جريدة الجرائد

فى كتاب «نار وغضب »: شرخ فى البيت الأبيض ..وأمريكا

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

منال لطفى

 ترامب وتيلرسون وبنس وسيشنز وماكماستر في البيت الأبيض

بانون لديه يقين باستمرار «الظاهرة الترامبية» حتى لو لم يبق الرئيس

ضاع الأمل فى إصلاح الأمور ..والمهم الآن منع حدوث الأسوأ

مقر الرئاسة تحول إلى فصل من التلاميذ المشاغبين وإيفانكا وكوشنر قنبلة

ترامب وعد بريبوس بأنه سيرتب له خروجا مشرفا... وبعدها بدقائق أعلن إقالته عبر «تويتر»

باءت كل محاولات ستيف بانون، كبير المخططين الإستراتيجيين فى إدارة ترامب، لإنشاء «جدار حديدي» حول الرئيس ،(من فريق من الإعلاميين والمحامين والمستشارين) لإنقاذ ترامب من نفسه ومن عائلته، بالفشل. ففريق المحامين الذى اختاره بانون للرئيس تم تهميشه. وفى رأيه بات ترامب «ضعيفا»

«أعزل» . كما أن النصائح التى كانت تأتيه من الفريق الآخر فى البيت الأبيض، ابنته ايفانكا وزوجها جارد كوشنر والرئيس الجديد لمجلس الأمن القومى الجنرال ماكماستر، كلها نصائح سيئة بنظر بانون وفريقه. وآخر النصائح السيئة كانت تتعلق بالحرب فى أفغانستان، وهو ما أدى إلى خلافات بين الطرفين أدت فى النهاية إلى تعزيز الضغوط على بانون إلى أن أقاله ترامب.

كان ترامب متسرعاً فى كل شيء، لكنه لم يكن يحب اتخاذ القرارات التى تضعه فى خندق وتجبره على تحليل المشكلة. وما من معضلة واجهته فى مطلع رئاسته أكثر من: ماذا يفعل فى أفغانستان؟. فالبيت الأبيض كان كالعادة منقسما بين من يريدون الحفاظ على الوضع القائم، ومن يريدون تغييره عبر المزيد من الانخراط الأمريكى فى أفغانستان.

بانون كان على رأس الفريق الذى رفض تعزيز الوجود الأمريكى فى أفغانستان وإرسال 50 ألف جندي.أما الفريق الآخر، فكان يتزعمه ماكماستر، الذى أصبح العدو اللدود لستيف بانون بعدما أقنع ترامب بتنحيته من مجلس الأمن القومي. كان ماكماستر يريد أن تعزز أمريكا وجودها العسكرى فى أفغانستان لوقف تقدم «طالبان» على الأرض.

لكن ترامب، الذى لم يحب ماكماستر أيضاً بل إن ضيقه منه ازداد مع الوقت بسبب ضغوطه على الرئيس لاتخاذ قرار بشأن أفغانستان،كان فى حالات كثيرة يسخر مع بانون سراً من ماكماستر.

وواصل ترامب تأجيل القرار حول أفغانستان، فكل ما يعرفه أنها «مستنقع» ثم إنها ليست مشكلته. لقد ورثها عن سابقيه جورج بوش الابن وباراك أوباما.

أما دينا باول، نائبة ماكماستر، فقد اقترحت إرسال ما بين 4 إلى 7 آلاف جندى على الأكثر كى تبدو أمريكا وكأنها تفعل شيئا دون أن يثير هذا الرأى العام الداخلي. وهو الاقتراح الذى أيده كوشنر وإيفانكا.

وفى يوليو 2017 كان بانون واثقا من أن ترامب سيقوم بعزل ماكماستر من البيت الأبيض بحلول أغسطس على الأكثر.

لكن دينا باول وكوشنر سربا للصحافة تقارير عدة دفاعاً عن ماكماستر. وكانت التقارير التى سربها كوشنر وباول إلى «واشنطن بوست» و»نيويورك تايمز»متعلقة بستيف بانون وكيف يستخدم وسائل الإعلام اليمينية لتلطيخ سمعة ماكماستر.هذا بالإضافة إلى الدفاع عن رئيس مجلس الأمن القومى بوصفه «عامل استقرار» داخل الإدارة، فيما بانون «عامل اضطراب». ودافعت «واشنطن بوست» و»نيويورك تايمز» عن ماكماستر، وهاجمتا بانون وموقع «بريتبارت» اليمينى النافذ.

