كيف رفض السعوديون وأد فرحتهم بوطنهم؟!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
سلمان الدوسري
في عام 2005 أقر الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز أنه ابتداء من اليوم الوطني الـ75 تصبح هذه المناسبة إجازة رسمية للدولة سنوياً. شهد القرار محاولات ومساعي وامتعاضا من فئات ما فتئت تحبط كل فعل يستهدف الفخر بالوطن. كانت الفرحة، ويا للأسف، خجولة، فلم يعتَد المواطنون على التعبير عن سعادتهم بتأسيس وطن جمعهم بعد شتات، ووحدهم بعد فرقة، ثم فجأة بلا سابق موعد رأينا السعوديين ينطلقون في إخراج مشاعرهم التي كانت عقوداً مكبوتة وممنوعة، وانتشر الفرح في أرجاء بلادهم كباراً وصغاراً، رجالاً ونساءً، بل حتى مجموعة كبرى ممن كانت تعترض وتنتقد وترفض الفكرة بأكملها أصبحت جزءاً من منظومة وطنية تخلد ذكرى عزيزة على الجميع، حتى غدا الفرح الأخضر عنواناً لكل منزل سعودي.
وبعيداً عن فتاوى دينية حرمت هذا الاحتفال، فإن رموز جماعة «الإخوان المسلمين» وخلاياها، كان لها الدور الأكبر في الترويج لفتوى، يمكن أن يأخذ بها من يشاء ويتركها من شاء، وكان الهدف الفعلي هو نشر ثقافة الإحباط بين السعوديين لغرض في نفس يعقوب، فهم يعون بالطبع أن وطنية السعوديين غير قابلة للمس بها، لكن تأكيد فكرة إبعاد أي مظاهر لتجديد الولاء للوطن عاماً تلو آخر، يسهم في تعزيز مفاهيم سلبية عدة يتم تسويقها من باب نقد مؤسسات الدولة القوية، طمعاً في الوصول إلى الهدف النهائي، وهو العمل الدؤوب والمستمر على هدم الثقة بالدولة شيئا فشيئاً، كما أن هؤلاء أنفسهم الذين يقودون هذا المشروع المحبط لا يحرمون التعبير عن الفرح بحب الوطن في دول قريبة، وأحياناً يشاركون فيه، وكأن السعودي وحده كتب عليه أن يكتم مشاعره الوطنية، يا سبحان الله، فلما انطلقت استراتيجية تحجيم «الإخوان» شاهدنا انفجاراً للمشاعر الوطنية؛ رأينا الأحاسيس الطبيعية والصادقة لكل من يعشق وطنه، وامتدت شلالات الفرحة السعودية لتملأ المنطقة بأكملها وليس المملكة فحسب، وجدنا الإماراتي والبحريني والكويتي والمصري وغيرهم أيضاً يفرحون، في انعكاس لحجم وتأثير المملكة العربية السعودية حتى في مناسباتها الوطنية. هذه الفرحة الخالصة وغير المسبوقة باتت «ماركة مسجلة» للسعوديين، وكأنهم يرغبون في تعويض ما فاتهم بسبب أولئك الذين عاثوا طويلاً يتفننون في سرقة أجمل أفراحهم.
انطلاق السعوديين وعفويتهم الصادقة في التعبير عن وطنيتهم هذا العام تحديداً بدت مذهلة ولافتة، بل وضربة قاصمة لكل من صدق حكاية قدرته على التلاعب بالمشاعر الوطنية طمعاً في تحقيق غايات مريبة لضرب مشروع الدولة، فلقد انفجر السعوديون كما لم يفعلوها من قبل؛ نشروا الفرح في الشوارع وفي المنازل وفي البر والبحر وفي كل شبر من ترابهم، وبعثوا برسالة شديدة اللهجة لكل أولئك الذين حرموهم حقهم الفطري في عشق وطنهم، قالوا لهم بصوت عال فعلاً تغيرت قواعد اللعبة ولم يعد ممكناً بعد اليوم الاستغلال المريع للدين في حرماننا من وطنيتنا لتحقيق آيديولوجيا هادمة للأوطان موالية للجماعات.
يكفي السعوديين أنهم يفرحون بوطنهم ويفخرون بمملكتهم دون النظر إلى مشاكلهم المعيشية كما كانت الماكينة «الإخوانية» تعمل وتنشر على الترويج لهذه المعادلة السخيفة. نعم لدى المواطن السعودي مشاكله المعيشية، نعم لديه همومه الحياتية، لكن كل هذا لا يمكن أن يتقاطع مع وطنيته الصادقة التي تم وأدها طويلاً. يرتفع النفط أو ينخفض، تزيد الهموم اليومية أو تزول، فرق كبير بين أن يطالب المواطن دولته، كحق من حقوقه الطبيعية والمناط به بحكومته، بتحسين أوضاعه المعيشية، وبين أن يتم استغلال ذلك بصورة بشعة لتقليل ولائه وانتمائه.
ما أعظم السعوديين! في عامين فقط هدموا مشروعاً منظماً استمر أعواماً طويلة لوضع حاجز بينهم وبين وطنهم.