البركان الأخضر الإيراني يثور من جديد
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
مؤيد رشيد
إنها بداية لصفحة جديدة من حياة الشعوب يخطها الشعب الإيراني بصدور أبنائه العارية تجاه كل أشكال البطش والقمع، وهو يعلم ما سيواجهه جيدا
في عام 2009 خرج الملايين من المتظاهرين الإيرانيين إلى الشوارع ضد إعادة انتخاب أحمدي نجاد، فيما أطلق عليه حينها «الحركة أو الثورة الخضراء»، وكانت تعتمد اللون الأخضر كرمز لها، وكان هدفها الأساسي إلغاء الانتخابات المزورة والحرية وتحقيق العدالة، وقد فشلت هذه الانتفاضة حينها ولعدة أسباب، أهمها القمع والوحشية التي قوبلت بها من قبل سلطة الملالي.
حينها تحالفت ثلاثة تيارات داخل الحكومة الإيرانية، الأول هم من المصلحين الدينيين، وينتمي إليهم خاتمي، وكان سعيهم نحو إصلاحات محدودة، ولكن لا تخرج عن سياق دستور الجمهورية الإسلامية.
والثاني حزب كوادر البناء «كاركزان»، وهم رجال الأعمال وأصحاب رؤوس الأموال، والذين جمعوا ثروات ضخمة، ويمثلهم رفسنجاني.
والتيار الثالث كان من المحافظين، وهم الجيل الأول من رجال الدين، والذين يريدون الحفاظ على امتيازاتهم في كل العهود.
هذا الثالوث المتحالف قاد ودعم تلك الانتفاضة، وركبها «كما ركب الإخوان ثورات الربيع العربي في تونس ومصر»، وكان لكل منهم غاية ومأرب بعيدا عن مطالب الملايين في التغيير والإصلاح والقضاء على الفساد وهيمنة التيار الديني المتشدد، وقد كانت الغالبية العظمى من المتظاهرين من الطبقات الفقيرة وعامة الشعب، والتي انضم إليها الثالوث المتحالف وأتباعهم يدعمون مرشحا واحدا هو مير حسين موسوي، والذي كان رئيسا للوزراء 1981-1989، وأحبه الفقراء كسياسي يعمل من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية، ولتوجهاته اليسارية حينها، والذي أعلن رفضه لنتائج الانتخابات، والتي تم تزويرها لصالح نجاد، ووقف وسط المتظاهرين معلنا فوزه، ورغم دعوات المرشد لهم بالوقوف وراء نجاد وفض التظاهرات إلا أنهم ظلوا لفترة طويلة في الشوارع والساحات، رافعين شعارات ضد المرشد، وحرقوا صوره وصور الخميني، وظلوا على تلك الحال حتى تمكنت أجهزة النظام من تفريقهم والقضاء على انتفاضتهم.
ولكن الحركة سرعان ما ضعفت حينما ابتعد الكثيرون عنها بعد أن اكتشفوا حقيقة أغراض ذلك التحالف بأضلاعه الثلاثة، وحين اكتشفوا أن برنامج موسوي ليس كما عهدوه سابقا، وأنه متحالف مع رفسنجاني والذي لا يتمتع بشعبية لدى الفقراء من عامة الناس. وتراجعت أعداد المنضوين للحركة الخضراء إلى بضعة آلاف من المدن والمثقفين واليساريين.
تلك الانتفاضة أثبتت للنظام ولأول مرة ومنذ قيام الثورة الإسلامية، سقوط قدسية ولاية الفقيه، وكسرت هيبة النظام، وعليه فقد تم قتل أعداد لا تحصى من المتظاهرين، واختفاء الكثيرين من الشباب واعتقال الآلاف منهم، وتم وضع مرشحي الرئاسة موسوي ومهدي كروبي تحت الإقامة الجبرية.
الربيع الأخضر في 2009 كان وراءه من وراءه، (كان رجال الثروة والأعمال الطرف الممول لهذه التظاهرات حينها، من خلال ما شاهدناه من تنظيم وتنسيق وشعارات ولافتات ومطبوعات وملابس بشكل منظم وحضاري يطغى عليه اللون الأخضر)، ومُنِي بالفشل لأسباب كثيرة، من أهمها كان عدم وجود رغبة لدى الغرب في التغيير، وكانت الانتفاضة تتعارض مع ميول الوافد الجديد للبيت الأبيض «أوباما»، والتي لا تتوافق وروح التغيير في إيران، وتؤيد التمدد الإيراني وأطماعه في الجوار، والتي كانت البداية لهيمنة إسلام معتدل من الممكن أن يقود المنطقة حسب قناعاته، وتحدثت حينها إلى بعض المعارضين الإيرانيين المغتربين، وأكدوا لي أن التغيير ربما يحتاج إلى سنوات أخرى قادمة، وكان تحليلهم من واقع أن تلك الثورة وراءها ما وراءها، وهي رغم المظهر الحضاري والمنظم ليست لصالح الشعب، بل لأغراض سياسية ومصالحية محددة، تم استخدام المد الجماهيري فيها بذكاء.
بقي تحالف الثالوث والمصالح يرتدي عباءة الحركة الخضراء كورقة ضغط، وكلما أراد تحقيق مكاسب له وعلى مر السنين وتعاقب الحكومات، واعتبار 2009 مذبح للحرية ومظلومية المذهب الجديدة داخل إيران.
ورغم كل هذا وذاك، ستبقى الحركة الخضراء رمزا وعلامة فارقة في تاريخ إيران الحديث، بالرغم من عدم تحقيقها لأهدافها في التغيير والعدالة الاجتماعية، ولكنها مازالت حية في قلوب الملايين التي خرجت تنشد التغيير كغاية وحلم سيأتي أوان تحقيقه في يوم من الأيام.
اليوم تتجدد هذه التظاهرات في الكثير من المدن الإيرانية، ولكنها كما يبدو انطلقت بشكل عفوي وغير منظم، لمسناه من خلال عدم وجود لافتات أو ملابس موحدة مثلما حدث في 2009، وكما يبدو أنه لا أحد يقف وراءها من أصحاب المصالح والهوى، بل انطلقت كثورة على الجوع والفساد وغياب العدالة، والتي غربت شمسها منذ أربعة عقود، وضد حكم الإرهاب المزمن الذي هو النهج الثوري للنظام، يطالب المتظاهرون بعدم التدخل في شؤون الجوار العربي، والذي استنزف موارد البلاد لأجل إحياء أحلام إمبراطورية بائدة، والذي أدى إلى مزيد من مظاهر الفقر وتردي الحالة المعيشية وغياب العدالة الاجتماعية.
الموقف اليوم يختلف كثيرا عما جرى في 2009، رغم التعتيم الإعلامي ومنع وسائل التواصل من نقل الحدث، والانقلاب المخزي لقناة الجزيرة والتي لا تقع هذه الانتفاضة على هوى توجهاتها المتحولة حديثاً، إنها بداية لصفحة جديدة من حياة الشعوب يخطها الشعب الإيراني بصدور أبنائه العارية تجاه كل أشكال البطش والقمع، وهو يعلم ما سيواجهه جيدا، النظام اليوم يواجه أشد مخاوفه الحقيقية، ونهاية أحلامه، والتي لن تفلح أساليبه القمعية في تبديدها.
لقد آن الأوان، وبإذن الله، لتنتقل رياح الثورة والتغيير ضد الجريمة والفساد، لتكنس هؤلاء الشرذمة التي دنست أرض وسماء العراق وسورية واليمن ولبنان، وسممت أفكار وأقوات الشعوب.