أزمة علاقات عامة أميركية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
ياسر الغسلان
الرئيس الذي بمقدوره أن يصل إلى عشرات الملايين من المتابعين خلال هاتفه المحمول، ما زال غير قادر على توضيح رسالته بالشكل الإيجابي المؤثر
من الواضح أن العالم اليوم يمر بأزمة حقيقية في تعاطيه مع الرأي العام المحلي منه والعالمي، ولا أستثني هنا الدول والأجهزة السياسية الأكثر تمكنا في مجال العلاقات العامة، كالبيت الأبيض، وأرباب السياسة والفن والإعلام والاقتصاد الغربي، وهي الجهات التي عرف عنها ابتكارها وتفننها في التلاعب بالرأي العام، خلال التكنيكات المختلفة التي لا تخفى على محترفي مجال السيطرة على أفئدة وضمائر الشعوب والمجتمعات.
الرئيس ترمب، والذي نجح بشكل لافت قبل وبعد انتخابه، في إيصال صوته إلى جمهوره العريض دون تحويرات
ما يسميه تزييف الإعلام التقليدي، فشل إلى حد كبير في التعامل مع عدد من المسائل الجوهرية التي تحيط رئاسته وإدارته.
والفشل هنا ليس المقصود به عدم وصول الصوت، بل ردّ الفعل غير المقنع لشريحة كبيرة من جمهور الناخبين
في أميركا بالتحديد. فلو كان ترمب يعتمد في تغريداته وتصريحاته النارية حول كوريا الشمالية أو حول المهاجرين أو الإعلام مثلا نهجا أكثر انضباطا وتخطيطا، لربما تمكّن من إقناع الأطراف التي لا تتفق معه سياسيا، ولو كان يؤمن بدور التخطيط للخطاب السياسي والإعلامي عبر إعطائه وزنا في عملية الإدلاء بالمواقف، لربما كانت مواقفه المختلفة أقل جدلية وأكثر قبولا.
من الشائع خلال الأيام القليلة الماضية القول في أوساط السياسة والإعلام هنا في واشنطن، إن الرئيس ترمب كان أهم مسوق لكتاب «Fire and Fury»، والذي فجر الخلاف العلني بينه وبين مستشاره الإستراتيجي السابق «ستيف بانون» نظرا لدفاعه الارتجالي وردوده وتعليقاته على المقتطفات التي نشرتها مجلة نيويورك وصحيفة الجارديان قبيل طرح الكتاب في الأسواق، ونعته لبانون بـ«ستيف القذر» وهو المستشار الذي كان له دور كبير، كما هو معروف، في وصول ترمب وهندسته ملفات انتخابية شعبوية مهمة، مثل قانون حظر المهاجرين من بعض الدول، وحربه العلنية لتصفية قياديي الحزب الجمهوري المناهضين ممن لا يدعم ترمب بالشكل الكافي، إضافة إلى مراكز الأبحاث، وللإعلام.
التعاطي مع هذا الكتاب، والذي ثبت بعد طرحه بيومين أنه يتضمن مغالطات معلوماتية عدة، بشهادة الإعلام اليساري ذاته المعادي لترمب، ثبت أن دور العلاقات العامة في دعم الرسالة وتوضيحها كان له المفعول العكسي، فقد وصل الكتاب حتى قبل طرحه إلى قائمة أمازون لأفضل الكتب مبيعا، وذلك بعد ساعات من تفجّر رد فعل ترمب، مما دعا الناشر إلى طرحه 4 أيام قبل موعده المقرر، في حين نفدت النسخ في المكتبات الكبرى بعد ثلث ساعة من فتح أبوابها، إلى جانب أنه أصبح متاحا كنسخ إلكترونية مجانية باللغة الإنجليزية نهاية ذلك اليوم، ومترجمة إلى لغات عدة، منها العربية بعد 3 أيام.
المراقبون والمعلقون المهتمون بصياغة الشعور الاجتماعي العام كانوا شبه متفقين بأنه لم يكن ليحظى هذا الكتاب بكل هذه المتابعة والاهتمام والانتشار الجماهيري على المستوى العالمي، لو كان الرئيس أخذ بنصيحة مستشارين يملكون الشجاعة في القول بصراحة، أن يترك الموضوع يمضي بذاته ليموت بعد يومين أو ثلاثة، ولكن من الواضح أن المستشارين لديه إما انهم لا يملكون الرؤية، أو لا يجرؤون على إقناعه بالعدول عن التغريد بارتجالية، أو أن الرئيس لا يكترث كثيرا برأي مستشاريه.
معقل العلاقات العامة في العالم أصبح اليوم أكبر مختبر عملي لفشل قدرة العلاقات العامة في أداء الدور المنوط، والرئيس الذي بمقدوره أن يصل إلى عشرات الملايين من المتابعين خلال هاتفه المحمول، ما زال غير قادر على توضيح رسالته بالشكل الإيجابي المؤثر، وهذا بذاته ربما يكون أهم نقاط ضعف الرئيس، فليس مهما أن نؤمن ونعمل على تحقيق الخير والرفاه ما دمنا غير قادرين على إقناع الآخرين بذلك، وإن كان بالكلام.