2018 عام فارق فى مواجهة الإرهاب
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
نورهان الشيخ
انطوى عام 2017 على حصاد مهم فى مجال مكافحة الارهاب، فقد انتهت «دولة الخلافة» المزعومة وتم تحرير سوريا والعراق من تنظيم «داعش»، وتصفية أكثر من 60 ألف إرهابى فى سوريا وحدها. كما انكمش تنظيم «جبهة النصرة»، الذى يتعرض لضربات عسكرية قوية من جانب روسيا والجيش السوري، ولضغوطات كبيرة من الدول الداعمة له، قطر وتركيا، لتغيير جلدة بهدف إدماجه فى العملية السياسية. إلا إنه بقدر ما تثير هذه النجاحات من تفاؤل، فإنها تثير الكثير من المخاوف والتساؤلات حول تداعيات الحركة المستقبلية للتنظيمات الارهابية على أمن واستقرار دول الجوار والمنطقة.
أولها، يتعلق بتنظيم داعش نفسه والذى يأبى حتى اللحظة أن يختفي، فقد سقطت «دولة الخلافة» ولكن التنظيم مازل قائماً حيث دعا التنظيم مسلحيه إلى مواصلة ما سماه «الثبات فى المعاقل»، ومازال القتال دائراً فى مناطق عدة بأساليب حرب العصابات. يزيد الأمر تعقيداً التغير النوعى فى أهداف وأساليب التنظيم وتركيزه الواضح على إيقاع أكبر عدد من الخسائر المادية والبشرية. كما أن التنظيم بحكم كونه جماعات عابرة للجنسيات تجمعها الأيديولوجية الدينية فإنه قابل للحراك والانتقال من مكان إلى آخر، مما يوجد صعوبة فى متابعتها وتعقبها واستهدافها. وقد بدأ التنظيم بالفعل فى اتباع سياسة الانتشار والوصول لمناطق جديدة مثل الفلبين ووسط إفريقيا، ووسط آسيا وأفغانستان، والتحول من «إمساك الأرض» إلى الاعتماد على الخلايا الارهابية وما يطلق عليه «الذئاب المنفردة»، والتركيز الواضح على الانتشار والتغلغل الإلكترونى والتجنيد الشبكى للنشء والشباب من خلال التأثير عقائدياَ عليهم. وإلى جانب دول الجوار السوري، وفى مقدمتها مصر وكذلك ليبيا، كهدف أساسى للارهابيين الفارين من سوريا والعراق، تشير عدة تقارير إلى أن قيادة «داعش» منذ عام 2015 اتجهت لتكوين شبكات لها خارج الشرق الأوسط، وأن إرهابيى «داعش» بعد تقهقرهم فى سوريا والعراق، سيجعلون من أفغانستان مركزا جديدا لهم، وإنها باتت موطئ قدم لداعش حيث تتوافر إمكانية لدى المقاتلين للتسلل إلى شمال أفغانستان، ويتمدد «داعش» ويحتل المزيد من المناطق والمدن، وتفقد كابول واقعيا السيطرة على 60% من الأراضى الأفغانية، التى تسيطر حركة «طالبان» على الجزء الأكبر منها. كما يعمل التنظيم هناك على استقطاب أعداد كبيرة من مقاتلى حركة «طالبان» إلى صفوفه، إلى جانب الأطفال، وهو تطور بالغ الخطورة والدلالة، مثل الهجوم الارهابى ضد السفارة العراقية فى كابول، ويتم تدريب أعداد كبيرة منهم فى معسكرات باكستان، حيث يتعرضون لعمليات استقطاب عقائدى ممنهجة، وتدريب على تنفيذ الهجمات الانتحارية، ويرسل بعضهم إلى طاجيكستان وأوزبكستان لتجنيد النشء والشباب فيهما. وتتلقى هذه المراكز والمعسكرات تمويلها من بلدان عربية، وترعاها الاستخبارات البريطانية والأمريكية.
ثانيها، يتعلق بما يطلق عليه »صحوة تنظيم القاعدة« والتخوف من عودة التنظيم أقوى مما كان، وذلك من خلال تجديد دمائه والدفع بنجل أسامة بن لادن، حمزة، لقيادة التنظيم، وطرح رؤية جديدة تستغل القرار الأمريكى بشأن القدس فى شحذ الجاذبية والحراك للتنظيم. ورغم أن القاعدة لم تكن تركز من قبل على الجهاد من أجل القدس»، وكان أسامة بن لادن يتوجه بإرهاب القاعدة إلى «أطراف العالم الاسلامي» مثل القوقاز، فإن حمزة بن لادن يدرك أن قضية القدس هى الكارت الرابح حالياً الذى سيمكن التنظيم من منابع بشرية واسعة خاصة بين الشباب، والتوسع جغرافياً بأذرع جديدة مع تقوية الأذرع القائمة خاصة فى اليمن وشمال إفريقيا لاسيما ليبيا وغيرها، وقد أعلن حمزة ذلك صراحة فى التسجيل الصوتى الذى تم بثه عقب قرار ترامب، وقرر ركوب موجة الغضب العربى والاسلامى بشأن القدس للدفع بالتنظيم. والواقع أن قرار ترامب بشأن القدس لم يبعث الحياة فى القاعدة وحدها، ولكن فى العديد من التنظيمات الارهابية التى تدعى الجهاد من أجل القدس، وتقوم بتنفيذ عملياتها الارهابية فى الدول الاسلامية وضد المسلمين.
ثالثها، اتجاه قادة التنظيمات المتطرفة إلى توجيه عناصرهم لتغيير تكتيكهم لما يسمى «الجهاد المستقل«، بمعنى ترك مساحة من الحرية لهذه العناصر لتحديد تفاصيل العمليات الارهابية من جانبهم، واتخاذ مبادرات وتنفيذ عمليات تتسق والتوجه العام للتنظيم دون الموافقة بالضرورة على تفاصيلها من جانب قادته. ويفسر هذا العديد من العمليات الفردية التى تتم فى أوروبا وغيرها . إن خطر الارهاب لم ينحسر بعد، بل إنه أصبح أكثر خطورة وإلحاحاً، ولا ناجى منه، وتكاتف الجهود الدولية والإقليمية ضرورة تفرض التحرك السريع خلال العام الحالى لملاحقة التطورات النوعية التى تقوم بها التنظيمات الارهابية، والاستئصال التام للارهاب من المنطقة.