الفساد لا يعالج فقط بالقانون
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
ماجد الحمدان
قلة الكفاءة في عدم فهم طبيعة الأعمال التجارية لدى عدد كبير من المديرين المعنيين بالمشاريع التجارية تعد مشكلة خطيرة، وعادة ما يأتي هؤلاء من خلفيات بعيدة عن مجال العمل
الفساد المتمثل في السرقة والاختلاس والتعاقدات القائمة على المصلحة الشخصية والاختيارات القائمة على المحسوبية في تمكين الموظفين على حساب الكفاءة، وغيرها من أشكال الفساد، ليس قضية تعالج بالقانون أو بفرض مزيد من العقوبات التي قد تتسبب بمشاكل جسيمة أكبر.
لو طبقنا كافة القوانين والتشريعات في كافة المجالات فقد نجد بأننا نقوم بعمل انتحاري، وكمثال، فالسلوك المروري في المدن السعودية الكبرى مفزع، ولو قرر النظام المروري علاج ذلك بتطبيق كافة الأنظمة المرورية دفعة واحدة، من مخالفات وضبط وإحضار للمتجاوزين، فهذا يعني أننا سوف نخلق مشكلات اقتصادية واجتماعية جسيمة.
هناك مشكلات تتعلق بالثقافة والحاجة إلى إصلاحها قبل تطبيق القوانين، وذلك على كافة الصعد، فالتأخر في إنجاز المشاريع الحكومية خاصة أو تقديمها مع الكثير من الأخطاء، له أسباب عديدة أهم من مشكلة الفساد، فالبيروقراطية بكافة مثالبها إحدى أهم المشكلات التي دفعت القائمين على رؤية 2030 إلى تأجيل بعض الأهداف.
البيروقراطية تشير إلى الرتابة أو العمل المكتبي القائم على أنظمة جامدة غير قابلة للتطوير، وغالبا ما يكون السبب هو ارتباط هذه الأنظمة بالمصالح الشخصية لمجموعة من المديرين والموظفين، ولذلك نجد البيروقراطي حجر عثرة لأي تغيير إيجابي قد يخدم مصلحة العمل، فهناك من يعمل كموظف يطبق السياسات في حدها الأدنى، وهناك من يعمل كمنجز مبادر يكافح لمصلحة العمل، وهو أكثر من يتعثر أمام البيروقراطي الذي يضع أولويات مختلفة قد تتعلق بمصلحته الشخصية في البقاء أو مصلحة النظام أو الخوف من المبادرة، وهناك أسباب أخرى تتعلق بالسياسة التي تصممها الموارد البشرية التي قد تمنع ترقية الموظفين إلا بشروط مرتبطة بالخبرة والشهادة، وهو ما يعطل المبادرات والإبداعات، وهذه الأنظمة قد تسن بسبب التجاوزات التي يمارسها بعض المديرين في المحسوبية، لذلك نجد أننا أمام أنظمة وقوانين معطلة تم سنها وتنفيذها بسبب ثقافة سيئة، وهو ما يحدث أيضا عند تطبيق أنظمة تدقيق داخلي صارمة تمنع قدرة الشركات على المبادرة والإبداع.
ضعف التعاون بين مختلف الإدارات له أيضا أسبابه، والتي تدفع المؤسسات أيضا لوضع سياسات مغلقة لتحقيق الأهداف وتقييم الأداء KPIs لا تساعد على التعاون ولا على قدرة الموظف في إيجاد عمل أو مهام مناسبة لقدراته، كما أن هناك أسبابا إنسانية وقد تكون مشروعة تدفع البعض للخشية من تقديم المعلومات والأفكار والمبادرات، حتى لا تحسب في رصيد قسم آخر، أو تحسب لصالح المدير على حساب الموظف.
ثقافة وسلوك المديرين هو الذي يخلق ثقافة العمل الإداري في كامل المنظومة، فهناك مديرون يفتقدون القدرة على الإرشاد والتوجيه ودعم الموظفين، ونجاح هذا الإرشاد قد يصنع المعجزات، وهناك من لا يزال يعمل بشكل آلي من خلال مبدأ الثواب والعقاب، وهذا ما قد يتسبب في التخريب، كإفقاد القوى العاملة ثقافة الولاء لمصلحة العمل.
على الصعيد التنظيمي فهناك مديرون يعملون بأمانة في كافة القطاعات ولديهم ميزانيات كافية لتحقيق كافة الأهداف المطلوبة، ولكنهم عاجزون عن استخدام الميزانية من الخوف وهو ما يعطل العمل، وبعضهم بالعكس إذ يتسببون في الهدر، وكمثال على الهدر وقلة الكفاءة هو عند التعامل مع الوكالات Agency أو المعهدين Outsourcing، خاصة في المجالات التقنية أو الدعاية والإعلان، وذلك باختيار عدد من الوكالات لتأدية مهمة يمكن لوكالة واحدة أن تقوم بتنفيذها، أو بدفع مبالغ طائلة بسبب ضعف قدرة التفاوض والاختيار، أو عدم قدرة هذه الإدارة على توفير وسائل رقابة ومتابعة جيدة لعمل وإنجازات هذه الوكالات أو هؤلاء المعهدين.
هذا يتعلق بغياب قدرة المدير على فهم العمليات Operations، وهو ما يدفع الوكالات أو الإدارات المرتبطة بالإدارة لإنجاز أعمال لا تحقق الأهداف، ويزداد التعثر أو تأخير الإنجازات عندما يفتقد هذا المدير أيضا الإستراتيجية Strategy بعدم قدرته في النظر إلى الإطار العام بكافة تفاصيله، والعمل من خلال رؤية النهايات في تحقيق النتائج.
لذلك قد نجد بأننا بحاجة لإدارة توفق بين العمليات وبين الإستراتيجية، وهو ما قد يكون مطلوبا من الإداري عندما يجد نفسه مع فريق عمل غير متمكن كفاية.
قلة الكفاءة في عدم فهم طبيعة الأعمال التجارية Commercial لدى عدد كبير من المديرين المعنيين بالمشاريع التجارية تعد مشكلة خطيرة، وعادة ما يأتي هؤلاء من خلفيات بعيدة عن مجال العمل، خاصة عندما نشاهد خبيرا تقنيا أو هندسيا يتولى مهام أعمال تجارية تتعلق بالمبيعات والتسويق ولا تمت بصلة لاهتماماته وقدراته.
امتلاك الإستراتيجية وفهم العمليات والخبرة في الأعمال يساعدان أيضا على علاج الكثير من الأخطاء الإدارية، فالاختيار القائم على المحسوبية يمكن علاجه في حال توفر منظومة عمل موارد بشرية قادرة ومتمكنة، فالاختيار أو الترشيح الشخصي لن يصبح مشكلة، بل على العكس إذا كان مرتبطا بالكفاءة والإمكانية.
هذه المشكلات المعقدة وغيرها من مشكلات مجتمع الأعمال، تحدث في كافة الدول والشركات من حول العالم، وتتميز الشركات ومؤسسات الدولة الناجحة والاستثنائية بالقدرة على تجاوزها ما أمكن لها ذلك، ولذلك فمشكلتنا ليست دائما مع الفساد، بل مع الضعف الذي يواجه منظومة العمل الإداري الذي قد يتسبب في الفساد.