ومع أن حملة التسريبات وضعت بانون فى موقف الدفاع، إلا أنه ظل يعتقد أنه مسيطر على الأمور.

ولما اقترب وقت اتخاذ القرار، قدم مجلس الأمن القومى ثلاثة خيارات إلى ترامب:

الخيار الأول : زيادة عدد القوات الأمريكية على نحو كبير لكن هذا يتناقض مع شعار أمريكا أولاً. والرئيس لا يريد المزيد من التورط.

الخيار الثاني: الانسحاب. لكن هذا يصور ترامب كرئيس خسر الحرب وتخلى عن أفغانستان لـ»طالبان»، وهو موقف لا يمكن الدفاع عنه.

والخيار الثالث: إرسال عدد محدود من القوات، وهو خيار أيده وزير الخارجية ريكس تيلرسون ضمن آخرين.

ويقول مايكل وولف فى كتابه «نار وغضب داخل بيت ترامب الأبيض» إن قيادة الأركان توقعت أن يدعم ترامب الخيار الثالث بسهولة، لكن فى 19 يوليو وخلال اجتماع لفريق مجلس الأمن القومى انفجر ترامب.

«لمدة ساعتين تحدث الرئيس غاضباً عن الفوضى التى تولاها بعد أوباما. وهدد بفصل كل قيادات الجيش. فلم يفهم لماذا أخذت قيادات الجيش كل هذه الأشهر لتأتى بخطة لا تختلف كثيراً عن الموجود. وقلل من أهمية النصائح التى جاءت من الجنرالات. وقال: إذا كان يجب علينا أن نكون فى أفغانستان. لماذا لا نجنى أرباحاً منها؟. الصين لديها حقوق تعدين، لكن أمريكا لا».

بالنسبة لبانون «كان هذا الاجتماع نقطة مهمة فى رئاسة ترامب. فالجنرالات كانوا يحاولون إنقاذ ماء وجوههم بثرثرة فارغة مليئة بالمصطلحات العسكرية. ترامب تصدى لهم... مرة وراء المرة كان يعود معهم إلى نفس النقطة: نحن عالقون ونخسر. ولا أحد هنا لديه خطة لعمل شيء أفضل».

لم تكن أفغانستان هى نقطة انتصار بانون الوحيدة. فقد عارض بضراوة تعيين انطونى سكاراموتشي، الذى يدعمه كوشنر وايفانكا، فى منصب مدير الاتصالات فى البيت الأبيض. وبعد عشرة أيام فقط على تعيينه، أعلن البيت الأبيض فى 31 يوليو إقالة سكاراموتشي، وذلك بعد أيام من نشر مقابلة أجرتها معه مجلة «نيويوركر»، هاجم فيها سكاراموتشى بانون، كما كال الاتهامات إلى رئيس موظفى البيت الأبيض راينس بريبوس، الذى قال إنه مريض بـ «الشك والفصام»، واتهمه ضمناً بتسريب معلومات عن البيت الأبيض للصحافة.

«شبح ووترجيت»

كما سجل بانون نقطة ضد ايفانكا وكوشنر، عندما رتبا، دون علمه، مقابلة صحفية لترامب مع صحيفة «نيويورك تايمز»، كانت من أسوأ الحوارات الصحفية التى أجراها ترامب.

ففى الحوار واصل ترامب انتقاداته اللاذعة للمدعى العام الأمريكى جيف سيشنز، متحدياً إياه على الاستقالة. ثم قال إن الأمور المالية لعائلة ترامب يجب أن تكون بعيدة عن أى تحقيقات.

وكانت هذه التصريحات فى رأى بانون بمثابة استدعاء ضمنى للمدعى العام ليحقق فى الأنشطة والعلاقات المالية لأسرتى ترامب وكوشنر.

