جريدة الجرائد

العرب وتصحيح خطأ ترامب!

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

محمد خلفان الصوافي  

واضح جداً، من اجتماع اللجنة العربية السداسية المعنية بتطورات إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب القدس عاصمة لإسرائيل، التي انعقدت في عمان مؤخراً، أن السياسيين العرب مستاؤون من إصرار الإدارات الأميركية، الحالية ومعها السابقة، على الانسحاب من ملفات أو «هموم» منطقة الشرق الأوسط، ومنها الابتعاد عن دور الوسيط في عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية، وفق ذلك القرار المشؤوم. وواضح أكثر أن هدف اجتماع (عَمان) هو تنسيق الجهود العربية دولياً بهدف الحفاظ على الوضعية التاريخية والقانونية لمدينة القدس، والعمل على احتواء المواقف الدولية الأخرى حتى لا تتخذ مواقف مماثلة للموقف الأميركي فتزداد المسألة تعقيداً.

والكل يتفق على أن مفاجأة الرئيس ترامب فرضت على الدول العربية التحرك للبحث بجدية عن بدائل سياسية حقيقية في لحظة تاريخية فارقة قد تتسبب في زيادة اشتعال المنطقة التي يبذل أصحابها جهداً جهيداً للتهدئة فيها، لأن قرار الرئيس الأميركي من أوجه عديدة يعتبر تمكيناً سياسياً للتنظيمات الإرهابية في المنطقة، ومعها الدول الداعمة لها، ولن يكون أحد في هذه الحالة بمنأى عن خطر تلك التنظيمات، ليس في المنطقة العربية فقط، وإنما في العالم بأكمله، لأن «القدس» ليست مدينة فلسطينية، كما يعتقد ترامب، وإنما هي رمز للعالمين الإسلامي والمسيحي، وبالتالي فإن أبسط ما يمكن وصف القرار به هو أنه نوع من الجنون السياسي، والمشكلة أنه جنون مستمر ما لم تتراجع الإدارة عن قرارها، وهو ما يطرح التفكير في معادلات استراتيجية جديدة في المنطقة.

في الواقع فإن الكلمة العليا في ملفات المنطقة حالياً أصبحت لروسيا، ولا يختلف اثنان على أن السبب في ذلك هو العبث السياسي الأميركي بعدد من ملفات المنطقة، حيث بدأت روسيا الدخول في ملفات المنطقة والتأثير فيها على نحو مباشر وقوي. فعندما لاحظ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن الأميركيين يكتفون بالتفرج على ما يحدث في المنطقة، خاصة في الملف السوري، قامت روسيا بالتحرك لحيازة دور محوري في إيجاد حل من خلال الدعوة إلى تنظيم مؤتمر «سوتشي»، المزمع عقده في نهاية الشهر الحالي، وكذلك الأمر فيما يتصل بالأحداث الجارية في إيران حالياً، حيث «وبّخت» موسكو واشنطن على كونها تقف وراء الاحتجاجات وتحاول زعزعة استقرار إيران!

المتابع لمؤشرات التحرك الروسي في مواجهة السياسة الأميركية في العالم وفي منطقة الشرق الأوسط بصفة خاصة، لا بد أن يلاحظ أن بوتين بدأ يحقق نجاحات واضحة على حساب النظرة الضيقة للاستراتيجية الأميركية، التي تركز على المصلحة الذاتية بمعناها المباشر، أو ما يمكن أن نسميه «سياسة العين الواحدة»، دون أي تفكير أو اكتراث بمصلحة الحلفاء التقليديين لواشنطن، وهذا على العكس من النظرة البراغماتية الروسية القائمة على مبدأ تبادل المصالح، دون الخوض في تفاصيل المشاكل الداخلية التي تبدو أكثر حساسية في التعامل الدولي، مثل دعم بعض التيارات السياسية الدينية، من منطلق أنها ليست إرهابية وفق المنطق الأميركي، ومثل أن المنطقة لم تعد مهمة للسياسة الدولية استراتيجياً، فالتركيز الأميركي أصبح يتجه نحو منطقة الباسفيك وآسيا.

استعادة الدور التقليدي لروسيا (وريثة الاتحاد السوفييتي السابق) هو السلاح السياسي الوحيد للعرب، وذلك لأنه دور يمكن أن يوازن دور واشنطن المتجاهل لملفات المنطقة. ويبدو أن الاستفادة من هذا الدور ستكون نقطة بداية جيدة لتسجيل موقف مضاد فيما يخص قرار الرئيس ترامب إعلان القدس عاصمةً لإسرائيل، إذا ما تم استغلال الصعود الروسي من العرب بشكل مناسب وجيد وخلاق، لأن هناك العديد من المواقف الدولية، إضافة إلى وجود تيار عالمي من الجمعيات السياسية والمراكز البحثية لا يستهان به، كلها ترفض قرار ترامب حول القدس. فالعرب، إذن، أمام تحد كبير في هذه اللحظة يتمثل في «إجهاض» قرار ترامب حول القدس، وإيقاف أي تمدد آخر قد يحول احتلالها إلى أمر واقع، لهذا فإن المطلوب أن يكون القرار العربي جريئاً.

أمام العرب فرصة نادرة للضغط على إدارة ترامب التي توجد دولياً في موقف حرج الآن، بعدما خسرت التأييد حول إعلان القدس عاصمة لإسرائيل في مجلس الأمن وفي الجمعية العامة للأمم المتحدة، وزاد من هذا الحرج أن دورها الاستراتيجي في المنطقة تراجع في مقابل «نهوض» الدور الروسي، كما أن سياسة ترامب بدأت تلقى انتقاداً من الدول والنخب السياسية في أوروبا، حتى أن الولايات المتحدة لم تعد في بعض المواقف حليفاً، بقدر ما هي عبء سياسي على الدول الغربية.

المشاعر الغاضبة ضد قرار ترامب تعبر عن نفسها كل يوم وتنذر بانتفاضة جديدة، وبالتالي فإنه من المناسب جداً أن يكون هناك تحرك عربي لإقناع الغرب عموماً، بما فيه الولايات المتحدة ذاتها، بأن القرار خطأ، ليس على العرب فقط ولكن أيضاً على استقرار العالم وأمنه بالكامل.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف