الثروة المائية العربية في خطر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
يوسف مكي
يرجع كثير من العلماء أهمية المشرق العربي، وأدواره في التاريخ لوجود نهر النيل، الذي يمر بمصر والسودان. ووجود نهر دجلة الذي ينبع من مرتفعات جنوب شرق تركيا، ويجري في العراق، وصولاً إلى القرنة جنوب البصرة، ونهر الفرات الذي ينبع من هضبة الأناضول في تركيا الذي يجري في بلدين عربيين هما سوريا والعراق، حيث يلتقي مع نهر دجلة في القرنة ليشكلا معاً شط العرب الذي يصب في الخليج العربي. كما توجد أنهار أخرى أقل شأنا كنهري الليطاني والأردن. ويبلغ عدد الأنهر الصغرى الدائمة الجريان في الوطن العربي أربعين نهراً، فضلاً عن آلاف الأودية الموسمية التي تجري فيها المياه فترات محدودة في السنة.
وفي الوطن العربي، نتج عن وعي أهمية الثروة المائية في تحقيق التنمية الاقتصادية، ولطبيعة الصراع الدائر من أجل السيطرة عليها، مصطلح الأمن المائي العربي. ومن المؤكد أن مصدر ذلك، هو ما يحمله واقع هذه الثروة في الحاضر والمستقبل من تأثيرات سلبية مباشرة على الوجود العربي. ذلك أن نقص المياه العذبة يعد من معوقات التنمية المستدامة في بلداننا العربية، وأن الاستخدام الأمثل لهذه الثروة هو أحد المفاتيح الرئيسية لتحسين الإنتاج الزراعي، وتحقيق الأمن الغذائي العربي.
ويتفق معظم الاختصاصيين في قضايا المياه على أن المشكلة لا تكمن في شح المياه العذبة عربياً فقط، بل في سوء استثمارها، وتلوث المياه السطحية والجوفية جراء تصريف مياه المدن والصرف الزراعي، والنفايات الصناعية. ولهذا يقترح أن تكون مشكلة تأمين المياه في مقدمة الأولويات التي ينبغي أن يهتم بها صناع القرار العرب، عند صياغتهم لخطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية، لكون الثروة المائية أساس الحياة، وتعتمد عليها فعاليات الحياة المعاصرة، من تمدن وتصنيع وزراعة.
إن معضلة المياه في الوطن العربي تكمن في أن الجزء الأكبر من البلدان العربية، يقع في العروض المدارية الحارة والجافة، ما يعرض الماء للتبخر والاضمحلال. وهناك أيضاً قلة المخزون المائي ومحدوديته، وعدم انتظام توزعه في المكان والزمان. وأن الوطن العربي يتلقى نحو 62% من ثروته المائية من خارج حدوده، وأن أكثر من 16 قطراً عربياً يقع دون حد خط الفقر المائي العام.
وتتأتى الثروة المائية العربية من المصادر السطحية والجوفية، ومن كميات الأمطار الموسمية، إضافة إلى الينابيع المتفجرة على الرصيف القاري، من مصادر تقليدية وحديثة. وتشغل المناطق الجافة نسبة كبيرة تتجاوز ال 30% من مساحة اليابسة في الوطن العربي. وتحمل الدراسات العلمية المعنية بهذا الشأن دلالات سلبية تثير الاكتئاب، مشيرة إلى أن نحو 70% من هذه المساحة هي بحكم الجافة، أو شبه الجافة، المتصحرة، بما ينعكس سلباً على نصيب الفرد من الماء حيث لا يتجاوز نصيبه الكلي ال 925 متراً مكعباً، في حين يصل المعدل العالمي إلى أكثر من 12 ألف متر مكعب.
وإذا ما استمر هذا الوضع على حاله، وتفاقمت عملية النهب الخارجي، والاستخدام المسرف غير المدروس لهذه الثروة، وإذا ما أخذت أيضاً في الاعتبار الزيادة السريعة في عدد السكان، فإن من المتوقع أن ينخفض نصيب الفرد بنسبة 30% في غضون السنوات العشر المقبلة، وبنسبة 50% مع حلول عام 2025م. وتقدر المياه الجارية السطحية ب195 مليار متر مكعب، منها ما بين 60 إلى 67 في المئة قادمة من خارج الوطن العربي، وأهمها أنهار النيل ودجلة والفرات، ما يعني عدم قدرة الأمة العربية على ضمان تدفق المياه إلى الأراضي العربية في ظل الضعف والتداعي العربي.
وتواجه قضية الأمن المائي، في الوطن العربي مشاكل عدة، منها الهدر الكبير للمياه، خاصة في القطاع الزراعي، والخراب الحاصل للمياه الجوفية وزيادة الأملاح فيها، والتبخر الكبير الذي تتعرض له الأنهار الكبرى، وقلة الموارد المائية، وصعوبة تأمين الاحتياجات اللازمة في الوقت والمكان المناسبين. وأخيراً، تواجه مشاريع الاستثمار خطر استمرار الدول المجاورة للوطن العربي، التي تنطلق منها تلك الأنهار، في الاستيلاء على مياهها. إن من شأن ذلك أن يؤدي إلى حدوث خلل مرعب في جريان مياه تلك الأنهار. ومن جهة أخرى، فهناك التحدي الصهيوني المستمر، المتمثل في الاستيلاء على مياه نهر الأردن والضفة الغربية وجنوب لبنان، والجولان.
ولا شك في أن هذه المشاكل من المعوقات الحقيقية لتحقيق النهوض الاجتماعي والاقتصادي للوطن العربي، ولذلك فإن أية محاولة جادة للخروج من مأزق التخلف الراهن لا بد أن تأخذ في الاعتبار أن يكون في مقدمة مهامها التصدي لها، ووضع الحلول للتغلب عليها، إذا ما أريد لهذه الأمة أن تأخذ مكانها بجدارة بين الأمم.
وإضافة إلى هذه المشاكل، هناك المحاولات «الإسرائيلية» المستمرة، للسيطرة على الثروة المائية العربية، إذ يستغل الكيان الصهيوني ظروف احتلاله للضفة الغربية وقطاع غزة فيقوم بتحويل نحو 70% من الثروة المائية في الأراضي المحتلة لاستخداماته واستخدام المستوطنات «الإسرائيلية» في الأراضي المحتلة.
ولعل الخطوة الأولى باتجاه إصلاح واقع الحال، هي صياغة استراتيجية عربية موحدة من أجل حماية هذه الثروة، تنطلق من وعي واقع الثروة المائية العربية، من حيث مخزونها وتنوع مصادرها وطرق استثمارها، بحيث يتم ضمان استمرار تدفقها بالقدر الذي تلبي فيه حاجة الاستهلاك البشري والإنتاج الزراعي، ومواجهة متطلبات التنمية الصناعية من جهة، والتوازن البيئي من جهة أخرى.
لا مناص من وضع خطة عربية جماعية لمواجهة التحديات الخارجية، معتمدة على المواثيق والمعاهدات التي صاغها القادة العرب خلال العقود الخمسة المنصرمة، ومحاولة التوصل لتفاهمات مع الدول المجاورة لتأمين الحقوق العربية في الثروة المائية، وممارسة مختلف الضغوط على الكيان الصهيوني كي يتخلى عن سياساته العدوانية الهادفة للاستيلاء على المياه العربية.