جريدة الجرائد

بيونجيانج وذكاء ترامب الاستراتيجي

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

مارك أيه. تايسين

حين لمح الرئيس إلى أنه يتصور نشوب حرب نووية محدودة مع خصمنا الشيوعي، شعر المنتقدون بالرعب بينما وصف النظام الحاكم في البلد الخصم تعليقاته بأنها «جنون خطير». وهذا الرئيس ليس دونالد ترامب بل رونالد ريجان الذي أثار في أول عام له في السلطة احتمال أن تنجو الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي من اشتباك بالأسلحة النووية التكتيكية. وفي العام نفسه، صرح ريتشارد بايبز مدير شؤون شرق أوروبا والاتحاد السوفييتي في مجلس الأمن القومي في إدارة ريجان لصحيفة «واشنطن بوست» بالقول إن احتمال نشوب حرب نووية يبلغ نحو 40%. ونقلت هذه التعليقات رسالة إلى موسكو مفادها أن ريجان ليس مثل من كانوا قبله في السلطة، فهو لا يريد الحرب لكنه لن يحيد عنها إذا تم استفزازه.

ولذا وجدنا يوري اندروبوف رئيس جهاز الاستخبارات الروسي «كي. جي. بي» يعلن في عام 1981 في مؤتمر كبير ل«كي. جي. بي» أن ريجان «يستعد جاهدا للحرب وأن ضربة نووية أولى أمر محتمل». وبعد ذلك بعامين، نقلت رئيسة الوزراء البريطانية مارجريت ثاتشر معلومات استخباراتية من الكولونيل أوليج جورديفسكي، ضابط «كي. جي. بي»، الذي كان يعمل لصالح البريطانيين، مفادها أن قناعة المسؤولين الروس تتزايد بأن ريجان يستعد لضربة نووية أولى وأنه يجري تدريبات استعداداً لها.

ولم يخيب ريجان ظن السوفييت، بل أكده. فقد قال مازحاً في العام التالي حين كان يختبر المايكروفون قبل كلمته الأسبوعية في الراديو: «سنبدأ القصف في غضون خمس دقائق». واعتقاد الزعماء السوفييت أن ريجان قد يكون مجنوناً بما يكفي ليضغط على الزر النووي، ضبط تصرفات السوفييت وجعلت من الممكن التوصل إلى نهاية سلمية للحرب الباردة.

ويحاول ترامب نقل رسالة مشابهة للنظام الكوري الشمالي. ففي الآونة الأخيرة، كتب تغريدة يخبر فيها بيونج يانج بأن الزر النووي لديه «أكبر وأكثر قوة بكثير» من الزر النووي لدي كيم جونج أون. ورسالة التغريدة ليست خبط عشواء ولا حمقاء، بل هي جزء من حملة يراد بها أن تدرك كوريا الشمالية أن ترامب، على خلاف السابقين عليه، مستعد لأن يستخدم القوة لمنع بيونج يانج من تهديد المدن الأميركية.

فقد ظل الكوريون الشماليون يعتقدون على مدار عقود أنه لا يمكن النيل منهم لأن بوسعهم تحويل العاصمة الكورية الجنوبية سيول إلى جحيم باستخدام الأسلحة التقليدية. والآن يسير الكوريون الشماليون على طريق كارثي لتطوير قدرات نووية بوسعها تحويل المدن الأميركية إلى جحيم. ويعتقدون أن امتلاك هذه الأسلحة يجعلهم أكثر أمنا. وترامب يحاول إقناعهم بأن العكس هو الصحيح. وأفضل فرصة لمنع مثل هذا الاستخدام للقوة هو تلقي كوريا الشمالية هذه الرسالة وتصديقها.

وقد أكد مايك بومبيو، مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية «سي. أي. أيه»، رسالة ترامب، حين صرح، في مقابلة مع برنامج «فوكس نيوز صنداي»، قائلا: «نريد النظام (في بيونج يانج) أن يفهم أننا عازمون، على خلاف من سبقونا، على حسم هذا الخلاف، وقناعتنا الراسخة هي أن حسمه دبلوماسيا هو الاستجابة الصحيحة. لكن هذه الإدارة مستعدة لعمل كل شيء لضمان ألا يبقى الناس في لوس انجليس ودينفر ونيويورك أسرى الخطر من كيم جونج أون لامتلاكه سلاحا نوويا». وكل الغاضبين دوما من ترامب وينتقدونه بسبب هذه التغريدة، يساعدونه بشكل غير مقصود أيضاً في توصيل رسالته إلى بيونج يانج، كما ساعد منتقدو ريجان في إقناع موسكو بأنه مجنون.

والسؤال الآن هو: هل تهديدات ترامب بتنفيذ عمل عسكري وهمية؟ الإجابة بالنفي. فقد شرح مستشار الأمن القومي «إتش. آر. مكماستر» الأمر في الآونة الأخيرة قائلا إن ترامب «لن يسمح لهذا النظام القاتل والمارق بتهديد الولايات المتحدة بأكثر الأسلحة دمارا على الكوكب». وكتب ترامب تغريدة على تويتر في أغسطس الماضي جاء فيها: «الحلول العسكرية متوافرة تماما في الخزائن ومعدة للاستخدام إذا تصرفت كوريا الشمالية بغير حكمة. نأمل أن يجد كيم جونج أون طريقاً آخر». وهذا لا يعني نشوب حرب نووية. لكن إذا واصلت كوريا الشمالية الاختبارات، فإن الأمر قد ينطوي على ضربة عسكرية تعطل عمل الصواريخ البالستية ومنشآت بيونجيانج النووية.

وأشارت الزميلة أوريانا سكايلار ماسترو في معهد «أميركان انتربرايز» مؤخراً إلى أن «كيم يستوعب أن حربا كورية ثانية ستنتهي بالقضاء عليه، ولذا فهو لديه حوافز لتجنب مثل هذا التصعيد. وبافتراض أن كيم عقلاني فمن الممكن أن توجه الولايات المتحدة ضربة جراحية محدودة ويكون رد كوريا الشمالية عليها في حده الأدنى». وترامب بتغريداته يريد منعنا من الوصول إلى تلك النقطة.

*كاتب خطابات الرئيس بوش الابن وباحث في معهد «أميركان انتربرايز»

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف