إبحَثْ عن «المتضرر»
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
زياد الدريس
لقيت صرخة الاستغاثة، التي أطلقها رئيس تحرير صحيفة «الجزيرة» السعودية، صدى ودويّاً كبيرين، لكنها لم تلقَ الاستجابة التي يأملها الأستاذ خالد المالك لإنقاذ الصحافة الورقية من تسونامي الإعلام الجديد.
في البدء، أتحفّظ على الظن بأن ما يُجرى الآن هو حرب بين الصحافة الورقية والصحافة الإلكترونية، فحرب الاستنزاف الدائرة الآن ليست ضد الصحافة الورقية، بل ضد الصحافة التقليدية، سواء كانت ورقية أو إلكترونية.
هذا التمييز الضروري بين ثنائيات الصراع سيجعلنا نمحّص؛ هل استغاثة الصحافي الكبير أبي بشار، هي لإنقاذ نوع الصحافة الورقية أم لإنقاذ نمط الصحافة التقليدية؟!
تمكننا المقاربة بين تطور حالة الصحف مع تطور حالة الهاتف في بيتنا، في البدء كان الهاتف الثابت هو وسيلة الاتصال لعقود طويلة، وكنا نظن استحالة استغناء البيت عنه، حتى جاء الهاتف الجوال فأصبح الناس لا يسألون عن رقم هاتف المنزل كما كانوا يفعلون، وأصبحت تمر الأيام أو الأسابيع من دون أن يرن الهاتف الثابت الذي أصبح شبه أبكم، حتى إن كثيرين عمدوا إلى إلغاء الهواتف الثابتة في منازلهم حتى لا يدفع رسوم اشتراك غير مستخدم، تماماً كاشتراكات الصحف التي لا تُقرأ!
المعركة لم تنته حينذاك، فالهاتف الجوال كان في بداياته يشبه الصحافة الإلكترونية في بداياتها، وعندما خرجت الهواتف الذكية إلى الوجود تحوّل الجيل الأول والثاني من الهواتف الجوالة إلى هواتف تقليدية على رغم البون الشاسع بين تقليديتها وتقليدية الهاتف الثابت!
وهكذا، فإن النسخ الإلكترونية المنقولة بحذافيرها عن نسخ الصحافة الورقية سيكون مصيرها مثل مصير الجيل الأول من الجوال.
هل انتهت معركة التطور والتنافس والإحلال الآن، لا يمكن أحداً أن يجرؤ على القول: نعم.
يخطئ من يظن بأن الحرب ضد الصحافة التقليدية هي في الوسيلة فقط أو في المحتوى فقط، بل هي فيهما معاً، أي هي فذلكة جديدة في صياغة المحتوى يتم إيصالها للمستفيد بوسائل جديدة.
وخلافاً للقانون الشهير في تأويل الأحداث: «ابحث عن المستفيد»، فإن سؤالنا هنا، عن التهديدات التي تطارد الصحف التقليدية، يجب أن يكون: «ابحث عن المتضرر»، هل هو القارئ (الذي نسمّيه: المستفيد الأول من الخدمة)؟ أم هو الصحافي (الذي هو في الحقيقة المستفيد الأول من الخدمة!!!)؟
وختاماً، فإذا كان من أحد أتحسّر على موته مع الإعلام التقليدي، فهو (الرقيب) الذي كنا نهاجمه وصرنا الآن نعرف قيمته ودوره في حماية الذوق العام، بعد أن ذقنا بعض مرارات الانفلات والبذاءة اللفظية والفكرية التي تغشى الإعلام الجديد!