النظام الايراني يشكو من تدخّل "خارجي"!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
خيرالله خيرالله
من اطرف ما تخلل فصول الانتفاضة الأخيرة للشعب الايراني في وجه نظام الملالي، شكوى غير مسؤول في طهران من وجود جهات "خارجية" تدعم المتظاهرين. وصل الامر باحدهم الى الشكوى من ان لعائلة صدّام حسين يدا في ما شهدته ايران من تحرّكات شعبية شملت نحو ستين مدينة وبلدة في انحاء مختلفة من البلد. من لديه درهم عقل ودراية ومعرفة بالواقع، يعرف تماما ان عائلة صدّام مشتتة ومنقسمة على نفسها. لم يعد من وجود لما يجمع بين أعضائها باستثناء الترحّم على الماضي وذكرياته.
كيف يمكن لنظام قام على فكرة "تصدير الثورة"، أي التصدير المستمرّ لازماته الى خارج ايران اتهام جهات "خارجية" بتحريض الايرانيين على النزول الى الشارع والانتفاض لكرامتهم كمواطنين يستحقون الاستفادة من ثروات ايران. يستحقّ الايرانيون ذلك بدل ذهاب هذه الثروات لتخريب لبنان عبر ميليشيا "حزب الله" وما شابهها من ميليشيات مذهبية او لحركة مثل "حماس" التي لا تاريخ لها سوى القضاء على أي امل في حصول الفلسطينيين على بعض حقوقهم المشروعة بدل البقاء تحت الاحتلال.
الامر نفسه ينطبق على اليمن حيث يلعب الحوثيون (انصار الله) الدور الذي يلعبه "حزب الله" في لبنان. ما ينطبق على اليمن ولبنان ينطبق خصوصا على سوريا حيث يدعم النظام الايراني نظاما طائفيا لم يكن لديه همّ منذ قيامه في العام 1970، وحتّى قبل ذلك عندما كان حافظ الأسد لا يزال وزيرا للدفاع، سوى لعب دور الحارس لجبهة الجولان المحتل بعد قبض ثمن تسليم الهضبة المحتلة الى إسرائيل في العام 1967.
منذ قيام "الجمهورية الإسلامية" في ايران، لم يسلم بلد عربي من شرورها، بما في ذلك المملكة العربية السعودية ودولة الكويت ومملكة البحرين ودولة الامارات العربية المتحدة التي لا تزال ثلاث من جزرها محتلّة منذ ايّام الشاه في 1971. لا جواب منطقيا بعد عن السبب الذي دفع ايران الى تأسيس "حزب الله" في لبنان والعمل في الوقت ذاته على تغيير طبيعة المجتمع الشيعي في بلد كان رمزا للانفتاح على العالم في المنطقة. ربّما الجواب الوحيد هو االتخريب ولا شيء آخر غير ذلك بحثا عن دور إقليمي مرحّب به اميركيا واسرائيليا.
ليت هناك جهات "خارجية" تتدخّل في ايران. المشكلة ان لا احد يريد التدخل ضدّ النظام الايراني. على العكس من ذلك، هناك تفرّج على ما تفعله ايران في المنطقة، بل هناك تشجيع لها على السير في الخط الذي تسير عليه منذ العام 1979. وهو خطّ استفادت منه اسرائيل الى ابعد حدود، خصوصا بعدما اعتبرت ايران ان القدس قضيّتها وخصص آية الله الخميني يوما للقدس في الأسبوع الأخير من شهر رمضان. لم تبعد مدينة القدس العربية عن أهلها، الذين يريدون البقاء فيها والمحافظة عليها، اكثر مما ابتعدت منذ اعلان الخميني عن "يوم القدس" بهدف واحد وحيد. يتمثّل هذا الهدف بالمزايدة على العرب فلسطينيا وخطف قضية فلسطين منهم.
