جريدة الجرائد

خطاب إماراتي سياسي تاريخي

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

محمد خلفان الصوافي

يمثل خطاب دولة الإمارات العربية المتحدة في الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي ألقاه سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية هذا الأسبوع، «وثيقة عالمية» في مكافحة الإرهاب والتطرف الذي تعاني منه الإنسانية. ومن يدقق في الرسائل والمعاني التي حملها الخطاب يكتشف مدى وعي الإمارات بخطورة دعم الإرهاب والتطرف في العالم، خاصة من جانب الدولتين اللتين ما زالتا تمارسان هواية نشر الفوضى في إقليم مليء بالمتناقضات الدينية والسياسية والعرقية والمذهبية، وهما نظام الحكم في قطر ونظام الملالي في إيران، حيث باتت الدولتان تسيران عكس التيار العالمي في مواجهة الإرهاب.

وفيما يوضح الخطاب إحساس دولة الإمارات بمسؤوليتها الأخلاقية تجاه محاربة الإرهاب، بينما نجد أن بعض الساسة (خاصة في الإقليم العربي) لا يسمون الأشياء بأسمائها، فإن الشيء الرائع في خطاب الإمارات هذا أنه جسّد وثيقة في أكبر منصة عالمية قامت أساساً من أجل منع حدوث كوارث إنسانية، وذلك قبل أكثر من سبعة عقود، حيث تسببت أطماع أنظمة معينة في نشوب الحرب العالمية الثانية، وكأن التأريخ يعيد نفسه مع الدوحة وطهران وكوريا الشمالية، العواصم الثلاث التي باتت جزءاً من مشروع تدمير المجتمعات والدول المتطلعة إلى التنمية والاستقرار.

وبإيقاف تمويل التنظيمات الإرهابية المنتشرة في العالم ووضع حد لدعم الأفكار المتطرفة إعلامياً، من خلال عدم ترك المجال لها من أجل مخاطبة الرأي العام العالمي، أو سياسياً من خلال إيواء الإرهابيين باعتبارهم أدوات يمكن الاستفادة منهم أو توظيفهم للتدخل في الشؤون الداخلية للدول مثلما تفعل قطر في كل من ليبيا ومصر وسوريا، أو كما يفعل نظام إيران لتصدير ثورته، الفاشلة إنسانياً، تحت دعوى «حماية المستضعفين»، فإن الأخذ بتلك الأسباب التي تطرق إليها الخطاب، يساهم في علاج أهم مصادر الصراع والتوتر الذي تعاني منه المجتمعات في العالم، فالخطاب بلا شك يحتاج إلى وقفة من الدول التي يهمها استقرار العالم، خاصة أنه أثار انتباه المراقبين الذين يستشعرون خطر ما تفعله كل من قطر وإيران.

واضح جداً أن الخطاب انطلق من تحليل سياسي عميق لواقع ما يحدث على الأرض ومن معلومات حقيقية، لهذا فإنه كان خطاباً رصيناً يرتقي إلى مستوى القلق العالمي، لذا فهو يعد واحداً من أفضل الخطابات التي أُلقيت في الجمعية العامة للأمم المتحدة حول كيفية مواجهة الإرهاب، خاصة أنه صادر عن دولة تتحدث عن تجربة عملية ناجحة في مواجهة التطرف، وبالتالي فإن التفاصيل التي حملها يمكن أن تكون خطة عمل عالمية ناجحة من أجل تجفيف منابع التطرف والإرهاب، خاصة أنه حظي بأكبر عدد من القراءات والمتابعات، الشاهد فيها التعليقات، من أهل السياسة والإعلام، بل إن تداوله بشكل كبير والتعليق عليه من الذين مسهم الخطاب إيجاباً أو سلباً يؤكد تلك الأهمية.

خطاب دولة الإمارات كان مدروساً وهو يعكس إرثها السياسي وصدق نواياها خصوصاً أنه مبني على جملة من المعلومات والبراهين لسلوكيات الدولتين، وعلى من يشكك فيما حمله ذلك الخطاب أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، أن يراجع ما يحدث في المشهد السياسي الإقليمي من فوضى أمنية وسياسية سواءً بسبب دعم نظام الحكم في قطر لتيارات الإسلام السياسي وعلى رأسها «الإخوان المسلمين» أو محاولات نظام الملالي الاستمرار في احتلال الجزر الإماراتية الثلاث (طنب الكبرى، وطنب الصغرى، وأبوموسى)، وكذلك استمرار تدخلاته في الشؤون الداخلية للدول العربية، مثل سوريا واليمن والعراق، فمن خلال تلك المراجعة سيتأكد أن ما حمله الخطاب السياسي الإماراتي التاريخي إنما يمثل مساعي حقيقية لحل الإشكالات التي تعاني منها البشرية، والتي من دون حلها لا يستطيع المجتمع الدولي أن يطمئن إلى استقرار العالم.

ومع أن الخطاب يحمل رؤية دولة الإمارات في مواجهة الأزمات، إلا أنه يلفت النظر إلى أن التطرف الحالي يجد دعماً ظاهراً من دول إقليمية وعالمية، كما أنه يلفت النظر إلى أن سكوت العالم على هذه الدول سيؤدي إلى زعزعة استقرار المجتمعات، وهو ما يعني أن الأمر يحتاج إلى وقفة سياسية صادقة وجريئة لأن المسألة مسؤولية أخلاقية لا يمكن تجاهلها.

وإن تعددت بنود الخطاب ومحاوره، فإنها كلها تدور حول مخاطر تهديد استقرار الأمن الدولي على اعتبار أن أساس كل الأزمات في العالم حالياً هو الإرهاب.

المهم أن كلمة دولة الإمارات تهدف إلى معالجة المشكلة بحق وليس تقديم بيان من باب سد الخانات التي يراد بها إبراء الذمة أو مجرد المشاركة في إلقاء كلمة، فهي تشعر بالمسؤولية الدولية حالها كحال باقي دول العالم المتحضر، لذا كان الخطاب جاداً، لأن الخطر حقيقي، ولأن مسألة استمرار الدوحة وطهران في دعم الميليشيات قد يؤدي إلى ازدياد إحباط العالم، وبالتالي ستعمل كل دولة من أجل الدفاع عن نفسها بالطريقة التي تراها مناسبة، ما قد يؤدي إلى انفجار العالم، وهذا ما يسعى إليه «دعاة الفوضى الخلاقة»!

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف