مركز الصراعات والحروب الدولية الحالي..!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
صدقة يحيى فاضل
يقف كثير من المراقبين السياسيين، ناهيك عن نسبة كبيرة من أهالي «شرق العجائب الأوسط»، مشدوهين حيارى.. أمام كثير مما يجرى في منطقتهم، التي أضحت معظم أرجائها تغلى، التهابا واضطرابا. الغالبية أصبحت فجأة مصدومة ومندهشة مما تعانى منه كثير من بلاد هذه المنطقة البائسة من صراعات، وحروب.. إضافة إلى احتمالات صراعات قادمة وقلاقل لا تنتهى، تكاد أن تندلع في بعض أنحائها بين عشية وضحاها. والواقع، أن التأمل الموضوعي الثاقب في واقع هذه المنطقة وأحداثها، يوضح حقيقتها.. وسرعان ما يفك طلاسمها. فالداء أمسى واضحا، وأسهل منالا على الأفهام.
وقد قلنا مرارا إن ما يجرى بالمنطقة العربية من أحداث ووقائع سياسية مدمرة وجسام، سبب معظمها هذا التصارع العالمي في وعلى المنطقة، والذى كان من نتائجه أن أصبحت منطقتنا العربية أكثر مناطق العالم اضطرابا وعدم استقرار وتخبطا. هذه المنطقة مبتلاة بعدم الاستقرار المزمن، بسبب «عوامل» تكاد أن تكون معروفة لكل المعنيين. فما المنطقة فيه من ضعف وتخلف واضطراب وتشرذم، يرد -عادة، وكما أشرنا مرارا وتكرارا- إلى العاملين الرئيسين: العامل الذاتي (الداخلي) وأبرز عناصره ومكوناته السلبية هي: سوء تفسير الدين الإسلامي الحنيف من قبل البعض (الإسلاموية)، المذهبية المتطرفة، الطائفية الإقصائية، الاستبداد السياسي...إلخ. أما العامل الخارجي، فيتركز في: عداء التحالف الصهيوني -الإمبريالي لهذه الأمة، وسعيه لتقويض العروبة والإسلام. إضافة إلى تصارع القوى العالمية العظمى والكبرى السياسي على إمكانات هذه المنطقة الهامة ومقدراتها المختلفة. سقط معظم المنطقة مريضا سياسيا متهالكا. ذاك هو «داؤه»، ومعكوسه هو الدواء.
وهناك، ولا شك، «تداخل» وترابط وثيقان بين العاملين الداخلي والخارجي. ولولا الوضع الداخلي والذاتي العربي الرديء، لما تمكن العامل الخارجي من تحقيق أغلب مآربه السلبية في الأرض العربية. فالعامل الخارجي نجح تماما في «تسخير» الوضع الداخلي (بأغلب معطياته) لخدمة سياساته وأغراضه، وتحقيق أهدافه -الواحد تلو الآخر- بسهولة قياسية. بل إن كثيرا من الأهداف الخارجية الضارة -كما نشاهد الآن - تحققت «بيد المعنيين، لا بيد عمرو»..؟! ولا نبالغ إن قلنا أن أغلب السياسات الخارجية المعادية تتحقق على يد وكلاء ومقاولين بالمنطقة.
***
يأتي هذا التصارع العالمي على المنطقة ليزيد طينها بلة، وهي الواقعة في بؤرة الصراع السياسي الدولي، وتمثل كثير من بلدانها بؤر نزاعات ساخنة. لنسلم، تبسيطا: أن بالمنطقة العربية الآن تكتلين عالميين كبيرين متنافسين ومتنافرين.. الأول هو التكتل الغربي بزعامة الولايات المتحدة، أما التكتل الثاني المضاد والمنافس للتكتل الغربي، فهو يتكون من القوى المناوئة حاليا للغرب، وفي مقدمتها روسيا والصين، ومن يسير في فلكيهما. ولكل من هذين التكتلين حلفاء من المنطقة نفسها. وكل من هذين التكتلين يعمل لما يحقق ما يعتقد أنه مصالحه. إذ غالبا ما يكون حراك هذين التكتلين بالمنطقة في اتجاه سلبى ومضاد بالنسبة للمصالح العليا العربية والإسلامية الحقيقية. وأغلب من يدعون أنهم يعملون على استتباب الأمن والاستقرار بالمنطقة، إنما يعملون ذلك بما يتوافق ومصالحهم ومراميهم وأهدافهم الثابتة، متغيرة التفاصيل. وغنى عن القول إقرار أن أغلب ما يجرى بالمنطقة إنما يعكس حراك هذين التكتلين، وسياساتهما نحو المنطقة، لا سياسات نابعة من رغبة وتطلعات وحاجات الشعوب المعنية هنا.
ولا يعمل أي تكتل على إقامة استقرار قائم على أسس صحيحة وصلبة، عمادها الحرية والعدالة والمساواة والشورى والتكافل الاجتماعي.. كي تعيش الأمة كريمة مستقلة، في أرضها، وتتمتع بحقوقها المشروعة، وبإمكاناتها الطبيعية والبشرية، بما يحقق لها الأمن والاستقرار والتقدم والازدهار، ويجعل لها مكانة مقبولة بين أمم الأرض المعاصرة. فهذا غير وارد من قبل الأغيار، أطراف هذين التكتلين. الوارد هو «تكريس» تخبطها وتخلفها. وليس في نوايا معظم هؤلاء الأطراف -كما يبدو- خير لهذه الأمة، بل إن بعضهم يعمل على استغلال إمكاناتها لصالحه، عبر إضعافها، وإذلالها. وأفضل وسائل إضعافها (في حساباتهم) هي: تخبطها الفكري والعقائدي، وتقسيمها وشرذمتها، وخلق كيانات ودويلات متنافسة ومهترئة ومتهالكة، وعلى أسس طائفية ومذهبية ومصلحية خاصة.
***
إن مسؤولية الإصلاح (الشفاء) وتصحيح هذا الوضع القاتم تقع على الشعوب والنخب العربية المفكرة المستنيرة، إضافة إلى القيادات العربية المخلصة. وسيخيب من يراهن على التكتلين اللذين لا يهمهما إلا مصالحهما الأنانية والانتهازية. ومعظمهم يتبع أسلوب «أنا أكسب، وليخسر غيري»، وليس أسلوب «لأستفيد، وأفيد». صحيح، أن زعماء هذين التكتلين أقوياء يصعب، أن لم يستحيل، مقارعتهم، والتصدي لمخططاتهم. ولكن، وبشيء من التنظيم السياسي السليم، وقليل من الحكمة السياسية، يمكن إرغام هذه القوى، أو جعلها مضطرة لاتباع أسلوب يحقق المصالح المشتركة، ولا يخدم مصالح طرف على حساب طرف آخر. وهذا لن يحدث إلا عندما تقف الشعوب المعنية دون حقوقها المسلوبة، وأولها الحق في إدارة شؤونها بنفسها، لا عبر وسطاء وسماسرة يحترفون ظلم الملايين بالعمالة والكذب والنصب والاحتيال. اللهم احم بلادنا من شرور ما حولها.