مرحلة جديدة من حل الأزمات عربيًا
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
أحمد المرشد
مثّلت اجتماعات أحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية على هامش مشاركته في أعمال الدورة 72 للجمعية العامة للأمم المتحدة الأخيرة بنيويورك، نقطة فارقة في العمل العربي على المستوى الدولي، فصبت نتيجة كل هذه اللقاءات المتعددة في مصلحة حل الأزمات العربية المزمنة منها وحديثة العهد، ويؤسفنا أن نقول إن أزماتنا الأخيرة مثل سوريا واليمن وليبيا أضيفت لقضيتنا العربية التي وصفناها دومًا بالقضية الرئيسية وهي القضية الفلسطينية، فتحمل الأمين العام والجامعة جهدًا خارقًا تنوء بحمله الجبال في وقت لا يرى فيه المواطن العربي البسيط أي بارقة أمل للخروج بهذه الأزمات الى بر الأمان.
وإذا جاز لنا تكرار أسفنا، فنقول هذه المرة إن أزماتنا العربية الأخيرة ما هي سوى نتيجة أخطاء داخلية، أي مبعثها من داخل كل قطر، وتراكمت المشكلة وتفرعت عنها مشكلات أخرى زادت من صعوبة الحل، ليتفرع عن كل مشكلة أشخاص جدد يشاركون في أي طاولة مفاوضات أو حوار تتبناه عاصمة عربية أو أوروبية. فكلما زاد عدد المتفاوضين والوسطاء، ضاع الأمل في الردهات، وصعب التوصل الى حلول دائمة للقضايا محل الخلاف، فكل فصيل لا يهمه في مثل هذه المفاوضات سوى مصلحته ومصلحة من يدعمه ماليًا وسياسيًا بدون الدخول في التفاصيل لأن هذا ليس محل نقاشنا اليوم، وهو ما يصعب مهمة الجامعة العربية أيضا.
وإذا كنا بصدد إظهار ما يبذله الأمين العام للجامعة العربية من مجهودات لتقريب وجهات النظر بين جميع الفرقاء في مشكلاتنا العربية وما أكثرها، فنستعين هنا بحوار أجراه أبو الغيط مع «الأهرام» بمجرد تسلمه مهام منصبه قال فيه: «الأزمة لا تكمن في النظام العربي الذي تشكل الجامعة محوره الأساسي، ولكنها تكمن في غياب ثقة الشعوب العربية في جدوى الجامعة وقدرتها على الدفاع عن المصالح العليا للوطن العربي، ووقف التدخلات الخارجية في شؤونه الداخلية».. وهنا مكمن الخطر في العمل العربي أو دور الجامعة في التوصل لحلول للأزمات العربية، فغياب ثقة الشعوب في قدرة الجامعة على حماية المصالح العربية أو الدفاع عنها واحتواء الأزمات المتصاعدة بين بلدانها أو داخل أقطارها، أمر يستحق الدراسة، ومن هنا كان تصريح الأمين العام للجامعة في محله.
فالجامعة على مدى تاريخها قدمت عبر تاريخها قدمت شيئًا يسيرًا للمواطن العربي ربما لا يرتقي لطموحه، في وقت كانت فيه الأمور السياسية عادية ومقدور عليها، وحتى النزاعات الحدودية بين دولها لم تكن محل خلاف يصل الى مشارف الجامعة، فكان معظم الحلول تأتي نتيجة تفاهم الدول المتنازعة حدوديًا سواء بتدخل من أعلى مستوى سياسي أو عن طريق تشكيل لجان ثنائية تتولى حل تلك النزاعات.
نعود الى حوار أبو الغيط المشار إليه، ويبدو أنه كان بمثابة خطة عمل أو برنامج عربي يتوجه به الي المواطن العربي قبل القادة العرب، فكان البرنامج شاملاً وجامعًا، فتحدث الأمين العام عن ملامح خطة لتعاون عربي - روسي - أمريكي هدفه الأول هزيمة تنظيم داعش واجتثاث جذوره من العراق وسوريا وليبيا، على أنه ينبغي في جميع الأحوال أن يكون الجهد العربى واضحا فى الحرب على «داعش» لأنه بدون هزيمة التنظيم لا أمل فى تضامن عربي أو عمل عربي مشترك.. وقد نرى في وقتنا الراهن كيف بدأ التنظيم الإرهابي في الانهيار وتراجع قوته وامكانياته العسكرية والمالية واللوجستية بعد اشتداد الحرب ضده.. هذا بالإضافة الى حديث الأمين العام عن بحث امكانية توافق عربي - إقليمي - دولي حول مستقبل العراق وسوريا وليبيا، مع تأكيد أهمية وجود قوات سلام تمارس مهامها على الأرض السورية لضمان تنفيذ بنود المرحلة الانتقالية، وتنسيق جهود الجامعة العربية والأمم المتحدة في خطة مشتركة لحل إنساني يضمن عودة النازحين السوريين إلى ديارهم.
