ما الذى بقى من زمن ناصر ؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
أحمد الجمال
فى لحظة الأزمة مازالت الجماهير تحمل صورته، شباب الاردن مستمرون فى استدعاء الزعيم
هو حاضر رغم الغياب ، فلا شىء يُنسى، وفى لحظات الأزمات عندما يخيم الظلام تستدعى الأمة أبطالها، وليس هناك من هو أقرب إلى القلوب من جمال عبد الناصر. واليوم تمر مائة عام من العلاقة الممتدة فى الزمن ما بين الأمة العربية و«جمال». فقد جاء الرجل إلى عالمنا فى 15 يناير 1918 ورحل فى 28 سبتمبر 1970. وما بين المولد والرحيل وما بعد الغياب ظلت الأحلام ذاتها، والهموم نفسها، ولم تغير الأمة عادتها من التطلع إلى «أبطالها الخالدين» تستمد منهم القوة والعزيمة لمواجهة تقلبات الزمن. وهنا سوف نعرض لمحات من قصة لم تنته فصولها بعد..
جمال يتحدى الزمن
يأبى أهل المحروسة إلا أن يبرهنوا دوما على عمق ما لديهم من قيم نبيلة، في مقدمتها الوفاء والقدرة على رد الجميل.. وأن يؤكدوا أنهم لم يفقدوا إرادة الحلم بحاضر ومستقبل أفضل، وهذا كله يجسده الموقف من جمال عبد الناصر الذي نحتفل بمئوية ميلاده هذه الأيام! وعندما نقول أهل المحروسة فإنهم تحديدا جماهيرها الواسعة من فلاحين وصغار ملاك زراعيين وعمال ومهنيين من مختلف التخصصات ومثقفين من مختلف المشارب، وأيضا الجنود ممن خرج من صفوفهم جمال عبد الناصر.. أما الذين ظلوا على مدي عقود طويلة ينفقون الأموال ويكيدون المؤامرات لاغتيال الرجل حيا أو اغتيال شخصيته راحلا، فهم استثناء من أهل المحروسة، وكم هو مخز لتلك الفئة أن ملياراتهم التي أنفقوها على فضائيات وصحف وعملاء ذهبت هدرا لم تحقق سوى خيبتهم وتبدد مسعاهم، وهم يتابعون حضور ناصر في مصر وفي الأمة العربية وفي إفريقيا والعالم الثالث، بل وفي الدوائر المثقفة الموضوعية في العالم المتقدم.
ويتساءل البعض ماذا بقي من جمال عبد الناصر، والأصح عندي هو ماذا بقي لجمال عبد الناصر؟! ويتساءل آخرون ماذا لو عاش جمال عبد الناصر وواجه ما جرى من متغيرات، وهو سؤال ليست له صلة بالعلم، لأن التاريخ لا يعرف لو، وإنما يعرف أن أحداثا وقعت كانت لها مقدمات ومسارات ونتائج تمت يجب مناقشتها وتفسيرها لاستخلاص دروسها لتفيد الحاضر وتؤسس للمستقبل!.
لقد بقي لجمال عبد الناصر تكوينه المصري الخالص، أي البساطة والتلقائية وخفة الظل وحمل الهموم، وقبل هذا كله وبعده الإحساس العالي والدائم بالكرامة وربطها بالعزة ومن ثم ربطهما بالتراب الوطني وبالشعب!.
بقي لجمال عبد الناصر القدرة الفائقة على الاستجابة للتحدي، وكلما كان التحدي كبيرا وعاتيا كانت الاستجابة أكثر قوة، وهناك عشرات المواقف والأحداث التي تؤكد ذلك إذا أخذنا في الاعتبار أن التحديات لم تكن فقط خارجية، أي تحدي الاستعمار القديم والكيان الصهيوني والاستعمار الإمبريالي الحديث وتحدي الحفاظ على تدفق مياه النيل، وتحدي التجزئة والتفتيت في الوطن العربي وتحدي القوى الرجعية في المنطقة، تلك التي استخدمت الدين في مواجهة الوطنية والقومية، وكل ذلك وغيره كان تحديات خارجية، ولكن كانت هناك تحديات داخلية لا تقل خطورة.. تحدي الاستقلال الوطني وتحدي التنمية المستقلة المخططة الشاملة وتحدي الفقر والجهل والمرض، وتحدي محاولات الفتن الطائفية والمذهبية، وتحدي القوى المضادة للتغيير وتحدي بناء جيش وطني قوي وبالجملة تحدي النهوض بالوطن وحمايته!
