جريدة الجرائد

كوكب العراق

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

كوكب العراق

 فاتح عبد السلام

 نظر في وجهي وقال : هل تعرف انني من النوادر الباقين من جيل الحروب  الأولى.

 كان الرجل العراقي يتحدث عن الحرب وكأنه شهد الحرب العالمية الاولى ، بل خُيّل لي أنه شهدها فعلاً ، حين قطّب جبينه ، وهو يقول: هناك كان الناس يموتون بالجملة .

حاولت تقدير عمره ، وفشلت ، قلت في نفسي انه من مواليد القرن التاسع عشر وشهد حرب نهاية الدولة العثمانية عام ١٩١٨ ، ثم صححت لنفسي قائلاً ، لابد انها حرب هتلر عام ١٩٤٥ ، وترددت ثم اقنعت نفسي بأنه شهد الحربين العالميتين معاً ،لشدة كلامه المأساوي عن فضائع الحروب وما خلفته وراءها من أجيال تالفة .

أخرجت صوتي هذه المرة ، وقلت: عن أي الحروب تتكلم ؟

قال: اسمع قاتلت في الجبال عام ١٩٧٠ وحتى عام ١٩٧٥ ، واعتقدت انها كانت نهاية الحروب ، لأنني كنت صغيراً من دون تجربة ، ثم قاتلت في حرب عام ١٩٨٠ على حدود ايران ثماني سنوات ، وقلت أيضاً ، لا حرب بعد هذه الحرب . لكنني وجدت نفسي مقاتلاً عام ١٩٩٠ في حرب الخليج الاولى حتى عام ١٩٩١ ، وبعدها مسحت الحرب من قاموس تفكيري بالقوة، لكنني فشلت حين وجدت نفسي في حرب بوجه الامريكان عام ٢٠٠٣، وبعد عشر سنوات قاتلت داعش في الفلوجة ثم الموصل في حرب جديدة .

توقف ، وامتص سيكارته ، كأنها آخر نفس في الحياة ، قائلاً : أنا عراقي ، يعني أنا في حرب دائمة ، شئت أم أبيت ، نحن  لسنا كشعوب الارض .  لعلنا في كوكب ثان أو انّ هذا الكوكب لم يعد يتسع لنا ، ما من حرب إلا وقد حطّت رحالها عندنا .

ضحك كأنه يتمرغ في وحل الذكريات : حروب ثم حروب  ثم حروب . نحن من كوكب العراق .

سكت ، أطرق لحظات ورفع رأسه ، قائلاً : لمَ تسألني كلّ هذه الاسئلة ، قل لي بربك ، من أي كوكب أنت ؟

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف