سفير فوق العادة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
سمير عطا الله
تعرفت إلى محمد منصور الرميح عندما كان سفير المملكة لدى الكويت عام 1964؛ إذ ذهبت إليه أرفع طلباً لمقابلة الملك فيصل بن عبد العزيز لـ«الرأي العام». كان ذلك أول لقاء صحافي ملكي أجريه، تلته ثلاثة لقاءات مع العاهل السعودي؛ اثنان في الطائف، وثالث في القمة الأفريقية - الآسيوية في القاهرة، حيث استقبلني الملك في فندقه من دون موعد مسبق، مدركاً أن الجهل والطيبة وحدهما يسمحان لصحافي شاب بالتطفل على برامج الملوك.
توطدت بين محمد منصور الرميح وبيني صداقة في الأزمنة والأمكنة. خلال جولة بعثة دول للجامعة العربية إلى الخليج كنت، والزميل زكريا نيل من «الأهرام»، الصحافيين الوحيدين برفقتها. وفي حين قرر الأمين العام عبد الخالق حسونة باشا، أحد أمراء الدبلوماسية العربية الماضية، أن يضع على برنامجه السؤال عن ألم الضرس الذي ألمَّ بي، قرر السفير الرميح أن يكون هو مراسلي الخاص في الاجتماعات، وإلا لاقتصرت الرسائل التي أبعث بها على «تبادل الفرقاء وجهات النظر لما فيه مصلحة الجميع».
كان الراحل الكبير واسع المعرفة، كثير الخبرات، وعلى كثير من الظرف. وعندما عين سفيراً في بيروت أوائل السبعينات، كان يعرف تماماً الطوفان الذي ينتظره من أصحاب المطالب والمصالح. غير أنه لم يكن يدرك أن مساحة المفاجآت في لبنان لا نهاية لها.
ذهبت أزوره ذات يوم، فوجدته غير قادر على ضبط نفسه من الضحك. قال: «منذ وصولي لم يبقَ عرض لم أتلقه... واحد يريد بيع بناية، والآخر قطعة أرض، وثالث يبيع معلومات لا يعرفها أحد! لكنني ذهلت هذا الصباح عندما قال زائري: سعادة السفير، عندك حدا بدك تقوصوا؟ قلت له: يا ابني، كل ما نريد هو ألا يقوصنا أحد».
بعد التقاعد من الدبلوماسية، انصرف أبو منصور إلى العمل الخاص وعمل البر. وكان يزداد فرحه بازدياد مساهماته الكبرى. وكان يبحث عن المؤسسات الخيرية ولا ينتظر أن تأتي إليه؛ «لأن ذلك يُفقد البر شيئاً من برّه».
عدَّد المؤرخ عبد الرحمن الشبيلي أسماء تلك الكوكبة الكبرى في الدبلوماسية السعودية من زملاء الشيخ الرميح. وهؤلاء نسجوا بدأبهم وأدبهم، وخصوصاً بولائهم الوطني، صورة راقية للعمل الدبلوماسي العربي. وحتى بعد زمن على تقاعدهم، ظلوا في أذهان الناس، سفراء دائمين، لمن يمثلون.