وبالنسبة للأمر الأخير المتعلق بمستقبل العراق وسوريا وليبيا، كانت لقاءات أبو الغيط في نيويورك عبارة عن حلقات عمل متواصلة من أجل التوصل لحلول للأزمات السورية والليبية واليمنية ومستقبل العراق وضرورة بقائه موحدًا تحت راية العاصمة بغداد مهما كانت التحديات الراهنة. وعلى سبيل المثال، كان من الأهمية بمكان مشاركة أبو الغيط، في الاجتماع التشاوري لوزراء الخارجية العرب بنيويورك، وهو اللقاء الذي استهدف تنسيق مواقف الدول العربية تجاه أهم الموضوعات المطروحة على جدول أعمال الدورة الثانية والسبعين للجمعية العامة، خاصة فيما يتعلق بالقضايا والملفات العربية ذات الأولوية. وكان اللقاء فرصة لوزراء الخارجية العرب للوقوف على جهود المبعوث الدولي الى ليبيا «غسان سلامة» وزير الثقافة اللبناني، فتم استعراض تقييمه لتطورات الأوضاع في ليبيا وآخر نتائج الاتصالات التي يجريها مع الأطراف الليبية والإقليمية والدولية في هذا الصدد، بما في ذلك تلك التي تهدف إلى تقريب وجهات النظر بين هذه الأطراف وتفعيل اتفاق الصخيرات بهدف التوصل إلى تسوية سياسية مناسبة تكفل استعادة كامل عناصر الأمن والاستقرار في ليبيا. ربما لم تتلاقى رؤى الوزراء العرب مع استعراض غسان سلامة لأفق تسوية الأزمة الليبية، ولكن كان هناك حرص على التواصل معه في إطار الآلية الرباعية الخاصة بليبيا والتي تضم كلاً من الأمين العام والممثلة الأعلى لشؤون السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي والمبعوثين الخاصين للاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة إلى ليبيا.
ونأتي للأزمة العراقية، فقد أكد الأمين العام ضرورة أن تكون أولوية المجتمع الدولي هي للحفاظ على وحدة وسيادة وأمن واستقرار العراق، وذلك في ضوء ما عاناه الشعب العراقي من ويلات وتضحيات كبيرة على مدار السنوات الماضية، وأيضا لارتباط هذه الأولوية بالحفاظ على الأمن الإقليمي للمنطقة ككل. وطبيعي ألا يتحقق هذا سوى بسعي كافة الأطراف العراقية والإقليمية والدولية لمراعاة مصالح كافة الجماعات والطوائف في العراق دون تمييز، ومع تمتع كافة أبناء الشعب العراقي بكامل حقوقهم على أساس مبدأي المواطنة والمساواة في إطار دولة فيدرالية موحدة وديمقراطية، ومع ضمان عدم تدخل الأطراف الخارجية في الشأن الداخلي العراقي.
وكان لسوريا نصيب الأسد في المشاركات العربية بنيويورك، ولم لا؟ فالأزمة مستحكمة وتتداخل فيها قوى إقليمية ودولية متعددة، ناهيك عن انقسام السوريين أنفسهم الى جماعات وأطياف عديدة، منها ما هو قائم على أسس دينية، وأخرى سياسية، وأخرى عرقية، فتأزمت القضية حتى بات الحل بعيد المنال معهما تعددت الوساطات، ويبدو أيضا أن كثرة الوساطات نفسها أضاع الحل من بين أيدي السوريين، وهذا مرجعه تباين وجهات النظر بين المتفاوضين ومن يقف وراؤهم، ولهذا كان لقاء أبو الغيط وستفان دي ميستورا المبعوث الخاص للأمين العام الأمم المتحدة الى سوريا مهما، في ظل تأكيد الأمين العام للجامعة العربية علي ضرورة تكاتف الجهود خلال هذه المرحلة الدقيقة للتوصل إلى تسوية سياسية مناسبة للأزمة السورية، حل يكفل وقف المعاناة التي يعيشها أبناء الشعب السورى علي سبع سنوات، وبما يلبي آمال وطموحات هذا الشعب.
ولكن لماذا اللقاء مع ميستورا؟.. فالرجل تعرف عن قرب على مواقف جميع الأطراف السورية والإقليمية والدولية المعنية بالأزمة السورية، ومن ثم فهو الشخص الوحيد القادر في الوقت الراهن على تكوين رؤية مستقبلية للحل في ضوء المعلومات التي خرج بها من لقاءاته المتعددة مع تلك الأطراف المذكورة، ولهذا اطلع أبو الغيط عن قرب على الجهود التي يبذلها ميستورا من أجل تمهيد الأرض لعقد جولة جديدة للمفاوضات في جنيف، بهدف التوصل إلى تسوية سياسية مناسبة للأزمة، خاصة وأن الأرض ممهدة حالياً لمثل هذه الجولة، في ظل ظهور بعض المؤشرات الإيجابية في مواقف بعض الأطراف، الأمر الذي يمكن أن يساعد على تحقيق تقدم في هذا الصدد، إضافة إلى وجود بعض التحسن النسبي في الأوضاع الميدانية في سوريا مع تراجع وتيرة العمليات والصدامات العسكرية.
اللقاء المشار إليه لم يكن من طرف واحد، فدور الجامعة معروف أيضا في حل الأزمة السورية، وهو دور محوري ولا غنى عنه كون الأزمة تتعلق بدولة عربية بالأساس، كما أن نظرة الجامعة لتلك الأزمة يظل في إطار الحل السياسي الشامل، حيث أنه المدخل الوحيد لإنهاء النزاع في سوريا والتمهيد لاستعادة الحياة الطبيعية في سوريا الذي أنهكته الحرب، ولكن يتعين الى المعارضة السورية التوصل أو التأسيس لعملية سياسية شاملة بمرجعية بيان «جنيف 1» وقرار مجلس الأمن 2245، بما يثمر في النهاية عن وضع سياسي جديد يلبي طموحات الشعب السوري ويحافظ على استقرار الوطن في الوقت ذاته.
حقًا.. إنها دماء جديدة تجري في عروق الجامعة العربية، وجاءت في وقت يتطلع فيه المواطن العربي الى رؤية حلول عربية ناجحة لكل أزماتنا الراهنة، ربما كان ما سبق هو البداية، ولكن لا ننكر أن الأزمات مستفحلة وتتطلب وقتًا وجهدًا للحل.