ويقول وولف إن بانون وصف له المواجهة مع ترامب فى أعقاب الحوار مع «نيويورك تايمز» قائلاً:»ذهبت إليه مباشرة وقلت له: لماذا قلت ذلك؟ فرد ترامب: هل تقصد موضوع سيشنز؟. فقلت له: لا. موضوع سيشنز أمر سيئ لكنه بات معتاداً. لماذا قلت إن أمور الأسرة المالية يجب أن تكون بعيدة عن التحقيقات. فرد ترامب: لانهم (مكتب المدعى العام الأمريكي) يحددون الآن نقاط تفويضهم». (فى التحقيقات)

كان بانون مذهولاً وحذر ترامب من أن ذلك يفتح الباب أمام وزارة العدل للتحقيق فى اتهامات غسل أموال مشتبه فيها ايفانكا وكوشنر. وواصل متحدثاً إلى ترامب:»فأنت تدرك إلى أين يأخذنا ذلك...كل هذا حول غسل الأموال. روبرت مولر (الرئيس الجديد لمكتب التحقيقات الفيدرالية الذى حل محل جيمس كومي) عين فيسمان وهو مختص فى قضايا غسيل الأموال. طريقهم إليك سيكون عبر بول مانافورت ودونالد ترامب جونيور وجارد كوشنر. إن الأمر واضح كوضوح الشعر على وجهك. هذا كله بسبب كوشنر». وواصل:»سيتتبعون (أف بى أي) مسار المال من خلال مانافورت ومايكل فلين ومايكل كوهين وجارد كوشنر وسيتدحرج كل شئ على الرئيس. إنها مأساة شكسبيرية»، مشيراً إلى دور أسرة ترامب فى سقوطه المحتمل.

ثم أكمل بانون حديثه لترامب ساخراً: «تتحدث عن سلطات الرئيس. تقول ان لديك حصانة ومزايا رئاسية. ليس هناك مزايا رئاسية. لقد ثبت هذا فى فضيحة ووترجيت».

وينقل وولف عن بانون قوله: «إنهم العباقرة. نفس العباقرة الذين أقنعوه بإقالة كومى وعزلوه عن فريقه القانوني».

ثم ألقى بانون يديه فى علامة استسلام وقال: «أنا لا أعرف روس. لا أعرف أى شيء. ولست شاهداً. ولا أحتاج محاميا. ولن أظهر أمام شاشات التليفزيون للرد على الاستجوابات فى المحكمة... ماذا سأفعل؟ هل سأنقذه؟ إنه دونالد ترامب. إنه دائماً سيفعل ما يريد».

أيام بانون الأخيرة

بعد تعيين سكاراموتشي، الذى دام عشرة أيام فقط، فى منصب مدير الاتصالات على عكس رغبة رئيس طاقم البيت الأبيض بريبوس. بات خروج بريبوس حتميا. ويقول وولف أنه على متن الطائرة من نيويورك إلى واشنطن، تحدث ترامب وبريبوس حول كيفية ترتيب خروج مشرف من البيت الأبيض وتوقيت الخروج. وحث ترامب رئيس طاقم البيت الأبيض على أن يأخذ وقته وأن يرتب الخروج بطريقة مرضية. «قل لى ماذا يلائمك. فلنجعل الأمر طيبا»، قال ترامب لبريبوس. لكن بعدها بدقائق، كان بريبوس فى ممر الطائرة عندما سمع جرس هاتفه، وفتح ليجد أن الرئيس قد غرد على «تويتر» أن هناك رئيسا جديدا لطاقم البيت الأبيض وهو الجنرال جون كيلي، وزير الأمن الداخلي. وأن بريبوس أقيل من منصبه.

وفى 4 أغسطس 2017 عين ترامب، جون كيلى فى منصب رئيس طاقم البيت الأبيض. وكانت المهمة الأولى أمامه فى ظل حرب الأجنحة فى الإدارة تحديد من يبقى ومن يغادر من طرفى الصراع. بانون وفريقه أم إيفانكا وكوشنر وفريقهما؟. فمن الواضح أن أحد الطرفين يجب أن يغادر. أو ربما يجب أن يغادر الطرفان. لم يكن هذا واضحاً لكيلى بعد. لكنه كان واثقا أنه ليس من مصلحة البيت الأبيض أن يكون هناك طرف يتمتع بتلك السطوة والسلطة الكبيرة على الرئيس. فقد أصبح موظفو الإدارة يخشون كوشنر وإيفانكا وفى الوقت نفسه يخشى الزوجان بانون القدر نفسه. والأهم أنهما أصبحا، كما يقول وولف «ماهرين فى الصراعات الداخلية وتسريب الأخبار للصحافة رغم أنهما ينفيان هذا».

