جريدة الجرائد

صمام أمان العائلة العراقية في مجتمع فككت اواصره الحروب

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

" لم تكن السنوات التي عشناها خاصة في تسعينيات القرن الماضي وفي فترة الحصار تحديدا باليسيرة بدءا بالظروف الاقتصادية والاجتماعية وصولا الى العديد من العقبات التي اعترضتنا، ولكن جميع تلك الصعوبات كانت عوامل تحد لارادة اخي الاكبر عصام الذي افنى حياته وضحى بالكثير في سبيل ان ننجح بدراستنا ونكمل تعليمنا ونحصل على وظائف ومهن مرموقة في المجتمع.

&

لذلك بقي اخي يعمل بجهد وتفان وصبر من اجلنا نحن اخوته الاربعة" بهذه العبارات الاربعينية باسمة ياسين تكلمت عن ذكرياتها وشقيقها الاكبر بمحبة وود وبدت وكأنها تستعرض شريط حياتها، وتابعت القول:"تعرض والدي لحادث سيارة اقعده عن الحركة لسنوات طويلة لذا تولى شقيقي الاكبر امور المنزل ومساعدتنا في دراستنا واصبح هو السند الحقيقي للعائلة، ولان سنوات الحصار كانت صعبة جدا لذا كانت حياتنا فيها الكثير من المشاكل وحاول اخي دائما حلها بمحبة وهدوء، ومهما قست علينا الظروف كان هو صمام الامان للعائلة وراعي المنزل، اذ تحمل المسؤولية وهو في عمر صغير وحاول قدر الامكان ان ينجح بالتحديات التي فرضت عليه.
استاذة علم النفس والاجتماع الدكتورة شيماء عبد العزيز بينت ان المجتمعات الشرقية تميل الى جعل الاخ الاكبر في العائلة رديفا للاب وذراعه الايمن ورغم وجود الوالد، الا ان الاخ الاكبر غالبا مايأخذ مهاما متعددة ليكون سندا له ومحط اعجابه وفخره ، لذا يسهم في تربية اخوته الصغار، ولهذا عند ولادته يمنحه الاب الاحساس بأنه البديل عنه اومن سيحل محله اذا ما غاب او تعرض
&لطارئ ما.


تضحيات كبيرة


وبينما هي تتصفح البوم الصور العائلية التي يظهر فيها شقيقها حاملا اياها على ذراعيه تكمل باسمة حديثها قائلة:
"كانت السنوات تمر واخي يكبر بالسن ويرفض الزواج وتأسيس عائلة رغم مناشدات ابي له المتعددة لكنه ظل يرفض ذلك لرغبته بايصالنا الى اعلى وافضل المراحل الدراسية ولطالما كان يقول ان مهمتي ان اراكم اشخاصا ناجحين وتحققوا كل احلامكم وطموحاتكم، وبالفعل اكملنا دراستنا واصبح لنا شأن و بصمة في المجتمع".
استاذة علم النفس والاجتماع في جامعة بغداد تجد ان الاخ الاكبر يبدأ بالتعود على تحمل المسؤولية منذ صغره لاسيما في المجتمعات الشرقية والاسيوية بسبب الترابط الاسري الكبير الموجود في العائلة، اما في الغرب فنجد ان الاخ الكبير لايمارس سلطة او دور مثل ماهو موجود لدينا، اذ يفضل الاستقلال والابتعاد عن المنزل اما نظيره الشرقي فهو يفضل الالتزام العائلي واحتضان اخوته الصغار واحيانا ما ينسى حياته وامنياته مقابل رؤية نجاحات اشقائه.


سند وقوة


"ليس هناك اجمل من وجود الاخ الاكبر في حياتك" بهذه العبارات استهلت حديثها العشرينية جيان عامر واضافت انه الشخص الذي تشكو له همومك وتجده اول من يفرح لفرحك، فالاخوة هم من نعم& الله علينا فهم السند والقوة في الدنيا، واحيانا ما تكون هناك خلافات ومشاكل تنشأ بين الاخوة نتيجة اختلاف الآراء لكن يبقى الاكبر سنا من الاخوة في العائلة هو محط اعتزاز ومحبة اشقائه .
القاضي ناصر الموسوي يشير الى الموقف القانوني من الاخ الاكبر بالقول:
" لم يكن التشريع القانوني بعيدا عن مخرجات الواقع الاجتماعي الملزمة الشرعية والعرفية ولكن ضمن مفهوم الحقوق والواجبات وبعيدا عن الاستحقاقات العاطفية ، فمسؤولية الاخ الاكبر الناتجة عن فقدان احد الوالدين او كليهما تمليها الواقعية الاجتماعية الاخلاقية وقبلها السجية العاطفية ،فمسؤولية الاخ الاكبر هي نفسها مايقع على عاتق الاب مما يفرض المجتمع عليه مجموعة من المسؤوليات الاجتماعية ،ولكن هل ينطبق ذلك في الوضع القانوني؟ ان الجواب هو ان كل شخص عاقل بالغ رشيد يكون اهلا لتحمل مسؤوليته ولا الزام لشخص اخر عليه ولكن اذا كان قاصرا او بالغا لكنه يفتقد للإرادة لذا يكون بحاجة الى من يقوم مقامه بذلك ويسمى (وصيا او قيما ) فالايصاء كما عرفته المادة (75) من قانون الاحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 المعدل هو : اقامة الشخص غيره لينظر فيما اوصي به بعد وفاته اي ان يتكفل شخص ما برعاية اولاد المتوفى.


تحمل المسؤولية


"رغم ثقتنا العالية بأن شقيقنا الاكبر يخاف علينا ويتحمل مسؤوليتنا الا ان شخصيته المتسلطة وعصبيته الدائمة ووجهه العبوس ينفرنا منه احيانا، بهذه العبارة بدأت زهراء حميد ذات الاربعة عشر ربيعا حديثها، مضيفة انه بعد وفاة والدها تبنى اخوها زمام الامور واخذ يتحكم بالعائلة، ولكنه اصبح يخاف على اخوته بشكل مفرط ويتعامل معهم كأنه الوصي الوحيد والشرعي وهذا مايسبب النفور احيانا.
القاضي الموسوي يلفت الى ان المحكمة تتولى رعاية الصغار في حال غياب الوصي وحسب المادة (34 ) من قانون رعاية القاصرين فإن الوصي هو من يختاره الاب لرعاية شؤون ولده الصغير او الجنين ثم من تنصبه المحكمة بعلم الام ومعرفتها ولم يشر النص الى الزام او منح الوصاية للأخ الاكبر كامتياز او تفضيل او مسؤولية حتى في نفقة الفروع والاصول والاقارب، كما& لم يتم الاشارة او النص على ذكر الابن البكر، وبالمحصلة لم يرد نص قانوني ملزم له يتكفل بموجبه بمسؤوليته تجاه اخوته او اخواته وانما هو من ضمن الاشخاص الذي قد تقوم المحكمة بتنصيبه او من تقوم عليه دعوى النفقة في نفقات الاصول على الفروع والاقارب.
&


صراع الاجيال
تعد الصغيرة زهراء من الشخصيات المتمردة هذا بحسب رأي عائلتها اذ هي غارقة بالحداثة والتطور، لذا فهي وفقا لشقيقتها الاكبر منار غير قادرة على الانصياع والتقيد بارشادات اخيها الاكبر الذي تقول عنه منار:
"على الرغم من عصبيته وطباعه الصعبة الا ان قلبه مليء بمحبتنا، ولكن مشكلة زهراء انها تعيش في حالة صراع مع الاكبر منها سنا ربما بسبب غياب والدنا عنها مبكرا اذ لم تتعدى العشر اعوام حين توفي ابي، اذ كانت هي الاقرب من بيننا اليه لذا كانت خسارته كبيرة جدا مما خلق نفورا وغضبا بداخلها، ورغم محاولات شقيقي لاحتوائها لكن دون فائدة دائما ما يحصل بينهما اختلاف حاد بوجهات النظر".
الباحثة بالشؤون الاجتماعية والانسانية الدكتورة ندى العابدي تبين ان غرس الاعراف والتقاليد المجتمعية وتعبئة الاخ الاكبر بثقافة المسؤولية ورعاية الصغار نابعة من اعتزاز الوالدين به لكونه الاول بين اولادهم والاقرب سنا لهم، لذا يعيش الاخوة الصغار حالة تشبه صراع الاجيال بين الوالدين من جهة وبين شقيقهم الاكبر الذي يعمل على تقليد والديه من جهة اخرى.


صورة الأب


وتعود باسمة ياسين لتؤكد ان شقيقها الاكبر هو نسخة طبق الاصل عن والدهم بمحبته لهم وبخوفه واحترامه لاخوته الصغار لاسيما الفتيات، وتوضح باسمة انها كثيرا ماكانت تسمع شكاوى زميلاتها في المدرسة من اشقائهم الكبار بسبب قسوتهم وتعاملهم الفض احيانا معهم الا ان هذا الامر لم يكن ينطبق على عصام الذي يحتل مكانة كبيرة في قلوب اخوته لانه يحترم المرأة ويقدسها وهو يشبه والده بذلك، اذ لطالما كان عطوفا ومتسامحا مع اولاده ويحترم اراءهم رغم صغر سنهم.
تشير الباحثة بالشؤون الاجتماعية والانسانية الى ان الابن الاكبر غالبا مايكون اكثر شبها بوالديه او احدهما فإذا ماكانا متسلطين فهو سيقلدهما دون وعي ظنا منه ان هذه هي الطريقة الصحيحة في تربية الاولاد، اما اذا كان الوالدان لاسيما الاب من الشخصيات التي تحترم المرأة وتقدسها فسوف يقلده ابنه الاكبر فينشأ على احترام النساء وتقديرهن، لافتة الى ان على الوالدين ان ينتبها عند تربية ابنهما البكر وان يحملاه مسؤولية تنسجم مع عمره وشخصيته وافهامه ان الاخ الاكبر هو راعي وحامي لاشقائه وليس متسلطا او&
قاسيا.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف