باحتلال بلد صغير مثل الكويت. وقرر بلد فيه خيرات الأرض مثل سوريا أن دخوله العجز والبطالة والتردي الاقتصادي له سبب واحد هو انسلاخ «القطر» اللبناني. وهذا القطر السليخ هو سبب فشل الشعار الثلاثي (بالثلاث) وحدة - حرية - اشتراكية.
احد الاسباب الرئيسية التي جعلت اميركا، تمتنع عن تمويل السد العالي، هو ضغط «لوبي» مزارعي القطن على جون فوستر دالاس، خوفاً من منافسة القطن المصري. معظم الحروب كانت من اجل الموارد، لا من اجل الشعارات. في يوم واحد نسيت الصين «الكتاب الأحمر» لأنها تريد الآن منافسة «ابل» وركوب سيارات كاديلاك.
دولة في حجم العراق وسوريا كان يمكن في ظل «ثورة صناعية» ان تستوعب بكل بساطة جميع اهلها. لكن بعضهم رأى الحل في الذبح. وما زالت المذبحة مستمرة.