وبينما رأى كيلي، الذى أراد إحكام السيطرة على البيت الأبيض وضبط الخلافات ووقف التسريبات، أن وجود إيفانكا وكوشنر قد يجعل وظيفته مستحيلة، فإن إبقاء بانون لم يكن مثالياً أيضا «فأيا كانت مواهبه، إلا أنه متآمر وصانع للمتاعب. وهو حاليا على قائمة ترامب للمسئولين المغضوب عليهم».

وفى لقاء مبكر مع الرئيس، وضع كيلى مسألة دور ايفانكا وكوشنر فى البيت الأبيض على جدول الأعمال مع ترامب. وكان المقصود أن تكون تلك طريقة لفتح نفاش حول إخراجهم من الإدارة، لكن ترامب أعرب من سروره إزاء أدائهما، متحدثا عن إمكان تعيين كوشنر وزيرا للخارجية فى المستقبل. وكان أكثر ما يأمله كيلى أن يحصل على موافقة الرئيس أن يكون الزوجان جزءاً من انضباط تنظيمى أكبر فى البيت الأبيض.

ويقول وولف فى كتابه إن «رضاء ترامب عن أداء كوشنر وإيفانكا كان مشكلة كبيرة لبانون. واعتقاده أن تعيين كيلى سيؤدى إلى مغادرتهما كان خاطئا. بانون كان على قناعة أن الزوجين يشكلان خطراً على ترامب وأنهما سيدمرانه، وأنه لا يمكن ان يظل فى البيت الأبيض ماداما فيه».

ومع أن فريق بانون حثه على تجاهل ايفانكا وكوشنر، فإنه عرض على كيلى استقالته، قائلا إنه يود البقاء، لكن بقاءه مرهون بمغادرة الزوجين.

وفى مطلع أغسطس اندلعت أزمة شارلوتسفيل، عندما هاجم مجموعة من النازيين الجدد فى أمريكا مظاهرة فى جامعة فرجينيا ضد العنصرية مما أدى إلى مقتل أمرأة دهساَ. لم يدن ترامب هجمات النازيين الجدد بطريقة واضحة لا لبس فيها، بل حمل الطرفين مسئولية تصاعد العنف بشكل متساو، وهو ما أدى إلى هجوم عنيف عليه فى وسائل الإعلام الأمريكية. ومرة أخرى جاءته نصائح متباينة من فريق كوشنر ـ إيفانكا من ناحية، وبانون من ناحية أخري. بينما رأى بانون أنه يجب على الرئيس التمسك بموقفه وعدم الانصياع للهجوم الحاد على القوميين البيض فى أمريكا لأنه بهذا مهدد بخسارة قاعدته فى مدن الداخل الأمريكي، رأى كوشنر وإيفانكا أن الرئيس يجب أن ينأى بنفسه عن القوميين البيض والنازيين الجدد المتأثرين بجماعة «كلو كلوكس كلان».

أيضا عندما لم يتم دعوة بانون للمشاركة فى اجتماعات بين ترامب والرئيس الفلسطينى محمود عباس، وبات واضحا أن هناك مجموعة من فريق بانون يشعرون أن كبير المخططين الإستراتيجيين «فى طريقه للخروج» من البيت الأبيض تمسك فريق آخر باقتناعه أن هذا أمر مستحيل، فليس هناك ترامب دون بانون».

وفى النهاية جاءت القشة عبر حوار صحفى أعطاه بانون، قال إنه لم يكن للنشر لكن نشر، انتقد فيه بانون السياسات غير الحازمة حيال الصين و التى طالما عدها العدو رقم واحد فى الحرب الباردة الجديدة وأزمة الأجيال المقبلة. فالحرب مع الصين، كما يري، هى حرب تجارية وثقافية ودبلوماسية وأمريكا لم تستعد لها.