وفي سبيل ذلك كانت سياسات وإنجازات دخل بعضها سجل التاريخ العالمي، كالسد العالي الذي اعتبر عالميا أهم مشروع إنشائي في القرن العشرين!.
بقي لجمال عبد الناصر الملايين من المصريين الذين ربطوا بين كرامتهم الذاتية كرامة وطنهم وحقهم في الحياة، طعاما وشرابا وصحة وتعليما وعلما وثقافة وفنا وعملا!
ومئات الألوف من المهندسين والأطباء والتقنيين والمحامين والمحاسبين والمدرسين، وغيرهم ممن تخرجوا في الجامعات التي انتشرت في ربوع الوطن، وكانوا هم صناع النهضة ورسل المحروسة في أمتها العربية وقارتها الإفريقية.
وبقي لجمال عبد الناصر السعي لتحقيق حقوق أهل المحروسة في كل اتجاه.. بقي له - وهو الأهم والأكثر شمولا- القدرة على الحلم، تلك التي ميزته وحفزته على أن ينجز ثم يرحل، وهو لم يتجاوز الثانية والخمسين من عمره.. الحلم بوطن متحرر ومواطن حر والحلم بوطن عربي متحد ممتد من المحيط الأطلسي إلى المحيط الهندي، والحلم بعالم ثالث متحرر من الاستعمار والتبعية والتخلف، وبعالم دولي قائم على العدل والاحترام المتبادل بين الشعوب.. والحلم بإنسان متوازن يعرف كيف يرضي ضميره فيرضي ربه، ويمضي متوازنا بين عقله وروحه ووجدانه وبدنه، لذلك نمت القوة الناعمة لمصر نموا هائلا في السينما والمسرح والفنون الشعبية والغناء والموسيقى بل والأوبرا والأوبريت!.
وإذا عرفنا بالتفصيل ماذا بقي لجمال عبد الناصر فسنعرف بالتأكيد لماذا بقي هو بمنهجه ورؤيته وحلمه مسطرة يقاس عليها في وجدان الناس.. فتراهم يربطون حاضرهم بما كان في حلم جمال عبد الناصر، ولماذا بقيت جماهير الناس ترفع صورته واسمه عند كل منعطف سياسي كبير، ليس في مصر فقط وإنما في أكثر من وطن على مستوى العالم من فلسطين وإلى أمريكا اللاتينية!.
وعلى ذلك يمكن تفسير مدى الضراوة والشراسة اللتين تتصاعدان ضد شخصيته ومنهجه وحلمه وتاريخه وإنجازاته، وكأنه مازال حيا يسعى ويخشون منه في غدهم لأن المُقدس الوحيد عندهم هو الربح وتراكم الأموال، ولو كانت قذرة راكموها من عرق وجهد العامل والفلاح والموظف وعمدوا إلى الإفساد والفساد، بل وصلوا إلى اعتبار التواطؤ مع المحتل ومع المعتدي سلوكا مقبولا منهم حتى لو كانت النتيجة هي تدمير الوطن كله وتقويض أمنه وأمانه ومستقبل أجياله.. ولم يعد خافيا شأن الذين تواطأوا وتعاونوا من قبل مع الاحتلال البريطاني، ثم عملوا في المؤسسات الإعلامية للمعتدي في حرب 1956، ووصلت الحال بهم إلى شرب أنخاب انتصار العدو الصهيوني في 1967 وصلى بعضهم ركعات شكر على ما حدث!!.
أخيرا وليس آخرا، فسوف يستمر هذا الصراع مادامت الأجندة الوطنية باقيه تحوي بنودا كانت وظلت وستبقى مطروحة على الأمة، ابتداء من حماية التراب الوطني واستقلال الوطن ومواجهة المعتدي من الخارج والإرهاب في الداخل، وليس انتهاء بالعدل الاجتماعي الذي هو حلم الأحلام للملايين.