لا وجود لحسيب او رقيب على تبديد ثروة كان يمكن ان تُستثمر في مصلحة الشعب الايراني الذي بات محروما الآن حتّى من تعليم أبنائه اللغة الانكليزية في الصفوف الابتدائية. ليست اللغة الانكليزية هذه الايّام سوى لغة العالم، او على الاصحّ، لغة كلّ ما هو حضاريّ في هذا العالم. هل هدف "المرشد" علي خامنئي عزل ايران عن العالم الذي يبدو انّه يستثمر في الدور الذي تؤديه "الجمهورية الإسلامية" على الصعيد الإقليمي كي تزداد حاجة دول الخليج ودول المشرق العربي الى الولايات المتحدة اكثر فاكثر؟ هل من استثمار أسوأ من الاستثمار في نشر الجهل بين الايرانيين تمهيدا لتعميمه في كلّ انحاء المنطقة؟
يظلّ العراق اهمّ مثل عن الدور التخريبي لإيران والدعم الخارجي، خصوصا الاميركي لهذا الدور. كان الاحتلال الاميركي للعراق في العام 2003 بمثابة انطلاقة جديدة للدور الايراني على صعيد المنطقة. منذ تقديم إدارة جورج بوش الابن العراق على صحن من فضّة الى ايران، لم يعد هناك من عراق موحّد. ما نشهده اليوم هو فصل أخيرا من تسليم قسم من العراق الى ايران. هناك في العراق سباق بين نوري المالكي وحيدر العبادي على من هو اكثر ولاء لإيران. مجرّد قبول العبادي بان يكون حليف "الحشد الشعبي" في الانتخابات النيابية المقبلة بمثابة دليل على مدى استعداده لاسترضاء ايران كي يبقى رئيسا للوزراء في السنوات المقبلة.
ليس "الحشد"، في نهاية المطاف، سوى مجموعة ميليشيات تابعة لـ"الحرس الثوري" الايراني. ليست معروفة نسبة الايرانيين، المجنّسين في العراق حديثا، الذين ينتمون الى "الحشد الشعبي"، لكن المعروف ان آلاف الايرانيين دخلوا الى العراق بمجرّد سقوط نظام صدّام حسين وذلك بمعيّة الميليشات التابعة للأحزاب العراقية، وهي أحزاب شاركت في الحرب التي خاضتها ايران مع العراق بين العامين 1980 و 1988 من القرن الماضي.
انتهت تلك الحرب التي قاتلت فيها هذه الميليشيات مع "الحرس الثوري" بتمكن العراق من احتواء الهجمة الايرانية عليه الى حين... أي الى حين ارتكاب صدّام مغامرته المجنونة في الكويت عام 1990 ثمّ قيام جورج بوش الابن بمغامرة لا تقلّ جنونا عن مغامرة صدّام عندما احتلّ العراق في العام 2003 وذلك من دون ايّ رؤية لمرحلة ما بعد الاحتلال والنتائج التي ستترتّب على ادخال الميليشات العراقية التابعة لإيران الى بغداد والبصره وغيرهما.
معه حقّ الرئيس سعد الحريري، الذي يعرف تماما من قتل والده، الذي شرح في حديث قبل ايّام الى "وول ستريت جورنال" الأسباب التي تدعو الى المحافظة على الحكومة اللبنانية الحالية على الرغم من مشاركة "حزب الله" فيها.
قبل كلّ شيء يوضح الحريري الى المراسل الذي اجرى معه الحديث ويدعى ياروسلاف تروفيموف، الذي له احد افضل لكتب عن السعودية وعنوانه "حصار مكّة"، ان "لبنان لا يستطيع وحده التصدي لـ"حزب الله" الذي صار "مشكلة إقليمية". ينتقل بعد ذلك الى القول: "مشكلتي مع الإسرائيليين انّهم يقولون في كلّ مرّة انّهم ينوون شن حرب بهدف اضعاف "حزب الله". في كلّ مرّة شنوا حربا في لبنان، كانت النتيجة تقوية "حزب الله" واضعاف الدولة" اللبنانية.
من يعود الى حرب صيف 2006، يكتشف كم كلام سعد الحريري دقيق. لم ينتصر "حزب الله" على إسرائيل في تلك الحرب. تركت له إسرائيل المجال لينتصر على الدولة اللبنانية. فبعد تلك الحرب، اعتصم الحزب في وسط بيروت لتعطيل الحياة فيها ثمّ نفّذ غزوة بيروت والجبل في ايّار – مايو 2008. هل من حاسب ايران على ما قام به "حزب الله"، ام ان ايران كوفئت على غزوة بيروت والجبل مثلما كوفئت على مشاركة "حزب الله" في الحرب على الشعب السوري وقبل ذلك على الاستثمار في ترسيخ الشرخ الطائفي والمذهبي في العراق؟
نعم، هناك تدخل "خارجي" في ايران. هذا التدخّل لمصلحة النظام في ايران وهو موجّه ضدّ الشعب الايراني. ليس ما يشير، الى الآن، الى ان الكثير سيتغيّر في عهد دونالد ترامب. سيستمر النظام في ايران الشكوى من تدخّل "خارجي" يصب في مصلحته. هذا جزء من اللعبة التي صار الشعب الايراني من ضحاياها... مثله مثل اللبنانيين والسوريين واليمنيين والبحرينيين وآخرين.