كما ألقى بانون بظلال من الشك على رجاحة خطط ترامب حيال كوريا الشمالية، عندما سخر ضمنا من تهديدات الرئيس بالرد بقوة غير مسبوقة على بيونج يانج بقوله:»هناك 10 ملايين شخص فى سول»، عاصمة كوريا الجنوبية. كما سخر من أعدائه فى البيت الأبيض قائلا «أنهم يبللون أنفسهم».

ويقول وولف إن الخلافات اليومية وحرب الأجنحة والتسريبات والفوضى العارمة التى كان كيلى يسعى لوضع حد لها، أوضحت بشكل جلى أن بانون يجب أن يغادر البيت الأبيض. ويتابع:»إذا كان ترامب عاجزا عن التصرف مثل رئيس، فإن بانون كان عاجزا عن التصرف مثل مستشار الرئيس».

خرج بانون من البيت الأبيض مليئا بالمرارة. وبعد عدة أسابيع ظهر نحيفا فى واشنطن وقال إنه يتبع حمية غذائية تعتمد على السوشى فقط. لكن صديقه ديفيد بوسيى قال، وفقا لمايكل وولف:»هذا المبني، البيت الأبيض، خاصة بيت ترامب الأبيض، يأخذ الناس أصحاء ويحولهم إلى كهول غير أصحاء».

فصل من التلاميذ المشاغبين

يقول وولف إن «الفرضية الأساسية لجميع الذين عملوا مع ترامب فى البيت الأبيض كانت» يمكننا إنجاح ذلك الأمر» ولكن الآن، وبعد مرور أقل من عام من توليه الرئاسة، لم يعد هناك شخص واحد من كبار موظفى البيت الأبيض واثقا من هذه الفرضية...بل باتت الفرضية لدى معظم موظفى البيت الأبيض أن وجودهم فقط هو لمنع حدوث الأسوأ».

وحتى وزير الخارجية الأمريكى ريكس تيلرسون كان فى طريقه للخروج من البيت الأبيض فى أكتوبر 2017 عندما نقل عنه وصفه لترامب بـ»مغفل كبير».

ويتابع وولف:»السخرية من ترامب كانت الشيء الذى لا يجوز أن تفعله، لكن عملياً كان جميع موظفى البيت الأبيض «مذنبين بفعله». فالرئيس لم تكن لديه المعرفة اللازمة بالمنصب، ولم يكن يعرف ما الذى لا يعرفه، ولم يكن يهتم... كان البيت الأبيض مثل فصل تلاميذ، حيث هناك كمية كبيرة من الضحك فى الصفوف الخلفية حول آخر التسميات التى تطلق على الرئيس. فبالنسبة إلى رينس بربيوس كان ترامب أحمق. وبالنسبة إلى جارى كوهين كان ثقيل الفهم. وبالنسبة إلى ماكماستر كان مخدرا. كانت القائمة طويلة. وتيلرسون آخر مثال فيها على المسئولين الذين اعتقدوا أنهم يمكن أن يعوضوا بقدراتهم الخاصة، مناطق الضعف لدى ترامب. فإلى جانب تيلرسون، كان هناك الجنرالات الثلاثة، جيمسماتيس (وزير الدفاع)، وماكماستر وكيلي، الذين قدموا أنفسهم على أنهم يمثلون النضج والاستقرار والضبط» فى بيت أبيض مضطرب.

لكن المشكلة أن هذا أدى إلى استياء ترامب. ففكرة أن هؤلاء المسئولين أكثر منه قدرة على ضبط النفس والتركيز كانت سببا للغضب والثورة.

وإلى جانب الشكوك فى مستقبل تيلرسون، كانت هناك شكوك فى استمرار كيلى فى منصبه. وبحسب وولف «كانت هناك مزحة أن بريبوس سيكون على الأرجح أطول من خدم فى الإدارة فى منصب رئيس طاقم البيت الأبيض (خدم 7 أشهر). فانزعاج كيلى من ترامب كان سرا معروفا. أما انزعاج الرئيس من رئيس طاقم موظفيه فكان حتى أكبر. كانت هواية ترامب أن يعارض كيلى كل يوم. ولم ينافس ترامب فى انزعاج كيلى منه سوى كوشنر الذى وصفه كيلى بأنه «لا يحتمل». وعزز الفوضى العارمة داخل البيت الأبيض وصراع الأجنحة تحقيقات الـ»أف بى أي» التى وسعها روبرت مولر فى الملف الروسى والمعاملات المالية لترامب وأسرته وكوشنر وأبيه.

ويقول وولف «بات إيفانكا وكوشنر، اللذان ينظر إليهما على أنهما قنبلة موقوتة داخل البيت الأبيض، يقضيان الوقت يدافعان عن انفسهما ويقاومان شعوراً متزايداً بالبارانويا. وفى منتصف أكتوبر، عين كوشنر تشارلز هاردر محامى قضايا التشهير البارز مع توسع تحقيقات مولر...ترامب نفسه توقف عن الدفاع عن إيفانكا وكوشنر، مستغربا متى يفهمان الرسالة ويعودان إلى نيويورك».

ووسط الضغوط والمخاوف، ألغى فريق ترامب مقابلة مع تشارلى روز فى برنامج «60 دقيقة» كانت مقررة 11 سبتمبر 2017. فقد رأى مستشارو الرئيس، بحسب وولف، أنه لا ينبغى أن يضع نفسه فى موقف يظهر فيه غير قادر على التركيز، ويكرر الجمل نفس والتعبيرات نفسها خلال دقائق قليلة جدا. فقد زاد هذا بشكل ملحوظ، ما جعل مساعدى ترامب قلقين من أن قدرته على التركيز انخفضت بشكل كبير. وهذا مصدر قلق، خاصة مع تحدى انتخابات الكونجرس 2018 التى تشير الدلائل إلى أن الجمهوريين سيخسرون فيها مقاعد كثيرة مما يضع مزيدا من الضغوط على ترامب وفريقه وحزبه.

لا يتحدث كتاب «نار وغضب داخل بيت ترامب الأبيض»عن قضايا بل عن أشخاص. وربما من هنا جاء الإهتمام العالمى غير المسبوق. فالقضايا شيء «أصم» و»عقلاني» و»بارد». لكن الأشخاص غير عقلانيين، تتنازعهم مشاعر متضاربة، وطموحات خطيرة. وكل شخصيات الدائرة الضيقة حول الرئيس الأمريكي، حتى التى غادرت البيت الأبيض، ما زالت فى بؤرة الأحداث تطمح وتتصارع. فستيف بانون، الذى يرى نفسه الآن قائدا من الخارج للحركة الإيديولوجية التى ادخلت ترامب للبيت الأبيض، ربما يريد أن يستبدل «البانوبية» بـ»الترامبية» (نسبة إلى بانون نفسه). ويقول وولف، إن كبير المستشاريين الاستراتيجيين تحرك بكثافة فى أوساط يمين الحزب الجمهورى ومع كبار المانحين «فهو يرى أنه كلما ترشح عن الحزب الجمهورى شخصيات متشددة من أقصى اليمين، سيضطر الحزب الديمقراطى لاختيار شخصيات متشددة من أقصى اليسار. وهؤلاء سيكونون أقل شعبية حتى من المجانين متشددى اليمين». وبالنسبة لبانون، ترامب، كشخص، مجرد فصل ،أو حتى نقطة، فى الثورة الترامبية (الإيديولوجيا اليمينية القومية الانعزالية التى اجتاحت أمريكا 2016)، والتى هى تعبير عن ضعف الحزبين الكبيرين، الجمهورى والديمقراطي، وفشلهما فى فهم المزاج العام فى أمريكا.

ويوضح وولف إن الشرخ بين بانون وترامب لا يعنى تراجع ذلك التيار الذى غير شكل السياسة الأمريكية :»كان ستيف بانون يخبر الناس أن هناك نسبة 33.3 % أن تحقيقات مولر ستؤدى إلى محاكمة الرئيس. ونسبة 33.3% أن يستقيل ترامب، فى حالة تهديد أعضاء الحكومة له بالعمل بالبند 25 من الدستور، الذى يتيح للحكومة إقالة الرئيس فى حالة محاكمته. ونسبة 33.3% أن يستمر ترامب حتى نهاية الولاية الأولى سائراً على عكاز. ولكن فى كل الحالات لن تكون هناك ولاية ثانية لترامب و لا يعنى ذلك انتهاء الترامبية».

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف